أصدرت لجنة الرقابة والإصلاح داخل مجلس النواب الأميركي (الكونغرس)، في الآونة الأخيرة، تقريراً مثيراً للجدل يتناول برنامج الطاقة النووية السعودي، وقد استندت فيه على تسريبات عدّة تتحدّث عن عزم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، السماح لشركات أمريكية بتزويد المملكة العربية السعودية بتكنولوجيا نووية حسّاسة لدعم هذا البرنامج.
ويرسم التقرير، عملياً، رؤية موجّهة المعالم داخل البيت الأبيض، تقوم على تشجيع بناء عشرات محطّات الطاقة النووية في السعودية والمنطقة، وهو ما يمكن وصفه بزيت يُصب في منطقة مُشتعلة بالأساس، نظراً إلى ما يشكّله هذا التوسّع في إنشاء محطّات للطاقة النووية من تحدّيات أمنية جدّية، ولا سيّما إذا كان نقل المعرفة والتكنولوجيا النووية غير مُقيّد ومُراقب.
ماذا في التقرير؟
تقرير لجنة الرقابة والإصلاح داخل الكونغرس الأمريكي لمح إلى إمكان وجود صفقة بين واشنطن والرياض، تُمنح بموجبها السعودية ما تريده نووياً
يلمّح التقرير إلى إمكان وجود صفقة بين واشنطن والرياض، تُمنح بموجبها السعودية ما تريده نووياً، كجزء من خطّة السلام الشاملة التي يُروج لها حالياً، ويشارك فيها جارد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي وزوج ابنته.
ووفقاً للتقرير، يروّج مستشارون سابقون وحاليون داخل البيت الأبيض لنهجٍ يتصف بالمرونة في التعاطي مع برنامج الطاقة النووية السعودي، ويقضي بالسماح للسعودية للقيام بأنشطة مختلفة، مثل تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود النووي المستنفد، وهذه الأنشطة ليست إلّا مدخلاً لتوفير المواد اللازمة لتطوير برنامج تسلّح نووي إذا رغبت السعودية في ذلك.
مع الإشارة إلى أن محاولات تسهيل نقل المعرفة والتكنولوجيا النووية إلى السعودية ترتبط ارتباطاً وثيقاً مع مصالح الشركات الأميركية المعنية التي يمكنها جني مليارات الدولارات من خلال الحصول على عقود بناء وتشغيل المنشآت النووية السعودية، ومع مصالح كبار المستشارين في الإدارة الأميركية والأدوار التي يمكنهم الاضطلاع بها مستقبلاً.
ويحذّر التقرير من سعي البيت الأبيض الحثيث لعقد صفقة نووية مع الرياض بمعزل عن الضوابط والممارسات الصارمة التي تحجب نقل التكنولوجيا النووية الأميركية إلى بلدان يُشكّك بإمكان قيامها بأنشطة نووية غير سلمية، نظراً إلى التبعات التي قد تنطوي عليها والمتعلّقة، بشكل رئيس، بانتهاك قانون تصدير الطاقة الذرّية، وهو ما قد يشكّل سابقة قانونية قد تتحوّل إلى عنصر جرمي يحاسب عليه المعنيون.
هل السعودية بحاجة إلى الطاقة النووية؟
لطالما روّجت القيادة السعودية لفكرة تطوير برنامج للطاقة النووية، لكن على عكس ما حصل في الإمارات العربية المتّحدة حيث تشرف المفاعلات على إنتاج الكهرباء بعد الانتهاء من مرحلة البناء، لم يحقّق البرنامج السعودي أي تقدّم ملحوظ نظراً لخضوعه إلى خطط دائمة التغيّر تسيطر على آلية التخطيط له. إلّا أن الثابت في هذا البرنامج هي المبررات التي يقدّمها السعوديون لتبرير حاجتهم إلى بناء مفاعلات طاقة نووية، وأبرزها الدور الإيجابي الذي يعكسه برنامجاً مماثلاً في الحدّ من استهلاك النفط داخلياً وبالتالي زيادة الكمّيات القابلة للتصدير.
بالإضافة إلى ذلك، يسوّق أنصار الطاقة النووية في السعودية الحاجة إليها بصفتها مصدراً غير متقطّع للطاقة على عكس مصادر الطاقة المُتجدّدة. إلّا أن معاينة الخطط الموضوعة قيد الدرس يدحض هذه الحجّة، كونها تعكس اهتمام السعودية ببناء مفاعل أو اثنين على أبعد تقدير، أو بعض المفاعلات الصغيرة، والتي لن تسهم بإحداث أي تغيير جذري في الاعتماد على النفط والغاز لتوليد الكهرباء.
وكمّية الكهرباء المنوي إنتاجها نووياً تشكّل نسبة صغيرة من حاجات المملكة إلى الطاقة، وبالتالي يمكن الإستعاضة عنها بسهولة، وبصورة أكثر فعالية من الناحية الاقتصادية، بالطاقة الشمسية، والتي تبرع فيها شركات محلّية ذات صيت دولي مثل أكوا بور.
أمّا من ناحية التكلفة والقدرة التنافسية، فالطاقة النووية تعدّ باهظة التكاليف مقارنة مع بدائل الطاقة من المصادر المُتجدّدة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من جهة، ومع الغاز الطبيعي من جهة أخرى. والجدير ذكره أن الاستثمار في الطاقة الشمسية في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيّما في السعودية، شهد قفزات في الحصول على أسعار كهرباء تنافسية للغاية، حتّى في غياب الدعم الحكومي المباشر.
كيف يمكن أن ينعكس الموضوع إقليمياً وعلى الصراع بين الرياض وطهران؟
تلعب السعودية دوراً أساسياً في المنطقة، وهي في حالة خصومة ومواجهة شديدة، مع إيران، تحوّلت إلى صراع إقليمي ممتدّ من اليمن إلى سوريا مروراً بالعراق ولبنان. لقد أثار برنامج طهران النووي، لا سيّما بعد تولي الإسلاميين الحكم فيها، مخاوف جدّية لدی القيادة السعودية.
وفي أكثر من محطّة، أعرب السياسيون السعوديون عن نيّتهم بناء قدرة نووية موازية، آخرها كان العام الماضي، مع تصريح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قائلاً: "من دون شكّ، إذا طوّرت إيران أسلحة نووية، فسنتبعها في أقرب وقت ممكن".
إن الاتفاق النووي بين إيران والقوى الدولية عام 2015، حدّ بشكل كبير من قدرات طهران على تحويل برنامجها النووي السلمي إلى برنامج عسكري، وعلى الرغم من الصعوبات التي يمرّ بها الاتفاق منذ وصول الرئيس ترامب إلى سدّة الرئاسة في الولايات المتّحدة الأميركية، إلّا أن طهران بقيت مُلتزمة ببنود الاتفاق، ولكن، من المحتمل أن يؤدّي قبول واشنطن نقل المعرفة والتكنولوجيات النووية - مثل تخصيب اليورانيوم - إلى الرياض، إلى تراجع إيران عن التزاماتها النووية، وبدء مرحلة جديدة من السباق نحو التسلّح النووي في منطقة مُشتعلة.
لماذا تتنافس الدول في امتلاك الطاقة النووية؟
وحتّى لو لم يتم تحويل الأنشطة النووية السلمية إلى برامج تسلّح، إلّا أن المفاعلات النووية قد تشكّل أهدافاً عسكرية لبلدان معادية أو منظّمات إرهابية. وفي المنطقة، هنالك تاريخ من استهداف المنشآت النووية خلال الحروب المُتلاحقة. عام 1981 قصفت إسرائيل ودمّرت مفاعل عراقي بحثي قيد الإنشاء، وعام 1984 دمّرت الطائرات العراقية جزءاً من مفاعل بوشهر النووي الإيراني. وفي كانون الأول/ ديسمبر 2017، اكد الحوثيون في اليمن أنهم استهدفوا المحطّة النووية الجديدة في أبوظبي في الإمارات بصاروخ باليستي.
وعلى ضوء هذا التاريخ، فإن وجود عدد كبير من مفاعلات الطاقة النووية في منطقة الشرق الأوسط، كما يروّج فريق مستشاري الرئيس ترامب وفق تقرير الكونغرس، يشكّل عامل عدم استقرار جدّي ومخاطرة كبيرة.
اضف تعليق