لايزال المجتمع العراقي يعيش أتون عادات وتقاليد أبرزها سطوة العشيرة وحكم قانونها على سلطة الدولة، فالبرغم من اصدر قوانين حكومية رادعة، ألا أن قانون العشيرة لازال المتسيد فوق قانون الدولة وتشريعاتها.
الفصل العشائري ابرز المعوقات التي تواجه الدولة في تنفيذ قوانينها ،ففي حادثة عدت الأغرب من نوعها دفع عشيرة احد طلبة جامعة المثنى فصلا عشائريا بلغ (5) ملايين دينار عراقي، والسبب أن الطالب صارح زميلة له بحبه. اذ اعتبرت قبيلة الفتاة تلك الخطوة انتهاكاً لشرف العائلة يتطلب الدية كتصرف رادع لكل شاب يفكر في الخطوة ذاتها.
الفصل العشائري ذلك أثار موجة انتقاد واسعة طالت شيوخ العشائر المشاركين في ديته حيث تداول نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي منشورات متهكمة بسخرية لاذعة حثت الطلبة الجامعيون الى الحوار مع زميلاتهم تجنباً لفصل عشائري تقترن قيمته بتخصص الفتاة.
احد الطلبة علق ضمن تجمع طلبة الجامعة المستنصرية بأن "العراق متجه نحو الهاوية فلا قانون يستمد قوته بالتشريعات ولا شعب ينبذ عاداته السيئة ما دام القانون يتجاوز شيوخ الابتزاز".
طالبة جامعية أخرى علقت بالقول "سطوة حكم قانون العشيرة وشيوخها وصل أقصى درجات التعليم في العراق فعلى عراقنا السلام".
الأستاذ الجامعي د. غزوان جبار، طالب بان "يكون التعليم العالي بعيداً عن سطوة السياسية والدين والعشيرة، فبناء المجتمع يبدأ من أعداد جيل قادر على القيادة الصحيحة"، لافتا إلى أن "الخطر يمكن بزج التعليم في بديهيات ما يحدث خارج أسوار الجامعة والعشيرة أنموذجا".
وانتقد غزوان عبر وكالة النبأ للإخبار، "تصرف الطلبة الجامعين بأعتبارهم قادة جيل المستقبل وتحصنهم خلف العشيرة، فيما كان يفترض تطبيق القوانين الجامعية على المخالفين".
مدرب التنمية البشرية عماد الفهد أوضح أن "واقع المجتمع العراقي لازال عشائرياً، فالقانون رجل مريض لا يقوى المقاومة ،وتدخل العشيرة في المسالة كان أجراء صحيح بتوقيت خاطئ".
ويضيف الفهد أن "أروقة الجامعات تشهد كثيرا مثل هكذا قصص من قبيل الإعجاب والحب والتعلق من طرف واحد أو من كلا الطرفين وعادة ما تنتهي العلاقة أما بالزواج أو الافتراق، وحسب كل حادثة".
موضحا بان "الشاب الذي صارح البنت كان يجدر به حسن التصرف في أن يسبق حديثه مجموعة من الإجراءات المعروفة تقريباً بأعراف الجامعات فإذا كان محب وراغب بالزواج كان به الأجدر أن يتبع خطوات وأولويات من قبيل إدخال احد أخواته او إحدى زميلات الطالبة او الأساتذة".
وابدى الفهد رفضه لاستخدام البعد العشائري وإتباع دية الفصل كون استخدام تلك الأساليب سوف ينعكس سلباً على حياة الفتاة، والنظرة السلبية لها ولأهلها ولمستقبلها إذ انه إجراء ظالم كان من الممكن اتخاذ إجراءات أخرى فيها اقل حدة إزاء الموضوع".
من جهته اعتبر الشيخ مجيد العقابي "جعل الفصل العشائري أو الدية حلا لكل المشكلات المجتمعية دلاله على ضعف وجود العقلاء في القوم، واستغلالها من قبل البعض كوسيلة للابتزاز، فمن غير المنطقي ان تحل المشكلات المجتمعية عشائريا وان كان لابد فلا ضرورة حتمية لدية الفصل".
وتسائل العقابي، هل اقدم الشاب على جريمة؟ وان كان تصرفه خاطئا لكنه لم يجرم ليعاقب بدية مالية ربما أنهكت أسرته او بالتشهير لكلا الطرفين"، لافتا إلى أن "هناك حرمة شرعية في الفصل العشائري، فهل نحن بدولة أسلام حقا أم أن القانون العشائري تجاوز سلطة الدولة وقانون الشرع الإلهي أيضا؟".
ويرى الخبير القانوني طارق حرب أن مثل هذه الحوادث تتكرر كل يوم في حين يقف القانون عاجزا عن التدخل. مؤكدا "أن الخلل يكمن في ثقافة المجتمع الذي بات يلوذ بالعشيرة دون قوانين الدولة، فهناك جهل من كافة الطبقات، فالأستاذ الجامعي والطبيب والمسؤول باتوا يلجؤون إلى العشيرة لحل مشاكلهم سواءً في العمل أو حياتهم الخاصة".
ويعترف بأن "هناك عشائر فاسدة استغلت وضع البلاد غير المستقر، ويقول "لقد تحولت هذه الظاهرة من مجرد قوانين عرفية تنظم حياة الأفراد إلى وسيلة للابتزاز واستغلال للنفوذ الذي تتمتع به بعض العشائر".
وعن دور الحكومة قال حرب "أغلب الحكومات التي توالت بعد عام 2003، ضعيفة، وقد لجأت إلى تقوية حكمها بالاعتماد على المحاصّة الطائفية والعشيرة، على حساب حقوق المواطنين".
وكان المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني اصدر في وقت سابق فتوى شرعية تناولت الفصل العشائري المتعارف عليه في العراق .
وجاء في الفتوى، أنه "إذا كان ذلك من قبيل الحكم والقضاء فلا يجوز الاّ بشروطهما الشرعية فلا يجوز الحكم بغير ما انزل الله او القضاء ممن ليس أهلاً لذلك شرعاً إما اذا كان اقتراحاً للمصالحة بين الطرفين مثلاً، فلا إشكال فيه ان لم يكن فيه تضييعاً لحق ذوي الحقوق الشرعية كأن يؤدي الى إلزام الكبير بأقل من حقه من دون رضاه أو اعطاء القاصر دون حقه فيكون إعانة على الظلم".
وعن الشخص او الاشخاص الذين ياخذون الفصل، كان الجواب "لا يجوز أخذ الفصل في حالتين، الأولى: اذا اعطاه صاحب المال باكراه ولم يكن مستحقاً عليه شرعاً، والأخرى فيما اذا كان المستحق لأخذه صبياً أو كبيراً لا يرضى بأخذ غيره له كما لو كان الفصل من قبيل الدية ولم يكن الآخذ من ورثة المقتول او ممن رضي ورثته بأخذه".
وحول من يجمع منهم هذا الفصل بالرضى او الاكراه؟ كان الجواب: "ليس عليهم شيء".
وبالسؤال عمن يكره الآخرين على دفع قيمة الفصل؟ كان الجواب: "لا يجوز اكراه الآخرين فيما لم يثبت عليهم حق شرعي". انتهى/خ.
اضف تعليق