في خطوة أثارت ردود فعل واسعة، فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية جديدة على الصين، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والاقتصادي العالمي، هذه الخطوة تأتي في وقت حساس، حيث يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إحداث تغيير في التحالفات الدولية، خاصة بين الصين وروسيا.
ترامب، الذي أظهر تقارباً غير مسبوق مع روسيا خلال فترة حكمه، يأمل في إضعاف الشراكة بين موسكو وبكين. هذا التقارب يهدف إلى إعادة رسم العلاقات الدولية وإحداث شرخ بين الحليفين التقليديين، ومع ذلك، يرى خبراء أن هذه الجهود قد لا تؤثر بشكل كبير على الشراكة المتينة بين الصين وروسيا.
من جهة أخرى، يشير سلوك بعض القادة الغربيين، مثل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال لقائه مع ترامب، إلى وجود انقسامات داخلية في الغرب، وهذه الانقسامات قد تؤثر على وحدة الصف الغربي في مواجهة التحديات العالمية.
بالتوازي مع ذلك، تزداد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين. ردود الفعل من دول مثل الصين وكندا والمكسيك على الرسوم الجمركية الأمريكية الأخيرة تشير إلى تصعيد قد يؤثر على الاقتصاد العالمي.
وفي ظل هذه التطورات، يبدو أن الغرب يواجه تحديات غير مسبوقة تهدد وحدته وتماسكه. سياسات ترامب قد تكون لها تداعيات بعيدة المدى على التحالفات الدولية ومكانة الولايات المتحدة على الساحة العالمية.
وفي وقت يُظهر فيه الاقتصاد الصيني مؤشرات تباطؤ، فإن الدخول في حرب تجارية مكثفة سيكون آخر ما تريده بكين، رغم التصريحات المتشددة لدبلوماسييها.
ومع ذلك، فإن هذه الضغوط التجارية، حتى لو تحولت إلى حرب اقتصادية شاملة، تبقى تحديات قصيرة إلى متوسطة الأمد. إذ من المتوقع أن يأمر الرئيس الصيني شي جين بينغ بلاده بالصمود، وهو ما ستفعله بكين، رغم التكلفة الباهظة التي ستدفعها، لكن هذه الخسائر ستتلاشى على المدى البعيد أمام المكاسب التي يقدمها ترامب، دون قصد، للصين.
تفكك الغرب
فمثلاً يأتي اقتراح ترامب لحل الأزمة الأوكرانية متوافقاً إلى حد كبير مع شروط روسيا، كما أن طموحاته الصادمة بشأن كندا وغرينلاند تخدم الصين بشكل غير مباشر.
وأدى نهجه العدائي إلى تدمير علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها في أمريكا الشمالية وأوروبا، كما أشار بوضوح إلى أن بلاده لم تعد مهتمة بالمشاركة في المشاريع الدولية، مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومنظمة الصحة العالمية.
ويتساءل الكاتب لماذا يُعدّ هذا مكسباً للصين؟ مجيباً أن أن بكين وضعت استراتيجية عالمية تقوم على "فكر شي جين بينغ"، وتهدف إلى تحقيق "حلم الصين" بإعادة إحياء عظمتها بحلول عام 2049، الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. وقد جعل ترامب هذا الحلم أقرب إلى التحقق.
نظام عالمي جديد.. يتمحور حول بكين
الهدف الاستراتيجي للرئيس شي هو "إعادة الصين إلى عظمتها"، وفق شروطها الخاصة. ويسعى إلى "استعادة" المكانة العالمية التي يعتقد أن الصين تمتعت بها عبر التاريخ، عندما كانت أكثر تقدماً وثراءً وابتكاراً.
ويمر تحقيق هذا الطموح عبر ما يسميه شي "دمقرطة العلاقات الدولية"، بحيث تصبح الصين القوة المهيمنة في تشكيل مستقبل العالم، مسترشدة بثلاث مبادرات رئيسية: التنمية، الأمن، والحضارة.
لكن الأمر لا يتعلق بإنشاء نظام عالمي جديد كلياً ليحل محل النظام الليبرالي، الذي قادته الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بل بتحويل النظام القائم ليتمحور حول الصين، مدعوماً بدول الجنوب العالمي. أي ضمان منح الأمم المتحدة الأولوية لمصالح هذه الدول، ممثلة في زعيمتها الصين، على حساب مصالح الغرب.
وفي حين أن هذا الطرح يلقى قبولاً في دول الجنوب العالمي، إلا أنه يواجه صعوبة في اختراق الديمقراطيات الغنية. فقد حافظت هذه الدول على ولائها للولايات المتحدة، رغم الأزمات التي مرت بها العلاقات عبر العقود.
ترامب.. أكبر مسوّق للرؤية الصينية
وحتى الآن، كانت جهود الصين لإقناع دول الجنوب العالمي بتبني رؤيتها لتعديل النظام الدولي تسير ببطء. لكن ترامب سرّع هذه العملية، من دون قصد.
فمع تراجع المساعدات الإنسانية الأمريكية، بدأت الدول الأضعف في الجنوب العالمي تشعر بوطأة هذا القرار، ما عزز الدعوات الصينية لـ"دمقرطة العلاقات الدولية".
ولم يكن أحد ليخدم المشروع الصيني بهذه الفعالية كما فعل ترامب، إذ ساعد، من خلال سياساته الانعزالية، على منح الصين فرصة ذهبية لتعزيز نفوذها عالمياً.
وبسياسة "أمريكا أولاً"، قدّم ترامب للصين ما لم يتمكن شي من تحقيقه بنفسه.
صحيح أن "حلم الصين" لم يتحقق بالكامل بعد، لكنه قطع خطوات هائلة بفضل ترامب، الذي وفر له دفعاً غير مسبوق.
م.ال
اضف تعليق