شهدت العديد من دول العالم، متقدمة ونامية على حدٍ سواء، في 2018، العديد من الاحتجاجات الشعبية، والتي تسبب فيها أداء الحكومات وقراراتها الاقتصادية التي أثرت بالسلب على المواطنين وأوضاعهم المعيشية؛ التقرير التالي يستعرض أبرز هذه الاحتجاجات.
إيران.. فقر وبطالة ودونالد ترامب
خرج الإيرانيون في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في تظاهرات صغيرة اعتراضًا على الأوضاع الاقتصادية المتردية وارتفاع ثمن البيض، ثم لم تلبث أن تصاعدت وتيرة الأحداث لتتحول هذه التظاهرات إلى احتجاجات واسعة منتشرة ضد الحكومة، تخللها اشتباكات مع الشرطة واعتقالات، ليبدأ عام 2018 والإيرانيون في الشوارع، ثائرين ضد النظام كله، بحسب بورزو داراغي، الصحافي المقيم في إسطنبول، في تقريره لموقع "BuzzFeed" الإخباري.
وبحسب إفادة فرح الزمان الصحافية المتخصصة في الشأن الإيراني وقت وقوع هذه الاحتجاجات؛ فإن المُحرك الأساسي لهذه الانتفاضة الشعبية كان اقتصاديًا بحتًا، إذ إن بعض الإيرانيُّين ممن خسروا أموالًا وضعوها في مؤسسات مالية للاستثمار، دأبوا على مطالبة الحكومة بتحصيل حقوقهم، ولم يصلوا لنتيجة.
ثم تطور الغضب الشعبي بحسب فرح التي تعيش في العاصمة الإيرانية طهران، بعد أن قدَّم روحاني موازنته للعام الفارسي الجديد الذي كان سيبدأ في مارس (آذار) 2018، وإعلانه عن رفع سعر البنزين، وهو ما ترافق حينها مع غلاء أسعار بعض المواد الغذائية، الأمر الذي نتج عنه خروج المدنيين إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم وتحسين ظروفهم المعيشية.
وقال مراقبون إن سبب هذه التظاهرات يرجع أيضًا إلى ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، علاوة على تفشي الفساد وسوء الإدارة، والسياسة الخارجية التي تدعم العديد من بلدان المنطقة على حساب المواطن الإيراني.
وفي يونيو (حزيران) من العام نفسه؛ اندلعت موجة أخرى من التظاهرات، بعد انخفاض قيمة الريال الإيراني أمام الدولار الأمريكي، وأغلقت آلاف المحال التجارية في سوق طهران الكبير (جراند بازار) بالعاصمة الإيرانية أبوابها، تلبية لدعوة إضراب أطلقها التجار بعد تدهور قيمة الريال بشكل كبير، إذ وصلت إلى 100 ألف ريال مقابل الدولار الواحد.
وتظاهر المئات من أصحاب المحال التجارية منددين بالسياسات الاقتصادية التي تسببت في ارتفاع أسعار الكثير من السلع في الوقت الذي تواجه البلاد عقوبات أمريكية جديدة بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.
وفي أغسطس (آب) الماضي؛ تجددت موجة الاحتجاجات في إيران على وقع الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بعد أن وصلت قيمة الريال الإيراني إلى 117 ألف مقابل الدولار الواحد قبل أيام من فرض الولايات المتحدة للمرحلة الأولى من العقوبات على طهران، ثم ما لبثت أن أعلنت دعمها للتظاهرات الشعبية. فيما اجتاحت تظاهرات عمالية، مدينة الأحواز ذات الأغلبية العربية جنوب غربي إيران في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، اعتراضًا على تأخر صرف الرواتب والمستحقات، بعد إضراب بدأ قبل الاحتجاجات بأسبوعين، في مصنع سكر القصب "هافت تابه".
العراق.. بطالة ونقص ماء وكهرباء واختفاء مليارات
في الثامن من يوليو (تموز) الماضي، خرج مئات العراقيين في تظاهرات شعبية، احتجاجًا على البطالة وسوء الأوضاع الاقتصادية، ونقص الخدمات العامة مثل الكهرباء والماء والرعاية الصحية واختفاء مليارات خاصة بالبنية التحتية من ميزانية الدولة.
التظاهرات التي بدأت في البصرة وحظت بمساندة وعبر المرجع الديني آية الله علي السيستاني، الذي يندر تدخله في السياسة، لم تلبث أن انتشرت في العديد من مدن الجنوب العراقية، وأجبرت رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، على العودة من بروكسل، والتوجه إلى البصرة، للقاء المحافظ وقيادة العمليات العسكرية، ومدير شركة الطاقة وشيوخ العشائر. لكن التظاهرات التي وصلت ساحة التحرير في العاصمة بغداد، نتج عنها سقوط مصابين وقتيل على الأقل، بعد استخدام قوات الأمن القوة في تفريق المتظاهرين واعتقالهم.
المتظاهرون الذين اقتحموا مطار النجف وأوقفوا حركة الملاحة الجوية، حاولوا عبور جسر الجمهورية في اتجاه المنطقة الخضراء شديدة التحصين والتي تضم المقار الحكومية المهمة وبعض البعثات الدبلوماسية الأجنبية، وتظاهروا أمام مقر حزب الدعوة الذي ينتمي له رئيس الوزراء في محافظة ميسان، ثم بدأوا في محاصرة منازل السياسيين وحرق مقر أحد الأحزاب السياسية في البصرة، ما نتج عنه فرض لحظر التجوال في المدينة.
تظاهرات العراق، عادت واندلعت مرة أخرى في سبتمبر (أيلول) الماضي بعد انتهاء المهلة التي حددها المتظاهرون للحكومة دون الوصول إلى أية حلول مُرضية، ونتج عنها ما يزيد عن 12 قتيل، بالإضافة إلى 68 جريحًا، ومئات المعتقلين، وإحراق العديد من المقار السياسية، وديوان عام محافظة البصرة.
فرنسا.. زيادة أسعار الوقود صبّت الزيت على النار المشتعلة
بعد المائة يوم الأولى من توليه السلطة أعلن إيمانويل ماكرون عبر حديث له مع صحيفة "لوبوان" الفرنسية عن سياساته التي سينتهجها خلال فترته الرئاسية، وذلك بعد صيف صعب شهد تراجعًا كبيرًا في شعبيته بعد الإعلان عن الإصلاحات الهيكلية التي تمت مباشرتها، والتي تتضمن قانون العمل ونظام التقاعد ومساعدات البطالة، باعتبارها خطوة أولى نحو تجديد النموذج الاجتماعي الذي سبق وأن وعد به الرئيس الفرنسي، مؤكدًا أنه "لا يسعى إلى جعل الأمور أكثر بساطة، بل أكثر فاعلية".
وفي بداية أبريل (نيسان) الماضي شهدت فرنسا موجة احتجاجات وإضرابات من قبل عمال السكك الحديدية، بالإضافة إلى تظاهرات الطلاب الفرنسيين الذين أعربوا عن عدم رضاهم عن السياسات الاقتصادية في البلاد. إذ أعلن عمال وموظفو السكك الحديدية رفضهم للإصلاحات التي تنتهجها الحكومة، والتي تنطوي على إدخال المنافسة في مجال السكك الحديدية وخصخصة قطاع النقل، علاوةً على القضاء على الوضع القانوني المستقل للسكك الحديدية، الذي يوفر عددًا من المزايا للعاملين في هذا القطاع؛ فيما أعلن الطلاب رفضهم لإصلاح التعليم الذي سيُحدث تغييرات خطيرة في عملية الامتحانات النهائية. وكان 58% من الفرنسيين الذين شاركوا في استطلاعٍ للرأي أجراه مركز "Odoxa" لصالح قناة "BMFTV" التلفزيونية، قد عبروا عن عدم رضاهم عن الخط الاقتصادي الذي ينتهجه ماكرون.
هذه الاحتجاجات لم تلبث وأن زادت وتيرتها بالتزامن مع عيد العمال في مايو (آيار) الماضي، عندما رفعت النقابات العمالية الفرنسية لافتات مناهضة للرأسمالية ورافضة لسياسات ماكرون الاقتصادية خلال مسيرة عيد العمال، قبل أن تتخلل هذه المسيرة أعمال شغب، واشتباكات عنيفة مع الشرطة التي استخدمت الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه من أجل تفريق المتظاهرين والقبض عليهم.
هذه الاشتباكات أعقبها أيضًا مظاهرة كبرى نظمتها الحركة اليسارية المعروفة باسم "فرنسا لا تنحني" والتي خاض رئيسها جان لوك ميلينشون، الانتخابات الرئاسية في عام 2017، وأُطلِق عليها اسم "احتفالية ماكرون"، وشارك فيها، ما يصل إلى حوالي 160 ألف متظاهر بحسب المنظمة، رافعين لافتات كُتِب عليها "عامٌ واحد يكفي"، و"كفى ماكرون"، والتي أتت بالتزامن مع مرور عام على تولي ماكرون رئاسة البلاد، معربين عن رفضهم التام لـ"النموذج الاجتماعي" الذي يتبناه ماكرون والذي يعتمد على الإضرار بالطبقات الاجتماعية الدُنيا، وبالرغم من كم الإضرابات التي شهدتها المدن الفرنسية، إلا أن الرئيس الفرنسي أعلن رفضه التام التخلي عن تطبيق وعوده الخاصة بتغيير أوضاع السكك الحديدية وتقليص النفقات الحكومية، والتي تُعد جزءًا من برنامجه الانتخابي.
في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعلنت الحكومة الفرنسية عن رفع أسعار الوقود، تماشيًا مع ارتفاع أسعار النفط العالمية وتمهيدًا لخطة فرنسا منع بيع السيارات التي تعمل بالبنزين بحلول عام 2040، هذا الارتفاع قوبل برفض شعبي واسع واستهجان كبير، وإطلاق دعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدأها سائق شاحنة في شرق باريس، ثم دعمتها حركة شعبية أطلقت على نفسها اسم "السترات الصفراء" في إشارة إلى السترات الصفراء المضيئة التي يرتديها سائقو الشاحنات والسيارات النقل عند تعطل سياراتهم، وذلك من أجل النزول إلى الشوارع والاعتراض على قرارات الحكومة، وإغلاق كل النقاط الحيوية والاستراتيجية في البلاد، بدءًا من الطرقات مرورًا بمحطات الوقود ووصولًا إلى المواصلات.
المشاركون والداعمون لدعوات الإضراب والخروج إلى الشوارع، والتي انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم، أكدوا أن الفرنسيين خاضعون منذ تولي ماكرون السلطة في مايو (أيار) 2017 لـ "سياسة ضريبية أنهكت الطبقات المعوزة منهم وحتى المتوسطة"، وأن السياسة الاجتماعية للحكومة تسببت في تراجع القدرة الشرائية للمواطن، وأن ارتفاع أسعار الوقود ما هو إلا القطرة التي فاض بها الكيل.
والمعروف رسميًا عن حركة "السترات الصفراء" أنها نشأت في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على خلفية ارتفاع أسعار الوقود، واشتدت حدتها إثر إعلان حكومة إدوارد فيليب عن نيتها رفع الرسوم على المحروقات مرة أخرى بواقع 6.5 سم من اليورو للتر الديزل، و2.9 سم من اليورو للتر البنزين، في الأول من يناير (كانون الثاني) القادم. ومنذ ذلك الحين، أخذت دعوة حركة "السترات الصفراء" في الانتشار بسرعة البرق، في أرجاء المدن الفرنسية كافة، وما زاد من الامتعاض الشعبي تجاه ماكرون هو تجاهله لكل مؤشرات وعلامات الغضب الاجتماعي ضد غلاء المعيشة الذي يعاني منه الفرنسيون، بل إنه ألقى باللوم على المواطنين الذين شكوا من ثقل الضرائب وانخفاض قدرتهم الشرائية.
وأملًا منها في تقويض دعوات المشاركة في الاحتجاج، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب، عن صرف مساعدات مالية للطبقات الفقيرة، تبلغ قيمتها حوالي 500 مليون يورو من أجل تحسين قدرتهم الشرائية ومساعدتهم في مواجهة الزيادات المرتقبة بمجال الطاقة. وكانت الاحتجاجات الشعبية قد عمت أرجاء فرنسا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وقدم مواطنون فرنسيون إلى باريس من مختلف أنحاء فرنسا وتجمعوا في شارع الشانزليزيه للتعبير عن رفضهم لسياسات الحكومة الفرنسية، وما لبثت أن تحولت الاحتجاجات إلى مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين؛ ووقعت اشتباكات عنيفة بين الطرفين، وأضرم المتظاهرون النار في مقطورة ما أدى إلى انفجارها، واستخدمت الشرطة الفرنسية كذلك الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والرصاص المطاطي لتفريق المتظاهرين الغاضبين، مما تسبب في مقتل اثنين وإصابة المئات.
وفي الرابع من ديسمبر (كانون الأول) أعلن رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب تعليق الضرائب الإضافية على الوقود لمدة ستة أشهر وهو ما رفضه المتظاهرون وتمسكوا بتنظيم المظاهرات في باريس وطالبوا الرئيس ماكرون بالذهاب إلى صناديق الاقتراع، وبعد يوم واحد أعلن الرئيس ماكرون إلغاء الضريبة على الوقود للعام 2019 بشكل نهائي، تبعها إصدار قرارات أخرى بزيادة الحد الأدنى للرواتب وإلغاء ضريبة التقاعد.
تجربة السترات الصفراء تجتاح العالم
كانت التجربة الفرنسية ملهمة للعديد من الشعوب الأخرى التي تعاني تحت وطأة الأوضاع الاقتصادية السيئة، فاجتاحت تجربة السترات الصفراء القارة العجوز وانتشرت في بلجيكا وهولندا وألمانيا وبلغاريا كما تنتشر النار في الهشيم، فيما قام البعض الآخر بإدخال تغييرات طفيفة على التجربة التي وصلت إلى تونس في القارة الأفريقية، فيما دعا نشطاء أردنيون إلى مظاهرات بـالشماغ الأحمر في الوقت الذي حارب النظام الفكرة في مصر من قبل أن تبدأ، وحذر أصحاب محال أدوات الأمن الصناعي في القاهرة والإسكندرية من بيع كميات من السترات الصفراء والإبلاغ فورًا عن أي شخص يطلب شراء كميات منها.
بروكسل تعلمت الدرس من "رأس" باريس الطائر
في مشهد مماثل لما وقع في فرنسا تظاهر المئات من أصحاب السترات الصفراء في العاصمة البلجيكية بروكسل، تنديدًا بالسياسات الاقتصادية لحكومة بلادهم وغضبهم من ارتفاع الأسعار. المظاهرات البلجيكية قوبلت بعنف من قوات الأمن التي قامت باعتقال نحو 100 شخص في الثامن من ديسمبر (كانون الأول)، بعد عمليات تدقيق بحسب تصريحات للمتحدثة باسم شرطة بروكسل فان دي كيير لوكالة فرانس برس.
ووقعت اشتباكات بين الشرطة البلجيكية والمحتجين الذين حاولوا اختراق السياج الأمني والحواجز المؤدية إلى الحي الذي يقع فيه البرلمان الأوروبي ومقر الاتحاد الأوروبي وباقي الهيئات الأوروبية والذي أغلق حينها بشكل كامل قبل أن يعود الهدوء مرة أخرى بعد عملية الاعتقال.
ولأن ما حدث في باريس كان أمام مرأى العالم كله، فقد آثرت الحكومة البلجيكية الانحناء لموجة الاحتجاجات، وأن تتعامل بذكاء أكثر من نظيرتها الفرنسية في التعامل مع مطالب المتظاهرين، ما جعل المظاهرات تنحسر شيئًا ما، حيث أعلنت مديرية الطاقة البلجيكية في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عن خفض سعر البنزين في محطات التزود بالوقود.
سترات هولندا تنسلخ عن اليمين المتطرف
تظاهرات السترات الصفراء التي انتقلت للعاصمة الهولندية أمستردام، سيطر عليها اليمين المتطرف، ما أدى إلى ظهور دعوات أخرى على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوكللتظاهر بالسترات الحمراء. وخلال الأسبوع الأخير من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والأول من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، شهدت العديد من المدن الهولندية مظاهرات للسترات الصفراء للاحتجاج على ميثاق الأمم المتحدة للهجرة وسن التقاعد والغلاء في قطاعي الصحة والتعليم ومشكلة اللاجئين.
وذكرت "السترات الحمراء" في بيان لها أنها قررت النزول إلى الشارع الهولندي لتنظيم مظاهرات احتجاجية ضد رئيس الوزراء مارك روتة والمطالبة بنظام حكم اجتماعي. وقالت إنها ستنظم مظاهرات في مدينة أوترخت ضد الحكومة في الثالث عشر من يناير (كانون الثاني) المقبل، وأشارت إلى أن مظاهرات "السترات الصفراء" المندلعة منذ خمسة أسابيع، سيطر عليها اليمينيون المتطرفون في هولندا ولذلك تم تفعيل "السترات الحمراء" في إشارة إلى أن الحركة الجديدة لا تنتمي إلى أي فصيل سياسي أو حزبي.
"السترات الحمراء" تصل تونس الخضراء
على خُطا الاحتجاجات الفرنسية، دشن ناشطون تونسيون حملة باسم "السترات الحمراء"، على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إذ يرمز اللون الأحمر للعلم التونسي ودماء شهداء الثورة. وقال النشطاء الذين قاموا بتدشين الحملة في بيانهم التأسيسي أن الحملة جاءت لإنقاذ تونس في ظل غياب المصداقية وضبابية الرؤية لدى الطبقة السياسية، وتنديدًا بغلاء المعيشة وارتفاع نسب البطالة واستمرار سياسات الإفقار الممنهج، وذلك وفق البيان التأسيسي للحملة.
وقد اجتذبت الحملة التي اتخذت من مواقع التواصل الاجتماعي نقطة انطلاق لها؛ العديد من النشطاء والصحفيين والمثقفين وأعضاء المجتمع المدني، وسط دعوات بالنزول إلى الشارع بالتزامن مع الذكرى الثامنة للثورة التونسية. وقد انقسم الشارع التونسي بين مؤيد ومعارض للحملة، واتهمها البعض بأنها ممولة من دول خارجية. فالناشط التونسي أحمد حسين اتهم السعودية والإمارات بأنهما تقفان خلف الحركة وأنها تهدف لتدمير تونس. ووصفها النائب محمد بن سالم عن حزب حركة النهضة بالتقليد الأعمى، واتهم أطرافًا سياسية عدة بالوقوف خلفها من بينهم نبيل القروي مالك قناة "نسمة" الذي وصفه بأنه يرفض الاستقرار الحكومي والاجتماعي.
الأردن.. تقشف وارتفاع أسعار وقمع حريات
استجابةً لتوجيهات صندوق النقد، ورغبةً في خفض الدين العام، بدأت الأردن عامها الحالي، بزيادة أسعار الخبز وفرض ضرائب جديدة على العديد من السلع والمواد، لكن ما تسبب في طفح كيل المواطن الأردني، كان إحالة الحكومة مشروع قانون ضرائب جديد للبرلمان، في نهاية مايو (أيار) الماضي، ما نتج عنه اندلاع تظاهرات وسط العاصمة الأردنية عمان، احتجاجًا على هذا المشروع علاوة على سياسة رفع الأسعار.
وردد المحتجون آنذاك شعارات مناهضة للحكومة التي كان يترأسها آنذاك هاني الملقي، فيما أعلن رئيس الوزراء الأردني أنه لن يسحب مشروع قانون للضرائب يدعمه صندوق النقد الدولي، برغم مطالب الاتحادات العمالية والنقابات والاحتجاجات على رفع الأسعار، مؤكدًا على أن حكومته ستترك القرار للبرلمان ليقول الكلمة الأخيرة في مشروع القانون.
هذه الاحتجاجات الشعبية، لم تلبث أن أطاحت بالملقي في يونيو (حزيران) الماضي، ليحل محله دكتور عمر الرزاز، وسط تفاؤل شعبي، تحول إلى خيبة أمل كبيرة، بعد مرور أسابيع معدودة من توليه رئاسة الوزراء، بحسب استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، بعد أن عادت حكومة الرزاز لتمرير المشروع مرة أخرى، مع تعديلات رآها الكثيرون غير جوهرية، إذ تم الإبقاء على المواد التي أثارت غضب الشارع دون تغيير يذكر.
وفي الوقت الذي سعت فيه الحكومة الأردنية إلى خفض سقف الإعفاء الضريبي، كان ثمة مشروع قانون آخر من شأنه أن يخفض "سقف الحريات"، إذ قامت الحكومة الأردنية في عام 2017 بإدخال بعض التعديلات على قانون الجرائم الإلكترونية، قبل أن يحيل البرلمان في سبتمبر (أيلول) الماضي تلك التعديلات إلى اللجنة القانونية البرلمانية تمهيدًَا للتصويت عليها، مما أشعل موجة أخرى من الغضب الشعبي.
ومنذ بداية ديسمبر الحالي، توالت الدعوات عبر منصات التواصل الاجتماعي، من أجل الخروج في مظاهرات حاشدة أسبوعية، للتنديد بالأوضاع المعيشية الصعبة، ورفض قانون ضريبة الدخل والجرائم الإلكترونية، مستعينين برمز الشماغ الأحمر المستلهم من السترات الصفراء التي استخدمها المحتجون في فرنسا.
وتتلخص مطالب المحتجين الأردنيين في خفض ضريبة المبيعات على السلع الأساسية إلى النصف، وإعادة الدعم إلى الخبز، وعدم التلاعب بأسعار الوقود من خلال اعتماد الأسعار العالمية لتسعير المشتقات النفطية، وتخفيض تعريفة الكهرباء، بالإضافة إلى تعديل قانون الانتخابات بحيث يمهد لتشكيل حكومات منتخبة من الشعب فضلًا عن إلغاء قانون الجرائم الإلكترونية.
السودان.. هل يُسقط الشعب نظام البشير؟
اعتاد السودان أن يشهد انتفاضات واحتجاجات متكررة على مدار العام، لكنّ تلك التظاهرات التي تندلع في أواخر العام تكون عادًة هي الأشد، نظرًا لأنه الوقت الذي تنتهي فيه الحكومة من إقرار الموازنة العامة، والتي غالبًا ما تواجه بالغضب حين تصطدم بطموحات الشارع المُتأزم.
التظاهرات التي اندلعت في التاسع عشر من ديسمبر الجاري؛ كانت خالية من الرؤوس المُحركة لها، وهو ما مثّل تخبطًا للنظام في التعامل معها، لأنّ كافة الاحتجاجات التي سبقتها مثّلت دعوة مباشرة من أطراف بعينها في المعارضة، لذا كان النظام يكتفي باعتقال أطرافٍ بعينها، وهو ما حدث في أوائل العام الجاري حين داهم جهاز الأمن اجتماعًا للمعارضة أسفر عن القبض على عددٍ من رؤساء الأحزاب المُناوئة للسُلطة، بالتزامن مع حملة اعتقال المئات ممن خططوا ونفذوا ما أسموه "الاحتجاج السلمي» ضد الجوع والغلاء.
وفيما تستمر المظاهرات الغاضبة في الشوارع، تبدو السُلطة هادئة مع الاحتجاجات التي لا تحظى باهتمام وسائل الإعلام العربية؛ فالجيش التف حول قياداته وقطع الطريق على بعض أطراف المعارضة التي تأمل في تحركه، وفي الوقت الذي أعلنت فيه قطر مساندتها للبشير، حذت البحرين نفس حذوها، وفيما التزمت السعودية والإمارات الصمت يبدو موقفهما واضحًا من رفض سقوط النظام السوداني.
وكانت التظاهرات قد خرجت من مدرسة صناعية بمدينة عطبرة شمال البلاد بسبب غضب الطلبة من انعدام الخبز في وجبة الإفطار، لتخرج الاحتجاجات إلى شوارع البلدة التي امتدت لاحقًا إلى مدينة بورتسودان شرق البلاد، ثم وصلت إلى العاصمة الخرطوم، فيما وصلت الحرائق إلى مدن أم درمان والأبَيض في ولاية شمال كردفان. وكان السبب الرئيسي الذي أشعل غضب المتظاهرين هو قرار الحكومة زيادة أسعار الخبز ثلاثة أضعاف، ليباع سعر الرغيف بما بين ثلاثة إلى خمسة جنيهات سودانية.
ويمكن القول إن الخبزُ وحده لم يكن من حرّك غضب الشارع؛ فالأزمات المتراكمة التي لحقت بالسودانيين بسبب إقرار موازنة عام 2018، والتي قفزت على إثرها أسعار السلع خلال العام بشكل متضاعف، وفشل خطط الحكومة أيضًا في خفض العجز الحكومي، إضافة إلى وصول نسبة التضخم إلى حاجز خيالي نحو 70%، تزامنًا مع أزمات الوقود وانهيار العُملة، هو ما سبب احتقان الشارع؛ في الوقت الذي تقدّم فيه 33 حزبًا مثّلوا أغلبية أعضاء البرلمان باقتراح تعديل دستوري يهدف لتمديد الحد الأقصى لفترات الرئاسة، فلا يضطر الرئيس البشير إلى التنحي عن السلطة عام 2020 بموجب الدستور الحالي، التعديل الذي إن تم سُيمكنه من خوض الانتخابات المقبلة والفوز فيها على الأرجح.
ودعت منظمة العفو الدولية إلى وضع حد لاستخدام القوة المميتة في السودان، بعدما أعلنت أنها أحصت مقتل 37 متظاهرًا برصاص قوات الأمن. وقالت سارة جاكسون مساعدة مدير المنظمة لمنطقة شرق أفريقيا والبحيرات الكبرى والقرن الأفريقي، إن: "واقع استخدام قوات الأمن للقوة المميتة دون تمييز ضد المتظاهرين العزل هو أمر مقلق للغاية".
وتابعت سارة: "مع مقتل العشرات، يجب على الحكومة وقف هذا الاستخدام المميت للقوة ومنع المزيد من سفك الدماء غير الضروري. بدلًا من محاولة منع الناس من التظاهر، يجب على السلطات أن تركز على إنهاء قمع حقوق الإنسان الذي طال أمده، وأن تحل الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى تعجيل هذه الاحتجاجات بشكل جماعي". ولا تزال التظاهرات السودانية قائمة، وسط غياب التغطية الإعلامية الملائمة للأحداث، والحظر المفروض من السلطات السودانية على وسائل الإعلام المختلفة.
المصدر: ساسة بوست
اضف تعليق