رغم الدعوات الحقوقية لحظر توريد الأسلحة إلى إسرائيل بسبب عدوانها الوحشي على غزة، استمرت الولايات المتحدة في دعمها العسكري، حيث أقرت بين أغسطس 2024 ويناير 2025 صفقتي أسلحة بقيمة 28 مليار دولار، غير أن الأسلحة لم تكن الأداة الوحيدة المستخدمة في الحرب، فقد لعبت الشركات التكنولوجية الأميركية دورًا محوريًا في تمكين جيش الاحتلال من تنفيذ عمليات الاستهداف والقتل المنهجي عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي.

وأظهرت تحقيقات وتقارير عدة أن شركات مثل غوغل وأمازون و"بالنتير" قدمت لإسرائيل أدوات متقدمة ساهمت في تحديد أهداف مدنية وعسكرية بدقة غير مسبوقة، ما أسفر عن مقتل آلاف الفلسطينيين. وكشفت صحيفة واشنطن بوست أن غوغل قدمت مساعدة مباشرة لجيش الاحتلال في حربه على غزة عبر خدمات الحوسبة السحابية وأدوات الذكاء الاصطناعي، رغم احتجاجات موظفيها الذين عارضوا عقد الشركة مع الحكومة الإسرائيلية، ما أدى إلى فصل 49 منهم. وأكدت الوثائق المسربة أن الجيش الإسرائيلي استخدم تقنيات غوغل منذ بداية العدوان، خاصة خدمة "فيرتكس" التي تتيح تشغيل خوارزميات لتحديد الأهداف ورصدها وتدميرها. كما منحته الشركة وصولًا إلى تقنيات "جيميناي"، مما ساعده في تطوير أنظمة تحليل بيانات استخباراتية ومعالجة مستندات وملفات صوتية.

مشروع "نيمبوس"، وهو عقد حوسبة سحابية بقيمة 1.2 مليار دولار أبرمته غوغل وأمازون مع إسرائيل عام 2021، كان أيضًا جزءًا من هذا الدعم. وقد صرح غابي بورتنوي، مدير الأمن السيبراني الإسرائيلي، بأن هذه التقنيات "لعبت دورًا حاسمًا في تحقيق النصر العسكري".

إلى جانب ذلك، طورت إسرائيل أداة ذكاء اصطناعي تدعى "حبسورا"، تعتمد على بيانات ضخمة لرصد الأهداف وتحديد الأشخاص والبنى التحتية المستهدفة.

ووفقًا لتحقيقات إعلامية، فإن هذه الأداة مكنت الجيش من قصف 100 هدف يوميًا، مقارنة بـ 50 هدفًا يحددها محللون بشريون سنويًا.

الوحدة 8200، المسؤولة عن التنصت والحرب السيبرانية في إسرائيل، أقامت مركزًا متخصصًا للذكاء الاصطناعي، حيث تعاونت مع شركة "بالنتير تكنولوجيز" الأميركية التي زودتها بأنظمة متقدمة لتحليل البيانات الاستخباراتية.

وتقع هذه الوحدة في مستوطنة أقيمت على أنقاض قرية فلسطينية مهجرة، مما يعكس ارتباطها العميق بالسياسات الاستعمارية الإسرائيلية.

مجلة "ذا نايشن" كشفت أن "بالنتير" عقدت اجتماعات مكثفة مع الحكومة الإسرائيلية، ووقع رئيسها التنفيذي، أليكس كارب، اتفاقية تعاون مع وزارة الدفاع الإسرائيلية في يناير 2023. وفي دافوس 2024، أبدى كارب دعمه لإسرائيل، رغم إقراره سابقًا بأن تقنيات شركته "تستخدم أحيانًا للقتل".

هذا التعاون أثار موجة احتجاجات داخل الشركة وخارجها، حيث استقال بعض الموظفين اعتراضًا على دعمها للحرب، فيما سحبت شركة استثمارية نرويجية أصولها منها بسبب تورطها في الجرائم ضد الفلسطينيين.

أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل "لافندر"، التي يستخدمها جيش الاحتلال، صممت لتحديد آلاف الأهداف البشرية واللوجستية تلقائيًا، مما أدى إلى قصف آلاف الفلسطينيين، بينهم مدنيون كثر، بناءً على معطيات إلكترونية لا تخضع للمراجعة الدقيقة. وأشارت تقارير إلى أن هذه الأنظمة سجلت 37 ألف فلسطيني كمقاتلين محتملين دون أي تدقيق بشري فعلي، ما أدى إلى سقوط أعداد هائلة من الضحايا بسبب قرارات خوارزمية غير خاضعة للرقابة.

الطائرات المسيرة الإسرائيلية، المدعومة ببرمجيات الذكاء الاصطناعي، استهدفت حتى فرق الإغاثة، كما حدث مع منظمة "المطبخ المركزي العالمي" التي قُتل سبعة من موظفيها بغارات موجهة. وكشفت "ذا نايشن" أن هذه الهجمات كانت "دقيقة للغاية"، ما يعني أنها نُفذت بقصد وليس عن طريق الخطأ.

بالتوازي مع هذا الدعم التقني، استفادت إسرائيل من وكالة الأمن القومي الأميركية، حيث أمدتها بمعلومات استخباراتية حساسة تم جمعها عبر التجسس على اتصالات الفلسطينيين في الولايات المتحدة. وكشف إدوارد سنودن سابقًا عن تعاون استخباراتي أميركي إسرائيلي يتيح لإسرائيل الوصول إلى بيانات الفلسطينيين وتحليلها عبر أنظمة متطورة، مثل نظام "تيتان"، وهو مشروع أميركي حديث قد يتم اختباره في غزة من قبل الاحتلال.

استخدام هذه التقنيات لم يؤدِ إلى تقليل الأضرار الجانبية كما تدّعي إسرائيل، بل أدى إلى مجازر مروعة استهدفت المدنيين بشكل مباشر. فوفقًا لموقع "لوكال كول"، قصف جيش الاحتلال منازل بأكملها لأن خوارزميات الذكاء الاصطناعي اعتبرت ساكنيها أهدافًا مشروعة.

التقنيات التي كانت تُروج كأدوات لتعزيز الدقة في الحروب أصبحت أداة للإبادة الجماعية، حيث تُستخدم لتحديد الأهداف وتنفيذ الهجمات دون تدقيق بشري كافٍ. وقد أدت هذه الحرب "المؤتمتة" إلى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا، بينهم نساء وأطفال، مما يثير تساؤلات أخلاقية عميقة حول تورط الشركات الغربية في جرائم الحرب الإسرائيلية.

م.ال

اضف تعليق