في ظاهرة اجتماعية مقلقة، سجل العراق في عام 2024 أكثر من 72 ألف حالة طلاق، بواقع يقارب 8 حالات طلاق كل ساعة، وهذا التزايد المستمر في نسب الطلاق لا يقتصر على كونه أزمة اجتماعية، بل أصبح تحدياً يهدد استقرار الأسرة العراقية ويؤثر على بنية المجتمع بشكل عام، مما يثير تساؤلات حول أسبابه الحقيقية وغياب الحلول الجذرية للحد منه.
بين الاقتصاد والعادات الاجتماعية
ويُجمع الخبراء على أن ظاهرة الطلاق في العراق لا يمكن فصلها عن السياقات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها البلد.
الأزمة الاقتصادية
المحامي محمد قاسم، في حديثه للجريدة الرسمية، رأى أن الظروف الاقتصادية الصعبة تمثل المحرك الأبرز لهذه الظاهرة.
يقول قاسم: "البطالة، وارتفاع تكاليف المعيشة، وعدم استقرار الدخل، كلها عوامل تضغط على الأزواج، ما يجعل الخلافات تنفجر بشكل أسرع وأعمق".
ويضيف، أن "التفاوت الاقتصادي بين العائلات وعدم قدرة الكثيرين على توفير حياة مستقرة يزيد من احتمالية الانفصال."
العادات الاجتماعية:
من جهتها، تشير الباحثة الاجتماعية ريا قحطان إلى أن العادات والتقاليد السلبية تؤدي دوراً كبيراً في تفاقم هذه الظاهرة.
وتوضح: "إجبار الأبناء على الزواج دون استعدادهم النفسي أو المادي، وزواج القاصرات، والتدخلات المستمرة من الأهل، كلها عوامل تؤدي إلى تصاعد الخلافات الزوجية."
وتُلفت قحطان النظر إلى دور الزواج القائم على المصالح المادية أو الاجتماعية، والذي يفتقر إلى أسس الحب والتفاهم، مؤكدة أنه غالباً ما ينتهي بالفشل، بسبب افتقاره إلى الأسس النفسية والعاطفية اللازمة لبناء حياة مستقرة.
وسائل التواصل الاجتماعي.. سلاح ذو حدين
وتُجمع العديد من الدراسات على التأثير الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي على الحياة الزوجية في العراق.
قحطان تشير إلى، أن "هذه الوسائل لعبت دوراً سلبياً في تعزيز التوقعات غير الواقعية حول الزواج، حيث أصبحت العلاقات تُصوَّر بشكل مثالي بعيد عن الواقع".
وتضيف: "تقدم وسائل التواصل الاجتماعي صورة للمرأة المطلقة باعتبارها قوية ومستقلة، وهو ما قد يدفع بعض النساء إلى اعتبار الطلاق حلاً سهلاً لمشكلاتهم. كما أن الترويج لفكرة استبدال الشريك بسهولة يعكس سطحية في فهم العلاقات الزوجية."
الأبناء.. الضحية الصامتة
ولا تقتصر تداعيات الطلاق على الزوجين، بل تمتد لتشمل الأبناء، الذين يُعدّون أكبر المتضررين من هذه الأزمة.
وفي معرض حديثها للصحافة، تقول الناشطة الاجتماعية إسراء الحجيمي:"الأطفال يعانون من صراعات نفسية وعاطفية نتيجة تفكك أسرهم، الكثير منهم يعيش في بيئة مليئة بالتوتر والصراعات، ما يؤثر على نموهم النفسي والاجتماعي."
وتضيف: "غالباً ما يتحمل الأهل مسؤولية رعاية الأطفال بعد الطلاق، لكن غياب التفاهم بين الطرفين يجعل الأمر أكثر تعقيداً."
الطلاق في العراق لم يعد مجرد مشكلة أسرية، بل أصبح تحدياً وطنياً يهدد استقرار المجتمع ككل، الحلول تتطلب تضافر الجهود بين الحكومة والمجتمع المدني والمؤسسات الدينية والاجتماعية، لإعادة بناء مفهوم الأسرة على أسس أكثر وعياً واستقراراً، فبدون معالجة جذرية، ستظل هذه الظاهرة تهدد أجيال المستقبل وتضعف الروابط المجتمعية.
م.ال
اضف تعليق