في مفارقة غريبة، تتصدر بغداد قائمة المدن ذات تكاليف المعيشة المرتفعة، متجاوزةً في أسعار عقاراتها وإيجاراتها وحتى تكاليف المعيشة اليومية بعضاً من أفضل مدن العالم من حيث جودة الحياة.

ورغم التراجع الواضح في مستوى الخدمات الأساسية، من بنى تحتية مهترئة إلى نظام صحي متدهور وبيئة تعاني من الإهمال، يجد المواطن البغدادي نفسه يدفع أسعاراً توازي ما يُدفع في عواصم مزدهرة مثل دبي أو إسطنبول أو حتى لندن، لكنه بالمقابل يحصل على خدمات لا ترقى إلى الحد الأدنى من المعايير العالمية.

وحل العراق في مرتبة متوسطة نسبياً بكلفة المعيشة عالمياً، وفق إحصائيات تكلفة المعيشة لعام 2024، حيث جاء في المرتبة 85 من أصل 132 دولة، وفي المرتبة الثامنة عربياً بعد كل من قطر، الإمارات، لبنان، البحرين، الأردن، الكويت، والسعودية.

أما بشأن كلفة الإيجار، فقد جاء العراق في المرتبة 81 عالمياً، وفي المرتبة 89 عالمياً بتكلفة البقالة، والمرتبة 75 بأسعار المطاعم، والمرتبة 68 عالمياً بالقوة الشرائية.

ويقول الخبير في الشأن الاقتصادي، نبيل التميمي في تصريحات اعلامية، إن "هناك عدة أسباب رئيسية تقف وراء هذا الارتفاع، من أبرزها قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، ومدى قدرة الاقتصاد العراقي على الإنتاج، إذ يعتمد بشكل كبير على الاستيراد بدلاً من الاكتفاء الذاتي والتصدير".

وأضاف التميمي، أن "كلف الإنتاج، سواء الرأسمالية أو التشغيلية، تلعب دوراً أساسياً في تحديد الأسعار، بالإضافة إلى مدى وفرة القوى العاملة ورأس المال البشري، سواء المحترف أو غير المحترف.

كما أن الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة، والضرائب المفروضة على الإنتاج المحلي والتجارة الداخلية، تؤثر على حركة السوق وتكاليف السلع والخدمات".

ووفقاً للتميمي، فإن "حجم الدعم الحكومي للسلع والخدمات، وأسعار الوقود، والبيئة الاستثمارية والإنتاجية في البلاد، إلى جانب كفاءة البنى التحتية والبيئة القانونية للتجارة، تعد من العوامل الحاسمة التي تحدد شكل الاقتصاد المحلي ومدى استقراره".

وأشار التميمي إلى، أن "الاقتصاد العراقي يواجه ظروفاً غير طبيعية، مع تغيرات مستمرة في هذه المؤشرات، ما يسهم في ارتفاع كلف المعيشة مقارنة بالمدن الأخرى في المنطقة".

التضخم والدولار وأسعار الأسواق

وتعتبر العاصمة بغداد واحدة من أسوأ المدن في العالم من حيث جودة الهواء والتلوث، وفقاً لإحصائية عالمية دورية تعتمد على بيانات الأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمة الفاو ومنظمة العمل الدولية.

وحلّ العراق في مراكز متأخرة عربياً وعالمياً ضمن تقرير تحليلي موسّع صدر حديثاً عن "اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا" (إسكوا) التابعة للأمم المتحدة، تحت عنوان "الأحجام الحقيقية لاقتصادات الدول العربية بين عاميّ 2017 و2023".

ووفقاً للتقرير، فقد جاء العراق في المرتبة 12 عربياً من أصل 20 دولة عربية، والمرتبة 118 عالمياً من بين 173 دولة من حيث مستوى الرفاه المادي للمواطن، حيث بلغ متوسط الإنفاق الفعلي للفرد خلال الفترة المذكورة نحو 6,461 دولاراً سنوياً.

وذكرت تقارير اعلامية، أن "معدل التضخم السنوي في البلاد شهد انخفاضاً ملحوظاً، حيث تراجع من 4% خلال الربع الرابع من عام 2023 إلى 2.8% في الربع الرابع من عام 2024، كما سجل التضخم الأساسي انخفاضاً من 4.5% إلى 2.5% خلال الفترة ذاتها".

وأضافت، أن "أسعار السلع لا تزال تتأثر بتذبذب أسعار الدولار، وهو عامل رئيس ينعكس على الأسواق العراقية، في ظل التقلبات التي يشهدها الاقتصاد المحلي خلال السنوات الثلاث الماضية".

وأشارت إلى، أن "أسعار العقارات ترتبط بعوامل أخرى، مثل قضايا غسيل الأموال والزيادة السكانية، مما يجعلها أقل تأثراً بمعدلات التضخم العامة، لكنها تبقى ضمن دائرة  التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد.

المصدر: النبأ+وكالات

م.ال

اضف تعليق