في مقابلة مع قناة الغد، أبدى المفكر الروسي ألكسندر دوغين دعمه لفكرة الحل العسكري واستخدام القوة المفرطة في النزاعات الدولية.
ويرى دوغين أن القوة هي الأسلوب الفعّال في السياسة، مما يعكس تأثره بالأفكار التقليدية التي تعتبرها الوسيلة الأساسية في التعامل مع الأزمات الكبرى.
وفي هذا السياق، يظهر إعجابه بشخصية الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، الذي انطلقت حملته الانتخابية تحت شعار "لنجعل أمريكا قوية ثانية"، وهو ما يبرز التوجهات التي تبني سياستها على القوة والهيمنة.
ولكن فكرة "البقاء للأصلح"، التي يروج لها دوغين، ليست جديدة، فهذه الفكرة تعود إلى الفيلسوف الاجتماعي هربرت سبنسر، الذي تبناها في سياق دارويني اجتماعي خاطئ يعزوها إلى داروين.
من هنا، أصبحت الديمقراطية الغربية تواجه تحديًا كبيرًا: هل ستظل هي الحل الأمثل، أم أن سياسة القوة ستصبح هي الحاكم في عالمنا المعاصر؟
وفي هذا الصدد، حاول الفيلسوف الألماني هيغل معالجة التوتر بين الأفراد والدولة من خلال مفهوم "ديالكتيك السيد والعبد"، بينما اعتنق الفيلسوف نيتشه أفكارًا حول تعظيم الذات فوق المجتمع والدين، وهو ما مهد الطريق لظهور نزعات فاشية لاحقًا في القرن العشرين. رغم ذلك، فإن مقارنة ترامب بالزعيم النازي هتلر تبدو بعيدة عن الواقع، فاحتجاجات ترامب على خسارته أمام بايدن لم تزعزع النظام العالمي كما فعلت السياسات الهتلرية.
ولكن رغم ما يقال عن هيمنة القوة في السياسة الدولية، هناك عوامل كثيرة تؤثر على الديناميكيات العالمية.
إن التغيير في أوروبا، رغم صعود بعض أحزاب اليمين مثل حزب "إيطاليا إلى الأمام" بقيادة جورجيا ميلوني، لا يعكس نهاية الاتحاد الأوروبي أو انهيار توازنات القوى في الغرب،على العكس، ألمانيا، التي تعد القوة الاقتصادية الكبرى في القارة، لا تزال تسيطر على الكثير من مفاتيح التنمية السياسية والاقتصادية، فبمعدل دخل بلغ حوالي 60 ألف دولار للفرد، تتفوق ألمانيا على إيطاليا والمجر، ما يمنحها القدرة على تطوير قدراتها العسكرية والاقتصادية دون التقليل من شأن ترامب وأيديولوجياته.
الواقع يقول إن أمريكا، ومن خلال عقوباتها وضغوطها، هي من تقود العالم نحو سياسات الضغط. حتى الدول الكبرى مثل روسيا وإيران لم تتمكن من استخدام نفس الأدوات على نفس المستوى، وهو ما يثير تساؤلات حول العدالة في تطبيق هذه السياسات. ومع ذلك، لا يزال الغرب يعتمد على استراتيجيات أخرى لضمان مصالحه السياسية والاقتصادية، بعيدًا عن التهديدات النووية المفرطة.
ورغم أن بعض الدول تتعمد استخدام هذه التهديدات كورقة ضغط في النزاعات، إلا أن الواقع النووي ليس كما يصوره البعض. فحتى إذا استخدمت موسكو الأسلحة النووية، فإن القوة النووية الأمريكية قد تكون أكثر تدميرًا في غضون دقائق. إن التهديد بالدمار الشامل يصبح مجرد سيناريوهات دراماتيكية، والحديث عن دمار شامل أقرب إلى الخيال العلمي منه إلى حقيقة قابلة للتحقق.
في النهاية، إن الحديث عن نهاية العالم بأسلحة نووية ليس هو الحل في عالم مليء بالتحولات والتغيرات السياسية. السياسة الدولية بحاجة إلى أطر جديدة للتعاون الدولي والتحالفات الاقتصادية، بعيدًا عن التصعيد العسكري أو التهديدات النووية التي يمكن أن تدمّر العالم.
م.ال
اضف تعليق