وكالة النبأ/ خاص
يحيي الكربلائيون ليلة القدر التي تعد واحدة من أعظم ليالي شهر رمضان المبارك بما يليق بعظم مكانتها، حيث يتجمعون في المراقد المقدسة والمساجد والجوامع والبيوت لإحياء هذه الليلة المباركة بالصلاة والدعاء وقراءة القرآن الكريم، مستشعرين روحانية المكان ما يضفي طابعًا خاصًا على إحياء ليلة القدر.
وتُقام في المدينة المقدسة مجالس الذكر والدعاء، حيث يتلو المشاركون آيات من القرآن الكريم ويستمعون إلى الخطب التي تذكر فضل هذه الليلة وأهمية العبادة فيها، كما تُعد زيارة مرقد الإمام الحسين عليه السلام جزءًا أساسيًا من إحياء هذه الليلة، حيث يحرص الزوار على التوجه إلى الضريح الشريف للدعاء والتوسل.
تسود في هذه الليلة أجواء من الخشوع ويشعر الجميع بعمق المعاني الروحية لهذه المناسبة وتتجلى مظاهر الإيمان والتقوى في وجوه المصلين الذين يسعون لنيل المغفرة والرحمة، ما يعكس التزام المشاركين بالقيم الدينية والتقاليد الثقافية التي توارثوها عبر الأجيال.
ويعتبر شهر رمضان في كربلاء موسمًا روحيًا مميزًا، اذ تتجلى فيه العادات والتقاليد التي ورثتها الأجيال على مر العصور، وتواضب العوائل الكربلائية على ممارسة الطقوس العبادية الخاصة بهذه الليلة في الباحة الواقعة ما بين الحرمين الشريفين بكربلاء وداخل المراقد المقدسة.
كربلاء التي ارتبطت بمآثر وتاريخ عريق، تحيي كل عام ليلة القدر بحشود غفيرة، لتكون محط أنظار الزوار من مختلف البلدان والمحافظات، فمنذ بداية شهر رمضان، يبدأ الأهالي في كربلاء بالتحضير لهذه الليلة، إذ يحرصون على حضور المجالس الدينية التي تقام في العتبات المقدسة وكذلك في الحسينيات المنتشرة في المدينة.
تروي الأجيال القديمة في كربلاء قصصًا عن طقوس هذه الليلة، عندما كان الأهالي يلتقون في صحن الإمام الحسين، حيث يقرأون القرآن، يؤدون الصلاة، ويرتبطون بروحانية الشهر الفضيل.
أبو حيدر، أحد سكان كربلاء (70 عاما)، يروي تجربته قائلاً: "في السابق كنا نذهب مع العائلة إلى الحرم الشريف ونلتقي بالأقارب لإحياء ليلة القدر بالذكر والدعاء حتى الفجر".
احياء هذه الليلة لا يقتصر على الطقوس الدينية فقط، بل يترافق مع مواكب خدمية تعمل على توفير الطعام والماء للزوار الذين يبيتون في المدينة، أبو علي، صاحب أحد المواكب الخدمية في المدينة، يوضح قائلاً: "منذ بداية شهر رمضان وحتى ليلة القدر، نقوم بتوزيع الأرز والدجاج واللبن بعد الإفطار، ليتمكن الزوار من الاستمرار في صلواتهم وقراءاتهم حتى الفجر."
وتعد المجالس الدينية في كربلاء جزءًا أساسيًا من إحياء ليلة القدر، حيث تُعقد محاضرات وندوات علمية ودينية طوال شهر رمضان، يقول الأستاذ حسن آل طعمة، وهو تربوي من كربلاء: "المنبر في كربلاء يمثل مركزًا للعلم والدين، حيث كانت المجالس تشهد حضورًا كبيرًا من العلماء مثل الشيخ هادي الكربلائي والسيد جاسم الطويرجاوي، الذين كانوا يثيرون نقاشات فكرية ودينية في قضايا هامة مثل فلسفة الحياة والوجود."
في كربلاء، لا تقتصر الاحتفالات على الرجال فقط، بل تشارك النساء أيضًا في إحياء ليلة القدر من خلال المجالس النسائية التي تعقد في البيوت والحسينيات، وتُعد هذه المجالس جزءًا من التعليم الديني الذي طالما كان أحد أبرز ملامح المجتمع الكربلائي.
يروي علي الخباز، أديب وصحفي من كربلاء، قائلاً: "كان هناك وُعاظ من كفيفي البصر مثل آغا عزي والشيخ علي، الذين كانوا يقدمون المحاضرات للنساء في المنازل، مما يعكس روح المجتمع الكربلائي المتفاعل مع تعاليم الدين."
ليلة القدر في كربلاء ليست مجرد مناسبة دينية، بل هي فرصة لإحياء تاريخ طويل من التقاليد والطقوس التي ورثتها الأجيال، اذ تلتقي الروحانية مع الثقافة، حيث يتمسك الأهالي بتراثهم العريق ويحيون هذه الليلة بما يعكس عمق إيمانهم وتعلقهم بهويتهم الدينية.
م.ال
اضف تعليق