مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية المقررة في سبتمبر المقبل، تتزايد المخاوف من إمكانية تأجيلها، وسط جدل متصاعد في الأوساط السياسية والمدنية حول تداعيات ذلك على مستقبل العراق والديمقراطية فيه.

الحقوقي والناشط السياسي سردار الهركي يعتبر أن الحديث عن التأجيل "كأنه تفصيل عابر" خطأ جسيم، مشيراً إلى أن أي تعطيل للانتخابات سيشكل ضربة موجعة لتجربة العراقيين في التحرر من الدكتاتورية. ويؤكد أن الديمقراطية في العراق ما زالت هشة، وأساسها الانتخابات الدورية التي تمنح المواطنين القدرة على التغيير، وأن أي تأجيل سيضعف ثقة الناس بالعملية السياسية.

ويضيف الهركي، أن المكونات العراقية، وفي مقدمتها الأكراد، ستكون الأكثر تضرراً، لأن تعطيل الانتخابات يعني تجميد القضايا العادلة وعودة منطق القوة بدلاً من الحوار، كما أن أي تراجع عن الديمقراطية سيؤثر على استقرار المنطقة بأسرها.

حكم فردي

من جانبه، يرى الكاتب ورئيس مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام علي الطالقاني أن التأجيل "لا يمكن تبريره بوجود خلل"، ويصفه بـ"ارتداد سياسي خطير".

ويؤكد الطالقاني، أن العراق لم ينجح بعد في تثبيت قواعد الممارسة الديمقراطية، وأن الالتزام بالانتخابات هو جوهر العملية السياسية وأساس ثقة المواطنين بالدولة.

ويضيف، أن التأجيل يعكس عجز النظام عن إدارة التنافس، وقد يعيد إنتاج أنماط الحكم الفردي، معتبراً أن الأكراد سيكونون أكثر المتضررين، بينما ستتجاوز تداعيات القرار حدود العراق لتؤثر على استقرار الإقليم.

لذلك فالانتخابات العراقية اختبار حقيقي للديمقراطية العراقية ومسؤولية وطنية للحفاظ على مسار العراق السياسي واستقرار المنطقة، في وقت يبقى فيه الإصرار على إجرائها في موعدها رسالة واضحة للداخل والخارج بأن البلاد ماضية في حماية مسارها الديمقراطي.

مواقف رافضة للتأجيل

المخاوف نفسها عبّر عنها قياديون سياسيون، إذ شدد عثمان الشيباني، القيادي في ائتلاف دولة القانون، في وقت سابق، على أن "الانتخابات استحقاق دستوري لا يخضع للمساومات السياسية ولا يتأثر بالظروف الصعبة".

وأوضح، أن العراق أجرى انتخاباته السابقة في ظروف أكثر خطورة، كما في عامي 2014 و2021، داعياً القوى الوطنية إلى التمسك بصناديق الاقتراع "كأداة للإصلاح وضمان التداول السلمي للسلطة".

موقف المفوضية والقانونيين

في المقابل، تؤكد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات استمرارها في إنجاز التحضيرات الفنية واللوجستية "دون أي معوقات".

بينما يحذر قانونيون من أن أي تأجيل خارج الأطر التشريعية يمثل انتهاكاً صريحاً للدستور، الذي نصّ على دورة نيابية مدتها أربع سنوات.

ويشير خبراء إلى، أن الالتزام بالمواعيد الانتخابية يشكل ضمانة لمنع أزمات الشرعية والدستور، التي قد تفتح الباب أمام صراعات جديدة على السلطة.

رسالة الداخل والخارج

مراقبون يرون، أن المضي في إجراء الانتخابات بموعدها يشكل رسالة اطمئنان داخلية وخارجية، ويعزز ثقة الشارع بالمسار الديمقراطي، فيما قد يؤدي أي تأجيل غير محسوب إلى اتساع فجوة الثقة بين المواطن والمؤسسات الرسمية، ويفتح الباب أمام تأويلات سياسية معقدة.

وفي ظل هذه الأجواء المشحونة، تبدو الانتخابات المقبلة اختباراً حاسماً للديمقراطية العراقية، ليس فقط على صعيد التداول السلمي للسلطة، بل أيضاً كاستحقاق وطني يحدد موقع العراق على خريطة الاستقرار السياسي في المنطقة.

 

م.ال

اضف تعليق