بعد قرن تقريبًا على التقاطها، خرجت إلى العلن صور فوتوغرافية نادرة توثق حياة الأيزيديين في شمال العراق خلال ثلاثينيات القرن الماضي، لتعيد إلى هذه الأقلية المضطهدة جزءًا من ذاكرتها التي حاول تنظيم الدولة الإسلامية محوها.

الصور، وعددها نحو 300، أعيد اكتشافها عام 2022 في أرشيف متحف الآثار والأنثروبولوجيا بجامعة بنسلفانيا الأميركية، من بين نحو ألفي صورة التقطها علماء آثار كانوا ينقبون في مواقع بلاد ما بين النهرين.

وقد شكلت هذه الصور، التي توثق المزارات والأعراس والتقاليد الشعبية، مادة بصرية نادرة لشعب تعرض للإبادة الجماعية.

ذاكرة شخصية

أنسام بشير، وهي معلمة عراقية تقيم في إنجلترا، لم تتمالك دموعها حين رأت صورًا لزفاف جديها التُقطت قبل 90 عامًا.

تقول: "لا أحد يتخيل أن شخصًا في مثل عمري سيفقد تاريخه بسبب هجوم داعش".

فقدت بشير كل ألبومات طفولتها وفيديوهات عائلتها بعد سقوط مدينتها بعشيقة في يد التنظيم عام 2014، لكن الصور القديمة أعادت إليها بعضًا من ذاكرتها.

بحسب أسوشيتد برس شقيقها، الذي جاء من ألمانيا لزيارة مسقط رأس العائلة، تعرف أيضًا على أجداده خلال معرض أُقيم في المنطقة في أبريل/نيسان الماضي، بالتزامن مع احتفالات رأس السنة الأيزيدية.

بعض المعارض نُظمت في الهواء الطلق في المواقع نفسها التي التقطت فيها الصور قبل قرن تقريبًا.

توثيق ومقاومة

مارك مارين ويب، طالب دكتوراه في جامعة بنسلفانيا، هو من بدأ البحث في الأرشيف بعد أن لفتت انتباهه صورة لمزار إيزيدي دمّره داعش.

تعاون مع الباحث الكندي ناثانيال برانت لإنشاء أرشيف بصري يُعرض في المنطقة ويوزّع رقمياً على الجاليات الأيزيدية في الخارج.

يقول برانت: "عندما وصلوا إلى سنجار، دمّر داعش المواقع الدينية والتراثية. لذلك فإن مجرد بقاء هذه الصور يُمثل مقاومة قوية للتدمير".

إحدى المجموعات اللافتة من الصور توثق زفافًا في بعشيقة: العروس بملابسها التقليدية، الموكب، وصولها إلى منزل العائلة، وحتى السيارة التي استخدمها الزوجان، والتي يُعتقد أنها أول مركبة تُشاهد في مثل هذه المناسبات بالمدينة.

التقط بعض الصور عالم الآثار إفرايم أفيجدور سبيسر، الذي قاد تنقيبات بارزة في مواقع شمال العراق.

هوية مهددة

بالنسبة لبشير، فإن الصور لم تُظهر فقط ملامح الأجداد، بل أبرزت تشابهًا مع شقيقتها الصغرى.

أما والدها، محسن بشير صادق، المدرس المتقاعد المقيم في كولونيا، فيعتقد أن حفل الزفاف كان أول مرة تُستخدم فيها سيارة في بعشيقة.

ينحدر جدها بشير صادق راشد الرشيداني من عائلة مرموقة، وكان يستضيف فرق التنقيب في مقهاه ويشارك مع رجال المنطقة في أعمال الحفر. هذه الروابط دفعت الباحثين الغربيين إلى حضور زفافه وتصويره، بل وحتى إعارة السيارة للعروسين.

أكثر من مجرد صور

لا تمثل هذه المجموعة مجرد أرشيف عائلي، بل ذاكرة جمعية لأقلية عانت قرونًا من الاضطهاد.

فقد وصفت الأمم المتحدة هجمات داعش عام 2014 على الأيزيديين بأنها "إبادة جماعية"، بعد أن قتلت آلافًا منهم وأجبرت آخرين على النزوح أو الاسترقاق الجنسي.

يقول مارين ويب: "لقد كان يُنظر إلى المعارض كطريقة جميلة لاستعادة الذاكرة التي تعرضت للتهديد المباشر من خلال حملة التطهير العرقي".

أما أليساندرو بيزاتي، كبير أمناء الأرشيف في متحف بنسلفانيا، فيوضح أن "الكثير من هذه المجموعات تبقى نائمة حتى يأتي من يوقظها"، في إشارة إلى الجهود البحثية التي أحيت هذه الصور.

قيمة معنوية وتاريخية

تُظهر الصور تفاصيل الحياة اليومية للأيزيديين: المنازل، العمل، الطقوس الدينية، والتجمعات الاجتماعية، بعيدًا عن الصورة النمطية التي حصرتهم في معاناتهم الأخيرة.

يقول أحد سكان سنجار ممن حضروا أحد المعارض: "هذه الصور تُظهر للعالم أننا بشر أيضًا".

ورغم الشتات الذي يعيشه الأيزيديون اليوم، تبقى هذه الصور دليلاً على تاريخ طويل، وعلى قدرة الذاكرة الجمعية على البقاء، حتى بعد محاولات المحو والإبادة.

وكالات

اضف تعليق