عدي الحاج
يُعاني العراق في الوقت الحاضر من إرتفاع مستويات ظاهرة الفساد التي أصبحت من أهم المشاكل التي تُهدّد الدولة العراقية، فبحسب المؤشرات العالمية (مدركات الفساد) يحتل العراق المركز 169 من إجمالي 180 دولة مدرجة في مؤشّر الفساد، وهو من المستويات المتدنية جدّاً بحسب تقرير منظّمة الشفافيّة الدوليّة في العام المُنصرم 2018.
تقارير كثر ومعالجات هشّه ...
يقول الحقوقي حميد الهلالي، أنّه "كثر الحديث عن ظاهرة الفساد في العراق، وإحتلت تقارير منظمات النزاهة والشفافية المحلية والعالمية مكاناً مُتقدّماً في إهتمامات المواطن العادي، ناهيك عن الجهات الأكاديمية والبحثية ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالشأن، وعلى الرغم من خطورة الموضوع إلا إنّ الجهود لم تكن كافية وفاعلة لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة بسبب تنوّع أساليب الفساد وقدرته على إخفاء ممارساته".
ويُضيف الهلالي، أنّ "الفساد آفة مُجتمعية عرفتها المجتمعات الإنسانية وعانت منها منذ الأزل، وقد إستشرى في المجتمعات الغنية والفقيرة كافة سواء كانت متعلّمة أو جاهلة، قوية أو ضعيفة، إذ أصبح الفساد وإستمراره مرتبط برغبة الإنسان في الحصول على مكاسب مادية أو معنوية مع علمه اليقين بأنّه ليس مُحقاً بها وهي (أي المكاسب) ليست إستحقاقاً له وإنّما يُحاول الوصول إليها بشتّى الطرق والوسائل، وفي الغالب تكون تلك الطرق وكذلك الوسائل غير مشروعة، فنراه تارّة يعمل على رشوة من بيده قرار حصوله عليها وأخرى يُحاول أن يستغل نفوذه، والى غير ذلك من الوسائل، ويُمكن القول بأنّ الفساد هو إستعمال وسائل غير مشروعة للحصول على مكاسب شخصية".
خطوات نحو مكافحة الفساد ...
من جانبه كشف مسؤول قسم إدارة الأزمات في مركز الدراسات الإستراتيجية التابع لجامعة كربلاء، الدكتور فراس حسين علي، أنّه "لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة قام قسم إدارة الأزمات في مركز الدراسات الإستراتيجية التابع لجامعة كربلاء بتأليف فريق بحثي يُشارك فيه مجموعة من الباحثين المتخصّصين في الإقتصاد والقانون والسياسة والإدارة ومسؤولين تنفيذيين وخبراء للقيام بإعداد تقرير شامل حول الموضوع، ومن ثمّ يتم من خلاله تحليل المشكلة وتشخيص مسبّباتها وإيجاد الحلول والمعالجات المُمكنة لها، لوضعه في نهاية المطاف على طاولة الحكومة العراقية الجديدة للإفادة من مُخرجاته في إتّخاذ القرارات التي تتناسب مع حجم المشكلة وخطرها".
وأضاف علي، أنّ "ضرورة صياغة إستراتيجية جديدة وإنتهاج إسلوب مُتقدّم لمكافحة الفساد وبما يتلاءم مع أوضاع المجتمع العراقي لحمايته من خطره وإتّخاذ الإجراءات اللازمة بشأن ذلك، هي التي دفعت قسم إدارة الأزمات في المركز بتأليف الفريق البحثي المُتخصّص، ولذي يتكوّن من مجموعة متنوّعة من الأكاديميين والمسؤولين التنفيذيين والخبراء والمتخصّصين في هذا المجال للبحث في آليات مكافحة الفساد في العراق".
وتابع "لقد وضع الفريق البحثي خطة عمل تتمثّل في تقسيم العمل الى مجاميع مُتخصّصة بالإقتصاد والسياسة والإدارة والقانون، إذ إهتمّت المجموعة الأولى بدراسة ظاهرة الفساد وتحليلها من وجهة النظر الإقتصادية، أما المجموعة الثانية والمتخصّصة فإهتمّت بالجانب السياسي، من جانب آخر فقد قامت المجموعة الثالثة بدراسة ظاهرة الفساد الإداري، وركّزت المجموعة الرابعة على الجانب القانوني".
تأثير الفساد على تقديم الخدمات ...
يُبيّن النائب الثاني لمحافظ كربلاء المقدسة، علي الميالي، أنّ "الفساد يُضعف قدرة الحكومة على تقديم الخدمات ويُشوّه الإنفاق ويُبعده عن الإستثمارات ذات القيمة، فالفساد يُوجّه الحكومة نحو المشروعات التي تهدر الموارد المالية ومن ثمّ فهو يُمثّل ضريبة على الإستثمار ويضرب الفقراء ويُعوّق الفرص الإقتصادية والإجتماعية ويُقوّض الثقة في المؤسسات ويتسبّب في تفكيك النسيج الإجتماعي".
ويُضيف الميالي، أنّ "الفساد يُعد عقبة أمام تحقيق التنمية والنمو المُستدام فضلاً عن إنّه يسمح بإزدهار الجريمة المنظمة والإرهاب وغيرها من الأخطار التي تُهدّد أمن الإنسان".
من جانبٍ آخر أوضح عضو مجلس المحافظة، نافع الميالي، أّنّ "مجالات الفساد في الدولة تتعدّد مهما بلغت درجة تقدّمها أو تخلّفها، وعندما يعم الفساد فإنّه ينتشر كالوباء، وعندما يصبح ثقافة للمجتمع تغدو مكافحته عصيّة وشديدة التعقيد وتصبح الأخلاقيات السائدة مُتقبّلة للمخالفات والتجاوزات ومن ثمّ تصبح هذه الممارسات مألوفة ومقبولة في المجتمع، الأمر الذي يُؤدّي الى ضياع ضوابط النزاهة والإستقامة والشفافية وهبوط المستويات الأخلاقية".
ويُضيف الميالي "مع رؤية التكاليف الواضحة المرتبطة بالفساد ليس من المُستغرب أن يكتب الكثير عن كيفية تصميم إستراتيجية فعّالة لمكافحة الفساد وتنفيذها، وبينما يوجد إختلاف في وجهات النظر في عدد من المجالات، لكن يبدو أنّ هناك مساعي حثيثة من جهات مختلفة إتّفقت على عدّة نقاط مشتركة تتمحور حول ضرورة مكافحة الفساد بمختلف أنواعه".
لكي تصبح مكافحة الفساد فعّالة بالفعل، يتعيّن أن نتجاوز مجرّد إلقاء الفاسدين في السجون، فمكافحة الفساد تتطلّب إصلاحات تنظيمية ومؤسسية أوسع نطاقاً من خلال المؤسسات القوية والشفافة والمسؤولة التي تُعد في نهاية المطاف العلاج الأكثر إستمرارية لمواجهة الفساد في العراق.انتهى/س
اضف تعليق