تنفّذ إسرائيل بشكل منتظم ومتواصل عمليّات سريّة في الدول العربية والعالم، ولا تقف هذه العمليات عند حدود التجسّس ومراقبة ما يحدث، بل هي مستمرة في محاولات الاغتيال والتصفية لشخصيات متعددة وبضرب مواقع مختلفة في دول عربية.
يد إسرائيل التي تنفذ ذلك، هي قوّاتها الخاصة الموزّعة على عدّة وحدات سرية، وتدرّب هذه العناصر جيدًا وبشكل صارم حتى ينفّذوا عملياتهم في العمق العربي والفلسطيني لتحقيق أهدافٍ خطَّها جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد)، وبينما لا تعترف إسرائيل بهذه العمليات ولا تُأخذ الأدلة التي تؤكد تورطها على محمل الجدّ من طرف الإعلام الدولي، تستمر إسرائيل في انتهاج هذه الوسائل دون أيّة عقوبات أو ردود فعل. في هذا التقرير، نسلّط الضوء على خمس وحدات للقوّات الخاصة الإسرائيليّة التي تحمل عدّة عمليّات اغتيال وجاسوسية في العالم بصماتها.
1-وحدة الكوماندوز البحرية الإسرائيلية.. سلاح إسرائيل للعمليّات السريّة في الخارج
أفشت تل أبيب يوم 21 مارس (آذار) 2018 سرًا من أسرار استخباراتها يتعلق بمسؤوليتها عن غارة جوية دمّرت منشأة اشتبهت بأنها تؤوي مفاعلًا نوويًا في منطقة الكُبر بمحافظة دير الزور السورية.
حدث ذلك في السادس من سبتمبر (أيلول) عام 2007، بعد أن أرسلت جنديّ كوماندوز من وحدة "سييرت ميتكال" تسلّل إلى داخل سوريا وجمع معلومات استخباراتية أفادت بوجود برنامج نووي موَّلته إيران وبناه كوريون شماليون، وهي معلومات تحصّلت عليها القوات الجوية الإسرائيلية على ضوء أخضر، لتنفيذ العملية التي عرفت باسم "عملية البستان"، والتي شاركت فيها 10 مقاتلات F-15 وF-16 ، انطلقت من قاعدة رامات ديفيد الجوية الإسرائيلية، وقد نفذت هذه العملية قوة وحدة "سييرت ميتكال".
بعدها بعام، وتحديدًا في أغسطس (آب) 2008، تلقّت سوريا ضربة أخرى حين اغتيل العميد محمد سليمان، الرجل الذي كان بيده كل مفاتيح برنامج سوريا النووي، وهو حلقة الوصل مع الكوريين الشماليين، وإذ كان مكلّفًا بالتعامل مع قضايا الدفاع والأمن في مكتب الرئيس الأسد الخاص في دمشق وكذلك مع حزب الله اللبناني. لقد تلقى سليمان رصاصة من قناص إسرائيلي بينما كان يتناول عشاءه الأخير في فيلا مطلّة على البحر، كان هذا القناص يعمل في وحدة "شايطيت 13"، وهي وحدة الكوماندوز البحرية الإسرائيلية.
تعدّ هذه الوحدة أقوى وحدة ضفادع بشرية وعمليات خاصة بحرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وقد حظيت باهتمام منذ تأسيس إسرائيل، وكان الاهتمام الأبرز بها من طرف "يوحاي بن نون" الذي أسّس وقاد سلاح البحرية الإسرائيلي عام 1960، وهو اهتمام منحها القدرة على تنفيذ مهام عابرة للحدود معظمها في أراضي الدول العربية تمت خلال الحروب، فالوحدة تمتلك القدرة على الوصول إلى الأهداف من خلال البحر، منها عملية (بولموس 5)، التي استهدفت المحطة الساحلية المصرية في رأس عربية، إلى الشمال من خليج السويس التي قُتل فيها 32 جنديًا ومقاتل كوماندوز مصريين.
وحتى اليوم تؤدّي القوات الخاصة في (وحدة شايطيت 13) عمليات سريّة، ووفقًا لرؤية قائد سلاح البحرية، اللواء رام روتبرج، فإنه "لا يوجد فرق بين أن يكون صاروخ ياخونت بيد رئيس سوريا بشار الأسد أو بيد حزب الله. ومن ناحية قباطنة الجبهة الشمالية الإسرائيلية، فإن حزب الله في لبنان وبشار الأسد في سوريا هما جبهة واحدة، وفي اللحظة التي نترك فيها المياه الإسرائيلية نتعرض للتهديد".
وتُعرّف المصادر الإسرائيلية هذه الوحدة التي يعود تسميها إلى أسطورة تناول الخمر حتى الثمالة لدى المقاتلين في اليوم الثالث عشر من كل شهر، بأنها هي: "وحدة نخبة من سلاح البحرية الإسرائيلي، ومن وحدات النخبة في جيش الدفاع الإسرائيلي المتخصّصة في مجال المعارك الصغيرة في البحر والشواطئ"، ويخضع مقاتلو الوحدة لعملية تدريب صعبة، يتدربون على طرق الهجوم والاقتحام من البحر والجو واستخدام السلاح الفتاك المتطور، وحصلت الوحدة صاحبة عدد الساعات الكبرى في العمليات التنفيذية على مهمة حماية مستودعات الغاز أمام شواطئ كيان الاحتلال.
2- وحدة الكوماندوز البرية "سييرت متكال".. قوّة ظهرت بصماتها في سوريا
بينما كانت عدّة أطراف في سوريا والعراق تتباهى بانتصاراتها ضد تنظيم (داعش)، كانت إسرائيل تنفّذ عمليات ضد التنظيم بصمت، فقد تمكنت قوة إسرائيلية خاصة في فبراير (شباط) 2017 من تدمير شُحنة أسلحة إلكترونية متطوّرة كانت بحوزة التنظيم، وكانت ستمكّنه من إعداد قنابل إلكترونية موقوتة.
مكّن عميل زرعته إسرائيل في الخلية المسؤولة عن الإلكترونيات والمتفجرات في داعش من كشف المخطط الذي أوجب قرارًا عاجلاً من قيادة إسرائيل، بالتحرك فورًا لتصفية الخلية التابعة وكل ما بحوزتها من أجهزة، هذه العملية تمت بجهد رئيسي من وحدة "سييرت متكال" الخاصة، إذ دخلت قوّة إسرائيلية خاصة ترتدي زيّ الجيش السوري جوًا إلى سوريا عبر الأجواء الأردنية من خلال طائرات (يسعور) التي كانت تحمل معدّات وسيارتين عسكريتين روسيتين، بأرقام ورموز تابعة فقط للجيش السوري، وهبطت على بعد عدة كيلومترات من الهدف ثم نفذت العملية.
تشكلت وحدة سييرت متكال من نخبة من القوّات الخاصة التابعة للجيش الاسرائيلي في عام 1957، لها مهامها في جمع المعلومات الاستخباراتية عن "أعداء إسرائيل" حيثما حلّوا، فهي إحدى الوحدات التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) التي تقوم بمئات العمليات سنويًا خارج الحدود، إذ يذكر قائد لواء الأبحاث الأسبق في (أمان) الجنرال عاموس جلبوع: "قامت سييرت متكال بالتسلل إلى مؤسسات حساسة في مصر وزرع أجهزة تنصّت ورصد، مكّنت إسرائيل من الاطلاع على النوايا المصرية، وهو ما ساهم، ضمن أمور أخرى، في تحسين قدرة إسرائيل على الحصول على تغطية استخبارية عن الواقع السياسي والأمني في مصر".
وهذه الوحدة نفّذت جميع عمليات الاغتيال التي طالت قادة وكوادر منظّمة التحرير الفلسطينية في لبنان مطلع سبعينيات القرن الماضي، فاغتالت القيادي في حركة (فتح) خليل الوزير، في تونس عام 1985، وهي الوحدة التي حاولت اغتيال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بعد حرب 1991، لكنها فشلت، كما تؤدي الوحدة عمليات اختطاف، كعملية اختطاف القيادي في حزب الله عبد الكريم عبيد عام 1989، والقيادي السابق في حركة أمل مصطفى ديراني عام 1994، وقد أطلق سراح الرجليْن في عملية تبادل أسرى وقعت عام 2004.
3- وحدة الكومندوز الجوية "شلداغ".. عمليّات خاصّة في غزّة ولبنان
شهد يونيو (حزيران) 1976 حادثة اختطاف طائرة فرنسية من طراز إيرباص (A300) أقلعت من مطار بن جوريون الإسرائيلي باتجاه باريس، وكان المسؤولون عن الاختطاف مجموعة من الفلسطينييّن مع زملاء لهم من فرنسا.
وفي إطار مُلاحقة إسرائيل للخاطفين من أجل تحرير الرهائن، وقعت في الرابع من يوليو (تموز) 1976 عملية "عنتيبي" في المطار الأوغندي الذي حملت العملية اسمه، فبينما كانت تل أبيب توهم الحكومة الأوغندية والخاطفين بالاستجابة لمطالبهم وإطلاق 53 معتقلًا على ذمّة القضية الفلسطينية، انطلق على متن ثلاث طائرات قوات كوماندوز إسرائيلية لتحرير الرهائن، فوقعت اشتباكات بين القوات الأوغندية والكوماندوز الإسرائيلي أسفرت عن قتل نحو عشرين جنديًا أوغنديًا، وعن تحرير الرهائن بعد استشهاد الخاطفين مع ثلاثة من الرهائن.
لقد اعتمدت إسرائيل في هذه العملية وغيرها على القوات الخاصة في وحدة "شلداغ" التي أنشئت قبل أكثر من أربع عقود، وتحديدًا عام 1976، تلك الوحدة التي أسّست في البداية لتقديم المساعدة لسلاح الجو الإسرائيلي، إذ تعمل على تعيين أهداف يمكن قصفها بصورة دقيقة، سواء عن طريق توجيه بالليزر أو بالتوجيه البسيط، كإشعال نار في المكان، أو الاستعانة بروبوتات لتنفيذ عمليات خاصة، ثم أصبح عناصرها يتلقّون تدريبات تحاكي أهدافًا في الدول العربية، وهم لا يكتفون اليوم بعملية جمع المعلومات الاستخبارية، بل يقوم عناصرها بتنفيذ العديد من العمليات الخاصة التي نجم عنها اغتيال شخصيات في المناطق العربية وداخل حدود فلسطين خاصة في قطاع غزة.
ووصل الأمر بعناصرها إلى قيامهم في سنوات الثمانينيات والتسعينيات إلى تفكيك أبواب مروحيات كي تحمل جنودًا إلى عمق لبنان لتحديد بيوت ينوي سلاح الجو استهدافها، وسبق أن تسلّلت إلى منشأة تابعة لحزب الله، أو داهمت مجموعة مقاتلين عرب أو وضعت الألغام الأرضية، واليوم تشارك الوحدة بشكل رئيسي في القتال وفي جمع المعلومات الاستخبارية.
4- وحدة ماجلان.. اغتيالات واعتقالات لشخصيّات مهمّة
تم كشف أفراد القوّة بأسمائهم وصورهم وطبيعة مهامهم، والوحدة التي يعملون بها وأساليب عملها، ونشاط القوة في العديد من الساحات الأخرى، إذ نفّذت العديد من المهام الخارجية في الأقطار والساحات العربية الإسلامية.
هذا ما قاله الناطق باسم كتائب عز الدين القسام المكنى بـ"أبو عبيدة" في آخر مؤتمر له عن تفاصيل عملية "حدّ السيف" التي وقعت في خانيونس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وأسفرت عن استشهاد سبع عناصر من حماس ومقتل قائد الكتيبة الإسرائيلية.
وبالرغم من أن وحدة "سييرت متكال" هي من أشرفت على هذه العملية، إلّا أنّ وحدةً للقوات الخاصة أنشأها جيش الاحتلال مؤخرًا ضمن لواء الكومندوز الجديد الذي يضم أربع كتائب من النخبة، هي من وصل عناصرها إلى قطاع غزة، إنها وحدة "ماجلان"، التي تعدّ مكوّنًا سريًّا وشديد الخطورة في الجيش الاسرائيلي، إذ أنشأت لأداء مهام في بيئات صعبة وتضمّ عناصر من وحدات النخبة القتالية في جيش الاحتلال، ولمهامها في المنطقة العربية فإن أغلب عناصرها من الأقلية العربية الدرزية في إسرائيل.
وتتّسم عمليات هذه الوحدة التي يعني اسمها بالعربية "أبو منجل" (اسم طائر) بالغموض، إذ تنفّذ عمليات الاغتيال في الخارج وتدمّر أهدافًا هامّة خلف الخطوط ولديها مهام أخرى كالتجسس داخل أراضي الهدف، ويتدرّب عناصرها بعد دراسة عميقة على أساليب التعامل مع المناطق المكتظة بالسكان، ويُعدّ وزير التعليم في حكومة نتنياهو "نفتالي بينيت"، أحد أهمّ ضباط الوحدة، وهو من عمل على تحسين قدرات هذه الوحدة وجعلها متخصّصة في مهاجمة أراضي الأهداف، وتنفيذ عمليات اغتيال واعتقال خاصة لشخصيات مهمّة كما جرى في الضفة الغربيّة مع سنوات الانتفاضة الثانية وفي لبنان خلال الحرب الثانية.
ويذكر موقع "المصدر" التابع للاستخبارات الإسرائيلية أنه: "أُنشئت الوحدة على أساس طواقم مقاتلين من وحدات مختلفة مثل وحدة المظليين ووحدة شلداغ في أواسط الثمانينات من القرن العشرين، وتم جمع تلك الطواقم في وحدة جديدة، يعتمر أفراد الوحدة القبعات الحمراء والأحذية العسكرية الحمراء"، ويضيف التقرير: "يلتحق الجنود المتطوّعون في وحدة ماجلان أوّلاً بفرقة المظليين وخلال تدريبات الفرقة الأساسية يتم الدمج في الوحدات الخاصة التابعة لفرقة المظليين ومن بينها وحدة ماجلان من يتخطى هذا الدمج ويتم قبوله للوحدة، يتلقى التدريبات الأساسية في معسكر التدريبات التابع لفرقة المظليين".
5-وحدة كيدون.. القوّة المسؤولة عن اغتيال المبحوح
في 25 سبتمبر (أيلول) عام 1997، وقعت محاولة اغتيال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، خالد مشعل بالأردن، هذه المحاولة التي اخترقت التزامات اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل، كان مخطّطها أن يقترب عنصران من الموساد الإسرائيلي من مشعل خلال تحرّكه في الشارع، ثم يلقيا عليه السُمّ الموضوع في علبة مشروب غازي، لكن ما حدث أنّه في اللحظة التي ألقى بها رجل الموساد المادة السامة على مشعل، التفّ القيادي ملبّيًا نداء ابنته عليه، وحين أدرك ما حدث ركض للاختباء في السيارة، وبدأت عناصر حماس التي كانت تحميه بالركض وراء العناصر حتى تدخلت الشرطة الأردنيّة، واعتقلت العنصريْن، فيما نجح أربعة آخرون شاركوا في العملية في الهرب نحو السفارة الإسرائيلية.
في تلك العملية، أُسندت مهمّة جمع المعلومات اللازمة لعملية الاغتيال إلى ستّة عناصر من وحدة "كيدون"، وكذلك أُسندت مهمّة تنفيذ الاغتيال وزرع السمّ إلى عنصرين آخرين دخلا الأردن بجوازي سفر كنديين مزورين من ذات الوحدة، ومنها أيضًا كانت عناصر للإسناد أخذت مواقعها المخطط له في الفنادق والشقق التي تم استئجارها لهذه الغاية.
إذ لم يكتفِ الموساد بوحدة قيسارية المسؤولة عن زرع وتشغيل الجواسيس داخل الدول العربية وحول العالم، فقد دفع مؤسسها الجاسوس الإسرائيلي "مايك هراري" نحو تأسيس وحدة أكثر فتكًا، هي وحدة "كيدون" التي ضمت مجموعة من القتلة المتخصصين في عمليات الاغتيال مرتفعة المستوى تم استقطابهم من الجيش الإسرائيلي أو القوات الخاصة، والتي استهدفت الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين والإيرانيين والأوروبيين، ففي عام 2013 بلغت عدد العمليات التي نفذتها الوحدة أكثر من 75 عملية في جميع أنحاء العالم.
وتتكون تلك الوحدة من بضع عشرات من الرجال والنساء، الذين يخضعون لتدريب صارم في مجالات واسعة، من التكتيكات الاستخباراتية والتدرب على استعمال الأسلحة والمتفجرات وإخفائها، وإعداد واستخدام السموم والكيماويات والحقن القاتلة والقتال اليدوي وغيره، وذلك بالتزامن مع رقابة نفسية صارمة، وقد وقفت هذه الوحدة وراء عدة عمليات اغتيال خلال السنوات القليلة الماضية، منها عملية اغتيالات الفلسطيني فادي البطش في كوالالمبور، واغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي عام 2010.
اضف تعليق