دأب رؤساء الحكومات الغربية منذ عام 1805 على الأقل على إصدار قراراتٍ حسّاسة تُشير بدقة إلى احترامهم لشهر رمضان وما يمثله للمسلمين، بحسب تقريرٍ لمجلة "إيكونوميست" البريطانية.
ففي التاسع من ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام، غيَّر الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون موعد عشاء البيت الأبيض من الساعة 3:30 ظهرًا ليُصبح "عند غروب الشمس على وجه التحديد"، في إجراءٍ كان هدفه استيعاب الالتزام الديني لضيفه التونسي، الذي كان يلعب دورًا هامًا في مفاوضات تحرير الجمهورية الفتيّة من تهديد القراصنة في شمال أفريقيا.
وفي الآونة الأخيرة، أخذ قادة العالم الديمقراطي يمتنعون عن الملذّات من الفجر إلى الغسق منذ بداية الشهر، في لفتةٍ لتحية وطمأنة المسلمين في كل مكان، في بلدانهم وحولها العالم، وغالبًا ما يحضرون أو يستضيفون إفطارًا رمضانيًا واحدًا على الأقل.
ورغم أنَّ الكثيرين من مُؤيّدي الرئيس الأمريكي يشعرون بالريبة تجاه الإسلام، أشارت المجلة إلى أنَّ دونالد ترامب وإدارته اعترفوا أخيرًا بأهمية شهر رمضان. ففي عام 2017، وبعد تولّيه سُدة الحكم، قطع كلٌ من البيت الأبيض ووزارة الخارجية تقليد إقامة حفلات الإفطار للمُسلمين، واكتفيا بتهنئةٍ رئاسية تضمّنت تأكيدًا لاذعًا بأنَّ الشهر الكريم "يُعزّز الوعي بالتزامنا المُشترك لنبذ العنف".
لكن في العام الماضي، استأنف ترامب تقليد إقامة حفل إفطارٍ للمُسلمين في البيت الأبيض (رغم تعرّضه لانتقاداتٍ لدعوته دبلوماسيين أجانب بالأساس بدلًا من مواطنين مُسلمين). وتحدّثت تصريحاته العام الماضي بشكلٍ أكثر إيجابية عن "الثراء" الذي جلبه الإسلام إلى "نسيج الدين" الأمريكي.
وبحسب التقرير، بدت تحية الرئيس الأمريكي الرمضانية هذا العام أكثر دفئًا. وبكلماتٍ بدت وكأنَّها مأخوذةٌ من إحدى خطب الجمعة، قال ترامب: "خلال شهر رمضان، يصوم المسلمون من الفجر حتى الغسق، ويقرأون آياتٍ من القرآن، ويقومون بأعمالٍ خيرية حاملين نوايا طيّبة تجاه الآخرين. من خلال قيامهم بذلك، يُجدّدون النيّة في رحلتهم الروحية، بما يُعمّق تقديرهم لنعمة الله ورحمته".
ومع ذلك، أشارت المجلة إلى أنَّ الرئيس الأمريكي ليس الزعيم الغربي الوحيد الذي استخدم الشهر الكريم لمواجهة الانطباع بأنَّه "مُعادٍ للإسلام". ففي عام 2015، أصبح ستيفن هاربر، رئيس الوزراء الكندي المُحافظ وقتذاك، أول زعيمٍ في بلده يستضيف مأدبة إفطار، رغم الاعتقاد السائد بأنَّ حزبه كان يؤجّج المشاعر المُعادية للمسلمين من خلال حظر النساء من ارتداء النقاب خلال احتفالات المواطنة على سبيل المثال.
أما خليفته الليبرالي جاستن ترودو فكان أكثر ودًا في شهر رمضان. ففي واحدةٍ من أولى رسائل التهنئة الصادرة عن زعيمٍ غربي، قال رئيس الوزراء الكندي إنَّ الصوم "يُكرم القيم الأساسية في الإسلام، مثل التراحُم وخدمة الآخرين".
وفي فرنسا العلمانية دستوريًا، إذ لا يستطيع رئيس الدولة تنظيم أي شيءٍ في مقرّ إقامته يُمكن أن يُشبه ولو من بعيدٍ طقوسًا دينية، قدَّم الرئيس إيمانويل ماكرون لفتةً غير مسبوقة في عام 2017، بمشاركته في حفل إفطارٍ للمسلمين في باريس بدعوة من المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM). وقال إنَّه يريد أن يشكر القادة المسلمين على دعمهم لمكافحة الإرهاب. لكنَّهم أُصيبوا بخيبة أمل عندما فشل في تكرار المجاملة العام الماضي.
أما بالنسبة للساسة الألمان، تقول المجلة إنَّهم يعرفون أيضًا كيف يُمارسون الدبلوماسية الرمضانية. ففي عام 2015، ظهرت المستشارة أنجيلا ميركل في خطوةٍ غير مسبوقة خلال الإفطار السنوي الذي استضافته وزارة الخارجية في برلين. أرادت بهذا أن توضح أنَّ الدين الإسلامي له مكانه في الحياة الألمانية، رغم التصريحات المُغايرة التي لا يتوانى أعضاء تحالفها ومُنافسوها من اليمين المُتطرف عن إصدارها.
وقالت ميركل "من الواضح أنَّ الإسلام جزء من ألمانيا"، علمًا بأنَّ ذلك البيان لم يكن بمنأى عن النقد بين العديد من أبناء بلدها. وبعد ذلك بعامين، دُعِيَ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لحضور حفل عشاء نظّمته وزارة الخارجية الألمانية كجزءٍ من التقارب الدقيق بين برلين وطهران.
وفي بريطانيا، حيث باتت وجبات الإفطار المنظمة رسميًا والتهاني الرمضانية أمرًا مُعتادًا في السنوات الأخيرة، تشير المجلة إلى أنَّ الحكومة تأخّرت قليلًا هذا العام في تهنئتها للمُسلمين. لكنَّ تيريزا ماي، رئيسة الوزراء التي تُشبه السيدة ميركل في كونها ابنة رجل دين مسيحي، استخدمت حسابها على تويتر للإشارة إلى أنَّ "رمضان يمثل القيم العالمية للسلام، والتأمل، والتفاني، والإحسان".
اضف تعليق