تسبب النقص الشديد في إمدادات أشباه الموصلات على مستوى العالم مؤخرًا، وبخاصة صناعة السيارات الذكية وأجهزة الاتصالات، إلى تعطّل شديد في سلاسل التوريد، والحدّ من قدرة المصنعين على إنتاج العديد من أنواع المعدات والأجهزة الإلكترونية خلال العام 2021، وهو ما دفع بشركات صناعة الرقائق إلى زيادة أسعار الأجهزة.
ولمعالجة الازمة افتتحت شركة روبرت بوش الألمانية لصناعة الآلات ومكونات السيارات مصنعا للرقائق الإلكترونية في ألمانيا باستثمارات بلغت مليار يورو (1.2 مليار دولار) بهدف المساهمة في تخفيف أزمة نقص الرقائق الإلكترونية في العالم، وتقليل اعتماد أوروبا على واردات الرقائق من الولايات المتحدة وآسيا بحسب وكالة بلومبرج للأنباء.
ومن المقرر أن يبدأ المصنع المقام في مدينة درسدن الألمانية إنتاج الرقائق التي تستخدم في الآلات الكهربائية خلال الشهر المقبل، في حين يبدأ إنتاج الرقائق المستخدمة في صناعة السيارات خلال ثلاثة أشهر حتى أيلول/سبتمبر المقبل.
وقال هارالد كورجر عضو مجلس إدارة بوش في تصريحات هاتفية لوكالة بلومبرج إنه "لا يوجد حل سريع (لأزمة نقص الرقائق) لآن زيادة الإنتاج تستغرق وقتا... لكن المؤكد أن المصنع الجديد سيساعد في توفير طاقة إنتاجية إضافية لآن كل رقيقة جديدة يتم إنتاجها هي شيء جيد".
وقد بدأ النقص في الرقائق في الأساس مع أجهزة مثل معدات إدارة الطاقة والشاشات وأدوات التحكم الدقيق، التي تُصنّع على العُقد القديمة في مسابك على خطوط سبك بقياس 8 بوصات، والتي تتسم بكونها ذات قدرة إنتاجية محدودة، وامتد النقص حاليًا ليشمل الأجهزة الأخرى، حتى أصبح هناك قيود على السعات ونقص في الركائز وربط الأسلاك والمكونات الخاملة والمواد وقدرات الاختبار، وكلها أجزاء من سلسلة التوريد التي تقع خارج نطاق تصنيع الشرائح.
وتُعدّ هذه صناعات ذات ارتباط وثيق بإنتاج السلع الاستهلاكية، وتتسم بانخفاض المرونة في التعامل معها وضعف القدرة على بذل مزيد من الاستثمارات فيها خلال وقت قصير.
ومؤخرا توقعت شركة جارتنر المختصة في أبحاث الأسواق التقنية العالمية، أن يستمر النقص في إمدادات أشباه الموصلات بجميع أنحاء العالم حتى العام 2021، مرجّحة أن يعود إلى مستوياته الطبيعية بحلول الربع الثاني من العام 2022.
وقال كانيشكا تشوهان محلل الأبحاث الرئيسة في جارتنر، إنه من المتوقع، في معظم الفئات، أن يستمر نقص الأجهزة حتى الربع الثاني من العام 2022 (يمكن الرجوع للشكل 1)، في حين يُحتمل أن تمتد القيود المرتبطة بالسعة والركائز حتى الربع الأخير من العام 2022.
وقد أشارت أرقام الربع الأول من 2021 تستند على تقدير نموذجي خاضع للتغيير وقائم على البيانات المالية التي أبلغت عنها شركات الإنتاج في الربع الثاني من 2021. ويعتبر شريط المؤشر للفترة الممتدة بين الربعين الثاني والرابع مجرد تقدير إرشادي.
وأوصي محللو جارتنر، بأن يتخذ مصنعو المعدات الأصلية، الذين يعتمدون اعتمادًا مباشرًا أو غير مباشر على أشباه الموصلات، أربعة إجراءات للتخفيف من المخاطر والحدّ من خسائر الإيرادات أثناء النقص العالمي في الرقائق، توسيع نطاق الرؤية في سلاسل التوريد – يحتّم النقص الحاصل في الرقائق الإلكترونية على الشركات الرائدة في سلسلة التوريد توسعة نطاق رؤيتها لتشمل مستوى إنتاج الرقائق، الأمر الذي سيعزز قدرتها على توقّع الاستمرار في القيود والاختناقات، وفي النهاية، توقع الوقت الذي ستتحسن فيه حالة الأزمة.
هذا بالإضافة إلى ضمان التوريد بنموذج مصاحبة والاستثمارات مسبقة – وينبغي لمصنعي المعدات الأصلية الذين لديهم متطلبات صغيرة ولكن عاجلة، البحث عن إبرام شراكة مع مصنعين مماثلين يتعاملون مع مسابك الرقائق أو الشركات المختصة بتعهيد تجميع أشباه الموصلات واختبارها (OSAT)، للحصول على متطلباتهم ككيان واحد مشترك لاكتساب بعض المزايا كذلك، إذا سمح الحجم، فإن الاستثمار المسبق في جزء سلعي من سلسلة توريد الرقائق أو المسابك يمكن أن يضمن للشركة إمدادًا طويل الأجل.
وتتبُّع أهم المؤشرات – على الرغم من عدم وجود محدّد يعرض كيفية تطوّر حالة النقص في الإمدادات، يمكن أن تساعد مجموعة من المحددات المهمة في توجيه الشركات في الاتجاه الصحيح.
وأكّد جوراف جوبتا نائب الرئيس للأبحاث لدى جارتنر، أن حالة النقص الحالي في الرقائق الإلكترونية حالة متغيرة تستدعي تتبعها باستمرار، مشيرًا إلى أن تتبع أهمّ المؤشرات، مثل استثمارات رأس المال ومؤشر المخزون وتوقعات نمو إيرادات صناعة أشباه الموصلات، بوصفها مؤشرًا مبكرًا لحالات المخزون، ويمكن أن يساعد الشركات على مواكبة التحدي ومعرفة توجهات النمو في القطاع بشكل عام.
وهذا يأتي مع تنوع قاعدة الموردين –تأهيل مصدر مختلف للرقائق، والشركات المختصة بتعهيد تجميع أشباه الموصلات واختبارها، يتطلب عملًا واستثمارات إضافية، ولكنه سيعني قطع شوط طويل في تقليل المخاطر، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد إنشاء علاقات استراتيجية ووثيقة مع الموزعين والبائعين والتجار، في العثور على الحجم الصغير للمكونات العاجلة.
وحذرت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" من تداعيات أزمة نقص أشباه الموصلات على التعافي الاقتصادي من أزمة وباء كورونا.
وذكرت ميركل في افتتاح منصع بوش في درسدن: "في كل الأحوال، فإن الاضطرابات في المعروض من أشباه الموصلات تجعل التعافي الاقتصادي للقطاع الصناعي بعد الأزمة أمرًا أكثر صعوبة"، وفقا لمنصة أرقام.
ويبدو أن أزمة نقص أشباه الموصلات المعروفة بـ"الرقائق الإلكترونية"، التي ضربت قطاع السيارات حول العالم، وتسببت في ارتباك عمليات الإنتاج في غالبية المصانع، سوف تستمر لفترة قادمة خاصةً مع إعلان العديد من شركات السيارات عن تأجيل طرح بعض الطرازات الجديدة، وكان آخرها شركة صناعة السيارات اليابانية نيسان، التي قررت إرجاء إطلاق سيارتها الكهربائية "اريا"، في ظل الصعوبات التي تواجهها مع استمرار مشكلة نقص إمدادات الرقائق.
وسجلت نيسان وهوندا مبيعات أقل خلال مايو في الصين -أكبر سوق للسيارات في العالم- بينما سجلت تويوتا موتور مبيعات أعلى من مايو 2020، وفقًا لرويترز.
وقالت نيسان في بيان لها إنها باعت 111 ألف و 96 سيارة بانخفاض 14.6٪ عن العام السابق بينما تراجعت مبيعات هوندا 4.1٪ إلى 128 ألف و 713 سيارة. في حين حققت تويوتا مبيعات بلغت 168 ألف و 900 سيارة في الصين بزيادة 1.5٪.
بالمقارنة تعاني نيسان من عدة مشاكل تتعلق بإنتاج السيارات في الهند وفي المكسيك، حيث أوقفت 36 مصانع لها في الأخيرة بسبب نقص رقائق أشباه الموصلات، في حين أنها أبلغت محكمة هندية بطلب لمواصلة الإنتاج في مصنعها بالهند بعدما قدم العمال التماسًا إلى المحكمة لوقف العمليات بسبب انتهاك معايير التباعد الاجتماعي بعد زيادة حالات الإصابة بكورونا.
من جهتها عادت هوندا للأرباح مجددًا في الربع الأخير من السنة المالية التي انتهت في 31 مارس الماضي، رغم عدم بلوغها الأرباح التشغيلية التقديرية البالغة 791.7 مليار ين، بتسجيلها أرباح 660 مليار ين ياباني. وحذرت هوندا من نقص رقائق أشباه الموصلات وارتفاع تكاليف المواد الخام مما قد يحد من النمو في العام الحالي.
فيما حذرت إحدى أكبر الشركات المصنعة للإلكترونيات في العالم من أن النقص العالمي في الرقائق الذي يعطل صناعة السيارات، ويهدد توريد منتجات التكنولوجيا الاستهلاكية، سيستمر لمدة عام آخر في الأقل. التوقعات جاءت من شركة "فليكس"، ثالث أكبر شركة مصنعة في العالم. وهي واحدة من أكثر التوقعات كآبة حتى الآن في ما يتعلق بأزمة تجبر مجموعات السيارات والإلكترونيات الاستهلاكية على إعادة فحص سلاسل التوريد العالمية الخاصة بها.
ووفقاً لما ذكرته صحيفة "فايننشال تاميز"، فإن الانتعاش السريع في مبيعات السيارات جنباً إلى جنب مع الازدهار الناتج من الإغلاق في وحدات التحكم في الألعاب وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وأجهزة التلفزيون، قد تسبب في ضغوط كبيرة جداً على صانعي الرقائق في العالم بسبب الزيادة الحادة في الطلب.
وتمتلك شركة "فليكس" ومقرها سنغافورة أكثر من 100 موقع في 30 دولة، وتصنع الأجهزة والإلكترونيات للشركات بما في ذلك "فورد" للسيارات، ومصمم الأجهزة المنزلية البريطاني "دايسون"، وبقالة "أوكادو" عبر الإنترنت في المملكة المتحدة، وصانع أجهزة الكمبيوتر والطابعات الأميركية "أتش بي". وتعد الشركة مشترياً كبيراً للرقائق.
اضف تعليق