تقطر حبّات العرق من جبين عقيل حسن فيما يعمل على إصلاح الخطوط الكهربائية المتشابكة التي تغذّي 270 بيتاً في مدينة الصدر في بغداد، عمل أساسي ودقيق وسط موجة الحرّ التي يشهدها العراق هذه الأيام.
ويتألف مكان عمل عقيل المتواضع من كشك بسيط مقابل بيته يضمّ سريراً، وحمامات في قفص لتخفيف وحشته، وأكثر من 200 محوّل كهرباء بألوان متعددة، ولا ينقطع فيه صوت محرك المولّد الكهربائي المرتفع.
وظيفة عقيل حسن هي تشغيل المولد الكهربائي. وتتضمّن المهمة تركيب الأشرطة الكهربائية والمحولات وصيانتها، لضمان أن يواصل المولد عمله بدون مشاكل.
ويوفّر هذا النظام الكهربائي الطاقة لبيوت الحيّ الذي يقطنه عقيل حينما ينقطع التيار الكهربائي الحكومي، وهو أمر يتكرر كثيراً في المنطقة. في ظلّ الصيف الحار مع درجات حرارة تفوق الخمسين درجة مئوية، يعتمد سكان الحي أكثر فأكثر، على الطاقة التي يوفرها المولد.
ويقول الرجل البالغ من العمر 42 عاماً والذي تغطي يديه وشوم الشخصيات المبجلة، لوكالة فرانس برس "ليس لدي وقت محدد لبدء العمل، أنا دائماً حاضر، 24 ساعة في اليوم".
ويروي أنه بدأ بعمل صيانة المولدات الكهربائية بعد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003.
وعلى الرغم من أن العراق هو ثاني منتج للنفط في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، لكنه يستورد نحو ثلث حاجته من الغاز والطاقة من جارته إيران، لأن قطاع الطاقة فيه متهالك جراء عقود من النزاعات والفساد والإهمال.
وأوقفت إيران الشهر الماضي تزويد العراق بالطاقة، لأن وزارة الكهرباء لم تسدّد لها مستحقات تفوق ستة مليارات دولار، بحسب طهران. وبالتالي، لم يعد في الإمكان تزويد 40 مليون عراقي بما يكفيهم من الكهرباء.
ويقول عقيل حسن "مولداتنا تعمل أوقات إضافية هذه الأيام، نحو 22 ساعة في اليوم".
ويدفع له مشتركون المال مقابل الحصول على كهرباء من المولد عندما ينقطع التيار الكهربائي من المؤسسات الحكومية. ويؤكد الرجل أنه أحياناً يوفّر الكهرباء مجاناً للأكثر فقراً.
ويضيف "حين تأتي الكهرباء من الخط الوطني، يرنّ جرس إنذار، وأتحرّك لإطفاء المولّد حتى يستريح".
ويشعر ابنه الصغير مسلم البالغ من العمر خمس سنوات بالحماسة حينما يحين موعد إطفاء المولد الكهربائي فيهرع لمساعدة أبيه الذي يحمله ويرفعه ليطال المحولات البعيدة.
وتشكّل مدينة الصدر أحد أكثر أحياء العاصمة اكتظاظاً، فهي تضمّ نحو مليون منزل من ذوي الدخل المحدود محاذية بعضها لبعض.
ويقدّر خبير الطاقة المقيم في واشنطن هاري إستيبانيان، الباحث في "مركز العراق للطاقة"، بـ4,5 مليون عدد المولدات الخاصة في كافة أنحاء البلاد.
وتنفق كل عائلة أو منزل "بين مئة إلى مئتي دولار شهرياً على الكهرباء (ما يعادل بين 6 إلى 10 مليارات دولار) الى أصحاب المولدات الكهربائية الخاصة، لكن هذا القطاع لا يسهم في اقتصاد البلاد ولا يدفع ضرائب"، كما يوضح إستيبانيان.
ويضيف "لا يوجد قانون ينظّم القطاع لأنه مرتبط بشكل وثيق بالنخب السياسية والمجموعات المسلحة. هو جزء من الشبكة المعقدة للأعمال غير المشروعة والاقتصاد التحتي في العراق".
ويعمل مرتضى علي البالغ من العمر 22 عاماً في المجال أيضاً، وهو ينفذ أوامر مديره الذي يملك أكثر من مولد كهربائي في المنطقة.
ويقول ممتعضاً "يجب أن أبقى قرب المحولات. لم أختر هذا العمل، لكن لا شيء أفضل أقوم به هنا. كنت أرغب في أن أفتح متجراً أو الانضمام إلى الجيش العراقي".
ويضيف "لا أستطيع أن أتزوج لأنني ببساطة غير قادر على مغادرة مكاني. هذه كلّ حياتي. تصبح حياتي أسهل لو تزيد الدولة من إمدادات الكهرباء، ربما حينها أستطيع أن أستريح".
ويقسّم كرار حامد من جهته وقته بين المدرسة ومساعدة والده في صيانة المولدات الثلاثة التي تملكها العائلة، وهو يدعو أصدقاءه لتمضية الوقت قرب غرفة المحولات.
في الغرفة تلفاز وجهاز تبريد، بالإضافة إلى هاتف جوال لتلقي اتصالات الزبائن وجهاز "آيباد" لوحي، هو أغلى ما يملك كرار، فالشاب مدمن على لعبة "بوبجي" الإلكترونية.
ويروي كرار البالغ من العمر 17 عاماً "الكهرباء تقطع نحو 12 ساعة في اليوم بشكل متقطع، لذا يجب أن أكون حاضراً حين يحصل ذلك".
ويرجّح إستيبانيان أن مشكلة الكهرباء في العراق واعتماده على هذه الشبكة البديلة، سوف يدوم.
ويوضح "لا يوجد حل سريع لمشكلة نقص الكهرباء لا سيما في مواسم الذروة. على الحكومة أن تتخذ خطوات جريئة في سبيل تحرير هذا القطاع".
ويضيف "قد تتطلب تنمية العراق لسوق طاقة فعال ومنافس عقوداً".
بالنسبة لحسن، فإن مشكلة الكهرباء "لن تحلّ أبداً"، مضيفاً بينما يرفع محوّل أحد جيرانه، أن السبب هو أن "الدولة فاسدة جداً".
المصدر: فرانس برس
اضف تعليق