تقارير

أزمة الكهرباء في العراق.. صناعة اسهام في صناعة الازمات

سلسلة الهجمات والتفجيرات التي تعرَّضت لها أبراج الكهرباء الشهر الماضي كان الهدف منها جزئيًّا تحقيق مصالح تجارية خاصة. خ

نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تقريرًا سلَّط الضوء على تداعيات أزمة الكهرباء وانقطاع التيار الكهربائي المستمر في عدد من دول الشرق الأوسط وإشعاله شرارة الاضطرابات بسبب آليات تقنين استهلاك الطاقة وتسجيل عدد من الوفيات بين المواطنين، بينما تشهد المنطقة في الوقت نفسه ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة.

في مستهل التقرير، توضِّح لويزا لوفلوك أن موجات الحر غير المسبوقة التي تشهدها معظم دول منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى نقص مصادر الطاقة، أغرقت المنازل والمؤسسات التجارية بداية من لبنان ووصولًا إلى إيران في ظلام دامس وأثارت غضب السكان واحتجاجاتهم مع نفاد صبر الأسر الفقيرة واستيائهم من شدة الحر القائظ، بينما يظل عديد من الأثرياء محافظين على هدوئهم باستخدام مولدات الطاقة الاحتياطية.

وأشار التقرير إلى أن انقطاع التيار الكهربائي دفع المستشفيات في هذه البلاد إلى حافة الأزمة على نحو خطير. بينما تكافح المؤسسات العائلية من أجل البقاء والاستمرار. وفي بعض المدن، تنير مصابيح الشوارع بالكاد، وسجَّل العراق الرقم القياسي نفسه لدرجات الحرارة المسجَّلة في العام الماضي البالغ 51.7 درجة مئوية.

وأدَّت عقود من الإهمال وقلة الاستثمار إلى ترك شبكات الطاقة في العراق عاجزة على التكيف مع هذا الوضع. وتسبب الجفاف في توقف توليد الطاقة الكهرومائية، ويتزامن هذا كله مع أزمات اقتصادية تعصف بعديدٍ من الدول التي تكافح حكوماتها حاليًا لشراء الوقود اللازم لتوليد الطاقة.

وفي هذا السياق، ينقل التقرير ما قالته جيسيكا عُبيد، باحثة غير مقيمة في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، إن: "التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة هو السبب في تفاقم الأزمة، لكن جذور المشكلة تكمن في سوء التخطيط والإدارة السيئة وقلة الاستثمار في قطاع الطاقة".

وفي مدينة البصرة الغنية بالنفط، أغلق المتظاهرون الطرق السريعة وأحرقوا الإطارات، معربين عن استيائهم بسبب نقص الكهرباء وضعف الخدمات العامة.

ولفت التقرير إلى أنه في ظل تعثر شبكات الكهرباء الحكومية في العراق، لجأت المواقع والمقرات، التي تمتد من وزارات الدولة إلى منازل العائلات، بصورة ذاتية إلى تشغيل مولدات احتياطية والتي تحتاج إلى جيش من المشغِّلين، الذين يعيشون في مقطورات ساخنة ومظلمة، على مدار الساعة لإبقائها مستمرة في العمل.

وقد شُوهد أحد هؤلاء العمال مؤخرًا في بغداد يتنهد متحسرًا وهو ينظر إلى الآلة المعدنية الضخمة التي يُراقبها لمدة 12 ساعة يوميًّا، والتي يحاول منعها من السخونة الزائدة عن طريق غمرها بالماء مرارًا وتكرارًا. يقول محمود إسماعيل، البالغ من العمر 25 عامًا، إنه: "عندما ينطفئ المولد، لا يتوقف هاتفي عن الرنين لدرجة أنه يكون ساخنًا عند لمسه. ويصاب الناس باليأس عندما تنقطع الكهرباء لأن الحياة تتوقف مع غيابها".

ومن جانبهم، يرى الخبراء أن هذه المولدات المنتشرة في كل مكان، والتي تعمل بوقود الديزل، تُشكل خطورة على صحة الإنسان لأنها تقذف الأدخنة السامة المتصاعدة منها بقوة، ويضطر العملاء إلى دفع فواتير الكهرباء الباهظة لرجال أعمال فاسدين وغير خاضعين للمساءلة لكنهم يمتلكون مولدات الطاقة.

يقول التقرير ان نقص الكهرباء في عدد من مدنه بعد تخلُّف هذه المدن عن سداد مدفوعات إيران المجاورة مقابل ما تُزوِّد به العراق من مقدار كبير من الكهرباء عبر الحدود، ما تسبب في قطع إيران لإمدادات الطاقة. وأظهرت مراجعة أجرتها وكالة أسوشييتد برس في يونيو (حزيران) أن مقدار الكهرباء المتدفقة من أربعة خطوط تمر من إيران إلى العراق قد انخفض إلى الصفر، لمدة مؤقتة على أقل تقدير.

وفي بغداد، أكَّد أصحاب الأعمال أن انقطاع الكهرباء المستمر تسبب في أن يعيش السكان ليالي طويلة من اليأس مع استمرارهم في البحث عن طرق لإعادة تشكيل ميزانياتهم لدفع ثمن طاقة المولدات اللازمة للحفاظ على تدفق الكهرباء. ومع اختلاف الأسعار، فإن الشركات يمكنها دفع آلاف الدولارات للحفاظ على تشغيل الأضواء. يقول عبد الكريم الزعبي، وهو يقف في محل العصائر التابع لعائلته، إنه: "إذا انقطعت الكهرباء، نفقد كل شيء وسوف تتعفن الثمار ويمرض الناس. لذلك علينا أن نبقي هذه الأنوار مضاءة. ومن دون كهرباء سيُغلق هذا المكان".

يضيف التقرير: على سبيل المثال، أفاد عدد من السياسيين ورجال الأعمال أن سلسلة الهجمات والتفجيرات التي تعرَّضت لها أبراج الكهرباء الشهر الماضي كان الهدف منها جزئيًّا تحقيق مصالح تجارية خاصة لبعض أصحاب المولدات التي أرادت ضمان استخدام مولداتها بدلًا من أبراج الكهرباء.

ويعتقد خبراء الصحة أن انتشار المولدات في البلاد قد يكون له تأثير استنشاق دخانها السام نفسه، إذ قدَّر فريق من الكيميائيين العاملين في الجامعة الأمريكية في بيروت، بقيادة نجاة صليبا، أن الاعتماد على مدار 24 ساعة تقريبًا على المولدات يؤدي إلى تسميم الهواء ثماني مرات أسرع مما كانت عليه الأوضاع عندما تشغل المولدات لمدة ساعات قليلة في المتوسط​​ خلال اليوم. كما حذَّروا من أن هذا قد يتسبب في إصابة 550 حالة بالسرطان زيادة عن كل عام، بالإضافة إلى 3 آلاف تشخيص جديد لأمراض القلب والأوعية الدموية. وكتب الفريق في صحيفة النهار اللبنانية أن: "هذا الأمر سيؤدي إلى عواقب صحية هائلة وفاتورة باهظة تصل إلى 8 ملايين دولار سنويًّا".

ويُرجح التقرير أن تمتد العواقب الصحية لانقطاع التيار الكهربائي إلى أبعد من ذلك بكثير. إذ وصف محمد محبي، البالغ من العمر 40 عامًا، وهو مهندس كهربائي يعمل مستشارًا في صناعة الطاقة الإيرانية، تداعيات انقطاع التيار الكهربائي على صحة الناس العقلية ومعنوياتهم بأنه "مُدمِّر".

اضف تعليق