تقارير

لماذا أشاحت السعودية بوجهها عن أمريكا

السعودية هي الآن الشريك الاقتصادي الأول للصين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للعام الـ 13 على التوالي. خ

شهد العامان الماضيان تقاربا لافتا بين السعودية من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، وجاء تطور هذه العلاقات بعد انتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن، والذي كثيرا ما هاجم بعض سياسات الرياض.

وفي بداية أزمة أوكرانيا وبدء التدخل العسكري الروسي هناك كان موقف السعودية ضبابيا، ثم ما لبث أن ظهر بأنه محايد، على الرغم من أنها رفضت زيادة إنتاجها من النفط لتعويض النقص الحاصل بسبب الحرب، كذلك لم تعلن رسميا فرض عقوبات على موسكو.

من جهة أخرى تنامت علاقة الرياض مع بكين، ووصلت ذروتها بتوقيع اتفاقيات تجارية بين البلدين، كذلك أفادت تقارير صحفية بأن السعودية تدرس قرار تسعير النفط باليوان الصيني وليس بالدولار.

وأثار تقارب الرياض مع بكين وموسكو وبنفس الوقت فتور العلاقة مع إدارة الرئيس بايدن تساؤلات حول ما إذا كان هذا التقارب بداية لتحالف استراتيجي أم أنه مجرد تهديد لإدارة بايدن؟ كما برزت تساؤلات حول دوافع الرياض من هذا التقارب وما أسبابه.

يرى الكاتب والباحث السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، بأن "العلاقات الاقتصادية والتجارية المتنامية بين البلدين، مكنتهما من إقامة علاقات سياسية وتعاون وتنسيق سياسي بين هاتين القوتين؛ السعودية كقوة إسلامية والصين كقوة عظمى على مستوى العالم".

وأوضح أن "تفهمها المشترك لتوجهاتهما السياسية كذلك طموحهما واحترام القرار السيادي لكل منهما وعدم التدخل بالشأن الداخلي لكل دولة، مكن الرياض وبكين من إقامة علاقات متميزة قائمة على الاحترام المتبادل والندية".

وأضاف: "حينما زار الرئيس الصيني شي جين بينغ المملكة في عام 2016، قال كلمته الشهيرة، "علينا أن نكون شريكين استراتيجيين نثق في بعضنا البعض"، وباعتقادي أن السعودية والصين تمكنتا من إقامة علاقات استراتيجية متميزة قائمة على تعظيم المصالح المتبادلة بينهما وعلى البناء على ما يجمع بينهما ودعم المصالح الاقتصادية المشتركة".

ولفت إلى أن "السعودية هي الآن الشريك الاقتصادي الأول للصين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للعام الـ 13 على التوالي، كما أنها تعتبر المصدر الأول للنفط للصين، إضافة للتعاملات التجارية بين البلدين".

وتابع: "خلال التطورات التي يشهدها المجتمع الدولي مؤخرا، أثبتت العلاقات الصينية السعودية أنها صمام أمان لأمن واستقرار منطقة الخليج العربي، وأنها تمثل ضمانة لكثير من قضايا العالم العربي والشرق الأوسط وآسيا وجنوب آسيا".

تطوير العلاقات

من جهته يرى مدير مركز دراسات الخليج في قطر محجوب الزويري أن هذا التقارب ليس انفتاحا بل تطور في العلاقة ودفع بها بخطوات حثيثة، أهمها مغادرة المربع الأمريكي والغربي مكلف سياسيا واقتصاديا، ولكن بنفس الوقت هناك محاولة لإبقاء خيارات العلاقات مفتوحة، بمعنى أن لا تكون العلاقة مع بلد على حساب بلد آخر".

وحول موقف السعودية من العقوبات على روسيا قال الزويري: "فرض عقوبات على روسيا سيضر الاقتصاد العالمي بما فيه الدول ذات الاقتصادات الكبرى، وتلك الدول تعرف ذلك، ولا شك أن دول الخليج أيضا قلقة من تأثيرات هذه الأزمة على اقتصاداتها، لذلك هناك حرص على التوازن في المواقف تجنبا للتبعات الاقتصادية والسياسة".

"الخلاف مع ادارة بايدن"

وفي ذات الصدد نشرت صحيفة "وول جورنال ستريت" الأمريكية مقالا لهيئة التحرير، تساءلت في عنوانه عن الكيفية التي خسر فيها بايدن السعودية.

ووصفت الصحيفة في مقالها تعامل إدارة بايدن مع السعودية بـ"الأخرق"، وجاء هذا الوصف وفقا للصحيفة بعد الأنباء التي ذكرت أن الرياض تنوي استخدام اليوان بدلا من الدولار في تعاملاتها النفطية.

وأشار المقال إلى أن إدارة بايدن قامت بتخريب العلاقة مع السعودية بين الحين والآخر، وبكل الوسائل، مؤكدا أن السعوديين سئموا من هذا الأمر.

وأوضحت الصحيفة أن من بين الأسباب التي ساهمت بفتور علاقة الرياض مع إدارة بايدن، إنهاء الدعم الأمريكي لحرب المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.

كما أن الحكومة الأمريكية أزالت الحوثيين من قائمة الإرهاب، أيضا أرجأ البيت الأبيض بيع الأسلحة المقرر للرياض، وهي صفعة في وجه الأمن السعودي لم يكن من الممكن التراجع عنها حتى أواخر العام الماضي، وفقا للصحيفة.

وأشارت إلى أن بايدن ومستشاروه يقولون إن الأمر كله يتعلق بحقوق الإنسان.

ويدفع التقارب السعودي الصيني الروسي، وكذلك الفتور في العلاقة مع بايدن للسؤال حول ما إذا كانت علاقة السعودية مع الصين استراتيجية أم أنها مجرد تهديد للرئيس الأمريكي؟ كذلك كيف سترد واشنطن؟

اعتبر الباحث السياسي السعودي مبارك آل عاتي أن "علاقة الرياض مع بكين استراتيجية لمصلحة البلدين الصديقين، مع التأكيد على أن هذه العلاقات لا تقم على أنقاض علاقات أخرى وليست موجهة ضد أي دولة أخرى".

وأضاف: "هذه العلاقات تصب في مصلحة علاقات المملكة مع بقية الدول، حيث تلتزم المملكة باستمرار علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية التي بنيت على مدار ثمانية عقود".

وتابع: "بصفتي كمراقب أرى أن السعودية تؤمن بأن علاقاتها دائما مع أمريكا كدولة وليس مع الرئيس، خصوصا أن إدارات البيت الأبيض تتعاقب وتتغير، ولذلك تعمد المملكة لإقامة علاقات متينة مع أمريكا كدولة وحليف استراتيجي، مؤمنة بأن الرؤساء يتعاقبون رئيسا تلو الرئيس، لذلك تتمسك المملكة باستمرار هذه العلاقات".

ويرى آل عاتي بأن "أن الرياض تحتفظ بعلاقات استراتيجية تاريخية مع أمريكا، وبنفس الوقت تسعى أيضا لإقامة علاقات استراتيجية مع روسيا والصين".

من جهته أشار الباحث في الشؤون الأمريكية والشرق أوسطية جو معكرون إلى أن المشكلة الرئيسية هي في العلاقات الأمريكية السعودية أكثر مما هي في التقارب السعودي مع روسيا والصين.

وأوضح أن واشنطن "تفضل أن تكون لها الأولوية في الصفقات التجارية، ولكن لا تعترض على تقارب الرياض مع موسكو وبكين طالما لا يضر بالمصالح الأمريكية".

وأضاف: "والأهم من ذلك، حتى لو تأثرت سلبا العلاقات الأمريكية السعودية كما هو الحال في ظل إدارة بايدن، لا يزال الأمن الخليجي يعتمد بشكل رئيسي على واشنطن، وبالتالي فإن الصين وروسيا غير قادرتين على منافسة أمريكا في هذا السياق".

المصدر: عربي 21

اضف تعليق