سلط تقرير لجزيرة نت الضوء على النزاعات العشائرية في جنوب العراق، مؤكدا أن تصاعد النزاعات العشائرية في الجنوب بسبب التراخي الأمني.
وذكر التقرير، أنه في ظهيرة ساخنة من يوم 20 أبريل/نيسان الماضي، أوقف مسلحون ملثمون سيارة للشرطة تحمل سجينا مفرجا عنه خرج من المحكمة ومتجها لمركز الشرطة لإخلاء سبيله، وسط الشارع في قضاء الشطرة، بمحافظة ذي قار (400 كلم جنوب بغداد) حيث أبعدوا المفرزة الأمنية المرافقة له، وأطلقوا النار على السجين ثم وقفوا على الجثة وبدؤوا بالأهازيج احتفالا بأخذ الثأر ثم غادروا بسرعة.
وفي اليوم ذاته، تعرض ضابط في الجيش برتبة عميد إلى إطلاق نار بواسطة سلاح قناص أدى إلى وفاته في الحال، خلال محاولته لإيقاف نزاع عشائري بين عشيرتين شمال شرق الناصرية (مركز محافظة ذي قار) كان قد مضى عليه عدة أيام، تخللها حرق منازل ومضايف ومقتل عدة أشخاص.
هذا الحال بدأ بتزايد منذ نهاية العام الماضي ومطلع الجاري في المحافظات والمدن الجنوبية، إذ رافق تلك النزاعات ظهور نزعة أخرى لارتكاب الجرائم خلال مشاجرات مسلحة بالأماكن العامة.
الصورة القاتمة التي تحدث ليس في محافظة ذي قار فحسب، ففي ميسان المجاورة لا يختلف الأمر كثيرا، فقد نشب نزاع عشائري طاحن مطلع أبريل/نيسان الماضي بين عشيرتين في ناحية العزير، خلف 8 قتلى وجرحى، وعلى إثرها وقبلها شهدت المنطقة أيضا نزاعا طاحنا راح ضحيته أكثر من 6 أشخاص اضطرت القوات الأمنية لإعلان حظر للتجوال.
وفي فبراير/شباط الماضي، كانت البصرة (أقصى جنوب البلاد) قد شهدت نزاعا ساخنا بين عشيرتين بسبب خلاف سابق كان قد مضى عليه أكثر من 25 عاما، مما أدى إلى إصابة شخص واحد لا علاقة له بطرفي المعركة.
وقال مصدر أمني للجزيرة نت، إن تصاعد النزاعات العشائرية في الجنوب بسبب التراخي الأمني، إضافة لصعود وتيرة العنف خلال الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها محافظات الجنوب عام 2019 آنذاك، إذ تم تجريد الشرطة من الأسلحة لفترة طويلة خشية استخدامها ضد المتظاهرين، وهو ما خلف فرصة كبيرة للفوضى الأمنية.
يضيف المصدر -الذي فضل عدم الإفصاح عن هويته- أنه خلال فترة الاحتجاجات الشعبية عام 2019 وبعدها نشطت الجماعات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة وارتفعت وتيرة النزاعات العشائرية، فبعد أن كان الأمر يستمر في السابق لساعات، ثم ينتهي بهدنة دون خسائر كبيرة، إلا أن النزاع الآن يرافق قتلى وجرحى وحرق منازل ومضايف.
ويقول إن الحرب التي تشنها البلاد على تنظيم داعش كانت عاملا آخر في نمو النزاعات العشائرية، فخلال السنوات الأخيرة استطاعت الكثير من العشائر تعزيز تسليحها عبر تهريب السلاح من المناطق الساخنة إلى المناطق الجنوبية والحصول عليها بأسعار زهيدة بعد هزيمة التنظيم، وهذا مكنهم بشكل أكبر بالاستمرار في أي نزاع ينشب.
ومع بداية الحرب على تنظيم داعش شح السلاح وكانت الأسعار عالية، لكنه لاحقا انخفض بمختلف أنواعه وبدأ يتدفق بكثافة للمناطق الجنوبية حيث دخلت أنواع جديدة من السلاح لم تكن تتوافر سابقا مثل "إم 4″ و"إم 16" وهي أسلحة أميركية حديثة، وبدأ الطلب عليه يزداد يوما بعد يوم، وفق المصدر ذاته.
يقول المصدر أيضا: عندما تتدخل القوات الأمنية لفض أي نزاع عشائري ومصادرة الأسلحة يتدخل شيوخ العشائر للتأكيد على أن هذا السلاح دافع عن العراق خلال الحرب على تنظيم داعش ومن غير الممكن مصادرته، والشرطة لا يمكنها أن تنفذ مهمة تنتهي بصدام مع العشائر.
يقول رئيس المركز العراقي للحوار الشيخ عباس الفضلي، إن النزاعات العشائرية لم تكن وليدة اليوم، مشيرا إلى أن المشاكل والغزوات تقع بين القبائل منذ القدم، حتى في زمن النظام السابق.
الكثير من الناس يلجأ إلى لغة السلاح والعشيرة حينما تحدث معهم مشكلة لأنهم لا يثقون بالقانون ولا بالدولة لهذا يرغبون بأخذ حقوقهم بأيديهم، وهذا سببه ضعف سلطة القانون الذي لا يحاسب العشيرة، وهو ما أعطى مساحة واسعة لانتشار النزاعات، إضافة لأسباب أخرى منها الجانب الاقتصادي.
منذ ما يقارب الشهرين، كانت ذي قار تسجل نزاعا عشائريا يوميا، لكن القوات الأمنية لم تحرك ساكنا فهناك مخاوف من تصادم مباشر مع العشائر، لكن الأمر اختلف بعد حادثة مقتل عميد في الشرطة الشهر الماضي وعلى إثرها انطلقت حملة أمنية كبرى بحثا عن السلاح والمطلوبين وقتلة العميد.
تمكنت القوات الأمنية -التي شاركت فيها قوات من الجيش والقوات الخاصة وجهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية والشرطة المحلية وأجهزة الاستخبارات والأمن الوطني- من ضبط أكثر من 200 قطعة سلاح متوسطة وخفيفة، وتم القبض على عدد من المتهمين.
يقول مدير العلاقات والإعلام في قيادة شرطة ذي قار، العميد فؤاد كريم، إن الأجهزة الأمنية باشرت في حملة أمنية وتنفيذ أوامر القبض في مدينة الشطرة، عقب حادث مقتل العميد علي جميل مسؤول استخبارات قيادة عمليات سومر، حيث كانت الحملة مهمة بعد أن ضبطت العديد من الأسلحة لدى العشائر.
يضيف كريم، أن ما حققته الحملة من نتائج جيدة في الشطرة سيتم تنفيذها وتطبيقها على مختلف مدن المحافظة من أقضية ونواح للحد من النزاعات العشائرية، والحد من استخدام السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة.
وعلى الرغم من أن هذه الحملات الأمنية التي تحاول فيها القوات الأمنية فرض القانون فإنها ليست المرة الأولى، ففي فبراير/شباط الماضي كانت هناك حملة أمنية كبيرة لفرض القانون في ميسان لكنها لم تنه النزاعات، وفي البصرة كانت هناك حملة أمنية عامي 2018 و2020 لكن لم توقف النزاعات.
سجلت محافظة ذي قار عام 2021 أكثر من 50 نزاعا عشائريا وسجلت العام الحالي منذ مطلعه وحتى مطلع مايو/أيار الجاري أكثر من 30 نزاعا عشائريا حتى الآن، عدا السنوات الماضية التي لا يتوفر عنها أي إحصائية، أما في ميسان والبصرة فلا توجد أي إحصائية عن عدد تلك النزاعات وأين تتركز ولا تكشف الشرطة عن أي أرقام.
عام 2021 أعلنت مديرية شؤون العشائر عن حسم 450 نزاعا عشائريا في عموم العراق منذ يوليو/تموز2020 وحتى يونيو/حزيران 2021، لكن الوزارة اكتفت بهذا البيان ولم تكشف عن حجم النزاعات التي تجري يوميا ولا عن بيانات الأماكن والمواقع.
وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت في 10 مايو/أيار 2022 عن ضبط أكثر من 7 آلاف قطعة سلاح ما بين خفيف ومتوسط وهي أسلحة غالبيتها من العشائر، مؤكدة أن هناك جهودا كبيرة تقدمها الشرطة المجتمعية في منع توسع حيازة الأسلحة.
حينما تضعف الدولة تحاول الجماعات أو الأفراد بما فيها العشيرة لأن تكون بديلا رئيسيا لفرض قيم وعادات غير ملزمة لأفرادها، عكس القانون الذي يكون ملزما وهو قانون العقوبات، لكن داخل العشيرة لا يوجد قوانين ولا عقوبات وبالتالي قد يلتزم بها الفرد أو لا يلتزم، كما يقول الباحث والأكاديمي د.عدي الشبيب.
وعدم الالتزام يدفع إلى ظهور مبادرات وأفكار فردية تؤثر بشكل كبير على السلم المجتمعي، كما يقول الشبيب، وهذا يأخذ أشكالا عدة مثل التجاوز على أراضي الدولة من قبل جماعة معينة باسم العشيرة، وهذا التراكم سببه تفكك وظائف الدولة نتيجة عمل الأحزاب.
وأساس هذا -كما يوضح الشبيب- هو فكر الجماعة وليس فكر الدولة، وبالتالي كان لها تأثير كبير على نوعية هذا التفاعل وتأثيرها بالحياة اليومية، وبالتالي نحن نشاهد عدم ضبط أفراد المجتمع في مناطق معينة بحد ذاتها دون مناطق أخرى، وهذا لم يأت من فراغ وأحد أسبابه انتشار المخدرات من جهة أخرى.
إن النزاعات العشائرية فتحت الباب لرواج سوق الأسلحة في المناطق الجنوبية، حيث تضاعفت أسعار الأسلحة المتوسطة والخفيفة، وظهر تجار سلاح يتنافسون على البيع في تلك المناطق.
اضف تعليق