تقارير

من بغداد الى القاهرة.. هكذا يعاني الفقراء صحياً

يصبر غير القادرين على آلامهم وأمراضهم علها تشفى من تلقاء نفسها أو يجربون طرق بديلة للعلاج. خ

 "عدتُ للتو من مراجعة الطبيب وكلفني العلاج 300 ألف دينار عراقي، بينما كلفني الكشف الطبي وحده 45 ألفا، واضطررت للاستدانة كي أدفع هذه التكاليف".

يلخص مواطن عراقي من سكان بغداد مشكلة تكاليف الرعاية الصحية التي يعاني منها الملايين من سكان البلدان العربية، إذ أصبحت زيارة الطبيب هما يؤرق مرضى كثيرين؛ لما تتطلبه من تكاليف مالية باهظة تجعل استشارة الطبيب الخاص رفاهية لا يمتلكها إلا المقتدرون ماليا.

في العراق مثل غيره من البلدان، يصبر غير القادرين على آلامهم وأمراضهم علها تشفى من تلقاء نفسها أو يجربون طرق بديلة للعلاج.

ويوضح أحد المسنين العراقيين "ما أروح إلى الطبيب أبدا، بل أشتري من الصيدلية حبوبا مسكنة للألم كالباراسيتامول لعلاج الالتهابات التي أعاني منها بالرخص".

بينما يشتكي آخر من الأسعار "غير الطبيعية" التي لم تعد هناك ضوابط لتحديدها قائلا: "شنو كشفية ب 50 ألف و 75 ألف؟ المواطن العادي ما يقدر، يؤجل ذهابه إلى الطبيب ثم يفاجأ بأمراض وبلاوي عنده".

ومع تدني جودة العلاج المجاني في المستشفيات والمستوصفات الحكومية، تزايدت أعداد من يقصدون العيادات الخاصة هربا من الطوابير الطويلة والانتظار المتعب.

ولكن تسعيرة الكشف الطبي في هذه العيادات لا تخضع لضوابط معينة، بل تختلف من طبيب إلى آخر تبعا لعوامل مختلفة كسنوات خبرة الطبيب نفسه أو مكان العيادة، ولكنها بالمجمل تفوق القدرة المادية لمحدودي الدخل.

تحدد نقابة الأطباء في العراق تسعيرة كشف الطبيب في العيادات الخاصة بما لا يتجاوز 40 ألف دينار أي ما يعادل 27 دولارا، إذا كان الطبيب ذا خبرة طويلة، ولكن في الواقع التكلفة غالبا ما تتجاوز 50 ألف دينار بكثير.

أما في سوريا، فتتراوح تكلفة زيارة الطبيب ما بين 15 ألف ليرة سورية وأكثر من 25 ألفا أو ما يعادل 10 دولارات، بينما لا يتجاوز متوسط الراتب الحكومي ما يعادل 40 دولارا.

وفي لبنان حيث تجاوز سعر صرف الدولار الواحد 27 ألف ليرة لبنانية، حددت نقابة الأطباء بداية السنة الجارية تسعيرة المعاينة الطبية بما لا يتجاوز 400 ألف ليرة لبنانية للطبيب الاختصاصي (نحو 14 دولارا)، بينما لا يتجاوز متوسط راتب الموظف الحكومي نحو مليون و 200 ليرة لبنانية (نحو 45 دولارا).

ولكن وفقا للبنانين في بيروت، فإن التسعيرة تتجاوز ذلك بكثير، إذ يقول أحدهم: "شيء مرعب أن تدفع ملايين الليرات لقاء زيارة الطبيب وما يستتبعها من تحاليل وعلاجات وصور وما إلى ذلك".

بينما شكك لبناني آخر في حرص الأطباء على قيم المهنة "ليس لديهم ضمير.. قلة قليلة من الأطباء يمتلكون ضميرا، أما الغالبية العظمى هم تجار .. كلهم تجار".

ليس كل الأطباء سواء

من الصعب إطلاق حكم قطعي كهذا على الأطباء جميعا، حتى في ظل غياب الرقابة على العيادات الطبية وما يترتب عليها من ارتفاع في الأسعار واستغلال المرضى، فواقع الحال في البلدان العربية يشير إلى تزايد هجرة الأطباء الشبان لعجزهم عن تأسيس حياة يحلمون بها، وهربا من الغلاء المتفاقم وشح المرتب في بلدانهم العربية.

في مصر على سبيل المثال، تشير إحصائية سابقة لنقابة الأطباء إلى هجرة نحو 7000 طبيب مصري سنويا، كما تتزايد أعداد الأطباء المستقيلين من العمل في القطاع الحكومي للعمل في القطاع الخاص.

ويبدو أن هذه المشكلة تخفي وراءها تعقيدات أكبر، فلا الحكومة قادرة على رفع أجور الأطباء ولا فرض تسعيرة منصفة ترضيهم وترضي المرضى على حد سواء.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أشار خلال فعالية المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية في فبراير/شباط 2022 إلى عجز الحكومة عن إيجاد الحلول قائلا: "الأطباء ...الناس اللي بتسيبنا عشان ..عايز يعيش، مش هو عايز يعيش؟ ... هو أنا بديله مرتب كويس؟ هو أنا مش عايز أديله مرتب كويس ولا مش قادر أديله مرتب كويس؟ ... مش قادر".

 ووفقا للطبيبة المصرية نهال أبو سيف، التي هاجرت إلى بريطانيا منذ نحو عقدين وتعمل حاليا استشارية للأمراض الباطنية في جامعة برمنغهام "فإن هناك نوعا من الاستغلال طبعا وهذا أمر لا ننكره، ولكن الاستغلال يحدث من قبل الأطباء الكبار في السن والذين وصلوا إلى درجة علمية مرتفعة؛ حيث يمكن أن يصل كشف الطبيب إلى ألف جنيه (مصري) وهو طبعا مبلغ رهيب يمكن أن يكون راتب عائلة كاملة".

ولكن على الجانب الآخر تلفت د. نهال النظر إلى الظروف القاسية التي يعاني منها العديد من الأطباء في مصر والتي تدفعهم بالنهاية إلى الهجرة "فالأطباء الشباب يواجهون معاناة شديدة في الحصول على الرواتب التي تضمن لهم لقمة العيش وتكفيهم لاستئجار شقة أو الزواج".

وتشير بعض الإحصائيات إلى أن مرتب الطبيب الشاب في مصر قد لا يتجاوز 160 دولارا.

وتختم د. أبو سيف حديثها بالإشارة إلى الأعداد المتزايدة للأطباء المصريين والعرب المهاجرين إلى بريطانيا في ظل التدهور الاقتصادي المستمر وتدني مستوى المعيشة في البلدان العربية، وتضيف "في المستشفى الذي أعمل به في برمنغهام، كنت أصادف طبيبا أو اثنين من مصر في السنة كلها، أما الآن كل شهر أرى 6 أو 7 أطباء".

لا يبدو القطاع الصحي في العالم العربي إلا انعكاسا للفجوة الواسعة بين القادرين وغير القادرين على تلقي العلاج من العامة الذين يضطر العديد منهم إلى المساومة على الصحة، كما أن الأطباء مستويات، فهناك مشاهير لميسوري الحال وآخرون يهاجرون بحثا عن دخل ومستقبل أفضل.

المصدر: بي بي سي العربية

اضف تعليق