جاء العراق في المرتبة الأولى عربياً والثانية عالمياً في توقع نسبة نمو للناتج المحلي الإجمالي للعام الحالي، بحسب تصنيفات صندوق النقد الدولي الصادرة في تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" في أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بمعدل نمو بلغ 9.3%،مشيراً إلى أن هذا النمو جاء نتيجة ارتفاع الطلب العالمي على النفط الخام والغاز الطبيعي.
ويعد العراق مصدّرا رئيسا للنفط الخام، وهو ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة "أوبك" بعد السعودية بمتوسط إنتاج يومي يبلغ 4.6 ملايين برميل، يصدر منها قرابة 3.3 ملايين برميل في الظروف الطبيعية، بحسب التقرير.
وفي ظل نسبة النمو التي تعد الأعلى في تاريخ العراق، يتساءل العراقيون عن مجالات النمو التي حققتها البلاد؟ وكيف انعكس ذلك على الشعب؟ وهل تمكن العراق من حل أزماته الاقتصادية المتراكمة؟
يؤكد المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح أن الاقتصاد العراقي مرّ بدورتين شهدتا انقلابا حادا في النمو الاقتصادي، لافتا إلى أن الأول كان في المستوى السلبي عام 2020 عندما بلغ الناتج المحلي الإجمالي (-11%) ثم انتقل إلى المستوى الإيجابي.
ويتابع أن النمو الإيجابي يقدر بنحو 9.3% في الدورة الأولى المؤثرة التي وصفها بدورة الأصول النفطية التي تمثلت بزيادة كميات النفط العراقي المنتج بأكثر من مليون برميل يوميا، مما أسهم في رفع معدل الإنتاج النفطي لحوالي 4.6 ملايين برميل، يضاف إلى ذلك ارتفاع أسعار الخام بنسبة تزيد عن 33% مقارنة بالعام الماضي.
وعن الدورة الثانية، أوضح صالح أنها تمثلت بدورة الأعمال غير النفطية "من خلال نمو النشاط الاستثنائي في قطاعات النقل والاقتصاد الرقمي والإسكان والتشييد وما رافقها من محركات قوية في الإعمار -لا سيما في المناطق المحررة- بعدها اعتمد البنك المركزي العراقي سياسة تيسير ائتماني داعمة لقطاع الإسكان والبناء، ومنح قروض لمبادرة الشباب والصناعة والزراعة التي قاربت 15 مليار دولار".
وقال "كل هذه العوامل أسهمت بنصف الزيادة في معدل النمو".
من جهته، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة بغداد صفوان قصي إنه بالإضافة إلى زيادة أسعار النفط ومستويات التصدير، فإن العراق استفاد من تصفير ديونه للكويت التي كانت تستقطع 3% من إيرادات بيع النفط العراقي، وهو ما أسهم في نمو الاقتصاد.
أما الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش فأضاف عاملا آخر، يتمثل بخفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار، وهو ما ساعد في توفير الدولة لمليارات الدولارات.
الحفاظ على النمو
وعن كيفية المحافظة على هذا النمو، أكد المستشار المالي لرئيس الوزراء في وقت سابق أن هناك وفرة مالية تقدر بين 15 و20 مليار دولار تتمثل بارتفاع احتياطات البنك المركزي وأخرى تتعلق بارتفاع أسعار النفط، وهو ما يستلزم العمل على استثمار هذه الأموال بتشريع موازنة للعام المقبل، لا سيما أنها تمثل 50% من الناتج المحلي، وجانبا استثماريا يدعم قطاع التنمية في البلاد.
أما صفوان قصي فيرى أن هناك حاجة لإعادة تأهيل القطاع الحكومي من أجل تحفيز النمو في القطاع الخاص، مما سيسهم في خلق شراكات إستراتيجية مع الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاعات غير مستغلة مثل النقل والسياحة والتحول نحو الزراعة الذكية، فضلا عن المدن الصناعية والتكنولوجية.
وأكد ضرورة التحول نحو الاستثمار في جودة الحياة وتمكين العراق من بيئة اقتصادية رقمية، بحسب تعبيره.
ويذهب في هذا المنحى أستاذ الاقتصاد في جامعة المعقل بالبصرة نبيل المرسومي الذي اعتبر أن انتعاش أسعار النفط يزيد من إمكانيات الدولة وقدرتها على استثمار جزء من هذه العائدات في تطوير القطاعات غير النفطية.
وأشار إلى أن واردات العراق من تصدير النفط تجاوزت 88 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، مع توقعات بأن ترتفع العائدات 120 مليار دولار نهاية العام الحالي، مما سيسمح للحكومة بسد النفقات العامة واستثمار الفائض.
نمو غير حقيقي
ورغم التفاؤل الذي يبديه البعض بشأن النمو الاقتصادي الذي حققه العراق، فإن آخرين يرون أنه غير مستقر، وهو ما يؤكده نبيل المرسومي بقوله إن "هناك 3 أنواع للنمو الاقتصادي، أولها النمو التلقائي الذي يحصل ذاتيا كما في الدول الصناعية، والثاني النمو التخطيطي الذي تخطط له الدولة وتسعى إلى تحقيقه كما في الاقتصادات الاشتراكية".
أما النوع الثالث، يضيف المرسومي، فهو "النمو العابر الناتج عن التطور الكمي في الناتج المحلي الإجمالي، وهو الذي يرتبط بمتغير خارجي أو متعلق بالطبيعة أو المناخ، مثل أسعار النفط كما في الدول النفطية ومنها العراق".
ويوضح في هذا السياق أنه "عندما يرتفع سعر النفط يرتفع معه معدل النمو الاقتصادي، حيث هناك علاقة طردية بينهما".
ويؤكد المرسومي أن نمو الاقتصاد العراقي بأكثر من 9% ليس حقيقيا، ولا يعبر عن نمط معين من التنمية الاقتصادية، ولا يعد انعكاسا لتطور القطاعات غير النفطية، إذ يعتمد على قيمة النفط ومساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي، لا يعتد بهذا النوع من النمو، بحسب تعبيره.
ماذا عن المواطنين؟
رغم أن العراق سجل فعليا نموا كبيرا غير مسبوق هذا العام، فإنه لم ينعكس على الواقع المعيشي للعراقيين، وفق صفوان قصي الذي أوضح أن نسب الفقر لا تزال مرتفعة بأكثر من 20%، ونسب البطالة بأكثر من 30%، وهو ما يعزى إلى سوء توزيع الدخل بين القطاعات الاقتصادية، وضعف معدلات النمو المتوازن في القطاع الخاص وتنويعه وحمايته.
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش "لم ينعكس النمو إيجابا على الواقع الاقتصادي، والدليل ارتفاع نسبة الفقر إلى ما يقارب 25%، وارتفاع عدد العاطلين عن العمل إلى مليونين و750 ألفا، بحسب الإحصاءات الرسمية.
ويضيف "هذا يعني أن الوضع المالي لم ينعكس على الوضع الاقتصادي، وربما يعود السبب إلى القوانين القديمة الخاصة بالتنمية التي انتهت صلاحيتها ولم تعدل".
المصدر: الجزيرة نت
اضف تعليق