لا تكاد نشرات الأخبار المحلية اليومية في العراق تخلو من عرض أنباء ومشاهد للحرائق التي تندلع في مختلف المدن، مع تسجيل خسائر في الأرواح والممتلكات، ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها فرق الدفاع المدني فإن خبراء يؤكدون أن هناك العديد من الأسباب التي أسهمت برفع معدلات الحرائق في العراق لأرقام قياسية.
آخر حوادث الحريق تلك نشب الأحد الماضي في مبنى تجاري بمنطقة الوزيرية ببغداد، إذ استمر الحريق أكثر من 30 ساعة رغم مشاركة 32 فرقة إطفاء في محاولة إخماد النيران، وتسبب الحادث بانهيار المبنى وإصابة 32 من قوات الدفاع المدني مع استمرار البحث عن 11 مفقودا من المدنيين كانوا في قبو المبنى لحظة اندلاع النيران، بحسب الدفاع المدني.
ولا يعد هذا الحادث الأبرز في مسلسل الحرائق التي تطال المدن، إذ شهد العام الماضي أكبر حريقين في البلاد عندما التهمت النيران أجزاء كبيرة من مستشفى ابن الخطيب التعليمي ببغداد ومستشفى الحسين التعليمي في الناصرية (جنوب)، وهو ما أدى في حينه لمئات القتلى والجرحى، فضلا عن الحرائق التي عادة ما تلتهم صيفا مساحات واسعة من مزارع القمح والشعير.
أرقام قياسية
يشهد العراق عاما بعد آخر زيادة في أعداد الحرائق داخل المدن والبلدات، ويقول مدير إعلام مديرية الدفاع المدني العامة بالعراق العميد جودت عبد الرحمن إن مديريته سجلت منذ بداية العام الجاري وحتى الآن أكثر من 25 ألف حريق في مختلف المحافظات العراقية باستثناء إقليم كردستان، وتنوعت تلك الحرائق ما بين الكبيرة والمتوسطة والخفيفة.
وعن إحصائية العام الماضي، أوضح عبد الرحمن أن عدد الحرائق الكلي للعام الماضي بلغ 31 ألفا و500 حريق، وكان التماس الكهربائي من بين أكثر الأسباب التي أدت إليها وبنسبة 47%، وأن قرابة 25 ألف حريق كانت في القطاع الخاص وأكثر من 6 آلاف في دوائر القطاع العام.
ويستمر مسلسل الأرقام القياسية للحرائق، إذ أكدت مديرية الدفاع المدني في بيان صحفي لها أن يوليو/تموز الماضي شهد 3077 حريقا، وهو أعلى معدل خلال السنوات الماضية، مما يعني أن العراق شهد أكثر من 100 حريق في اليوم الواحد، وهو ما يلقي بمسؤولية كبيرة على فرق الدفاع المدني العراقية.
أسباب عدة
ولفت عبد الرحمن إلى أن إهمال أصحاب المحال التجارية والمجمعات والمخازن في توفير وسائل السلامة وطفايات الحريق يتسبب باندلاع وتفاقم الحرائق، يضاف إلى ذلك استخدام مواد لا تصلح للبناء مثل ألواح الألمنيوم المحشوة (Sandwich panel) في البناء، إذ إن هذه الألواح محشوة بمواد تكون في سرعة اشتعالها كوقود البنزين.
وتسجل العاصمة بغداد العدد الأكبر من الحرائق، ثم تأتي البصرة (جنوب)، وكركوك (شمال) والنجف (جنوب) وبقية المدن، وكانت مديرية الدفاع المدني أصدرت في أغسطس/آب الماضي بيانا أوضحت فيه أسباب ارتفاع معدلات الحرائق سنويا، عازية ذلك إلى التوسع العمراني، واستشراء المخالفات في استخدام مواد البناء غير المسموح بها، والتجاوزات على صنف البناء، وتحويل بعض الأبنية السكنية إلى مخازن غير نظامية وسط الأحياء والمدن السكنية، مبينة أن تلك الحوادث أسفرت العام الحالي عن مصرع 18 شخصا، أغلبهم نتيجة استنشاق الغازات السامة المنبعثة من الحرائق.
من جهته، يرى الخبير في مجال إدارة الجودة بالعراق أحمد المياحي أن المشكلة الرئيسية تتمثل بإجراءات البنى التحتية والمعلومات والسجلات الخاصة بكل مشروع أو مبنى تجاري، والتي لا بد أن تكون متوفرة لدى الدوائر الحكومية لمعرفة تفاصيل البناء ووسائل السلامة وغيرها، لافتا إلى أن أغلبية الأبنية التجارية والمخازن لا تمتلك مخططات هندسية أو لم تسلم إلى الجهات الحكومية.
وتابع المياحي أن الزيادة الكبيرة في الحرائق تعزى إلى العشوائية التي باتت تمتاز بها المدن، معلقا "هناك مشكلة حقيقة في بغداد والمحافظات، العديد من الأبنية السكنية تحولت إلى مخازن تجارية وسط الأحياء السكنية، وهو ما يتسبب بمخاطر هائلة، لا توجد أي معايير في البناء، لا بد من مراعاة دراسة المخاطر والموقع الجغرافي للمباني وإمكانية الوصول السريع إليها، ولا سيما المخازن التجارية ومراكز التسوق الكبيرة".
عدم اعتماد التكنولوجيا
قد لا تقف أسباب اندلاع الحرائق وتسببها في العديد من الضحايا على أسباب بعينها، وهو ما أشار إليه معن يونس الخبير في أنظمة التحكم والسيطرة وإدارة المباني، إذ يؤكد على ضرورة أن تتوفر في كل مبنى علامات إرشادية ضوئية تشير إلى مخارج وسلالم الطوارئ.
وعن أهم أنظمة الإنذار المبكر المستخدمة في العالم للإنذار من الحرائق، أوضح يونس أكثرها شيوعا هي تلك التي تحتوي على مجسات للدخان والحرارة، وتكون على نوعين إما تقليدية أو الحديثة المعنونة (وهي التي لديها القدرة على الاتصال الآلي بمراكز الدفاع المدني)، إذ إن الثانية تحتوي على نقاط استدعاء يدوية وأجراس للإنذار، فضلا عن وحدة اتصال آلي للاتصال بالمسؤولين عن المكان والدفاع المدني، والقليل من الأبنية تستخدم هذه الأنظمة، مشيرا إلى أن البنية التحتية العراقية لا توفر إمكانية اتصال أجهزة الإنذار بالدفاع المدني مباشرة كما في بقية الدول.
وتابع أن هناك أنظمة إطفاء يمكن ربطها مع وحدات الإنذار المبكر، وعادة ما تستخدم في المواقع المهمة التي تضم أجهزة إلكترونية غالية الثمن أو مستندات مهمة، إذ إن المادة المستخدمة في إطفاء الحريق ضمن هذه الأنظمة تعتمد غاز ثاني أكسيد الكربون أو غاز هيبتا فلورا بروبان "إف إم 200" (FM200).
واختتم يونس بالإشارة إلى أن أغلبية المباني في العراق تفتقر إلى منظومات السلامة من الحرائق مثل تلك التي توضع حول لوحات الكهرباء المغذية للأبنية، فضلا عن خراطيم المياه الممتدة عبر المباني، لافتا إلى أن عدم فرض هذه الأنظمة من قبل الدولة وقلة جودة بعض معدات إطفاء الحرائق يعدان من الأسباب المهمة لاندلاع الحرائق وعدم السيطرة عليها مبكرا.
تعديل القانون
يعتمد الدفاع المدني في العراق على القانون الخاص به رقم 44 لسنة 2013 المشرع من البرلمان، وهو ما يشير إليه مدير إعلام مديرية الدفاع المدني العامة بالعراق جودت عبد الرحمن، مضيفا "تعمل فرق الدفاع المدني بعمليتي تفتيش في العام على المباني، حيث تسجل الملاحظات والمخالفات والتوصيات، ومن لا يلتزم يحال إلى جلسة الفصل وفق المادة 20 من قانون الدفاع المدني، ويدفع المخالف مبالغ مالية تتراوح بين 250 ألف دينار عراقي (170 دولارا) ومليون دينار (680 دولارا) وفق حجم المخالفة".
وبسبب عدم التزام المخالفين بالتوصيات التي توجه إليهم فإن المديرية تعمل منذ نحو عام على اقتراح تعديل للمادة 20 من قانون الدفاع المدني بحسب عبد الرحمن، مؤكدا أن مقترح التعديل يشمل رفع قيمة الغرامة إلى 15 مليون دينار (10 آلاف دولار)، فضلا عن إغلاق المشروع نهائيا حتى تتوفر فيه شروط السلامة الموصى بها.
ويبلغ عدد مراكز الدفاع المدني في العراق 225 مركزا تتوزع على مختلف المدن، فضلا عن عشرات الفرق التابعة للدفاع المدني المرابطة في المواقع المهمة وقرب المراكز التجارية والحساسة، ويعاني الدفاع المدني في العراق من إجهاد كبير بسبب كم الحرائق التي يتعامل معها في ظل استمرار الأسباب التي تؤدي إليها.
ويؤكد مراقبون أن المشكلة في العراق تكمن في عدم الإقرار بالأسباب الحقيقية لازدياد معدلات الحرائق، وأن بعضها يقع على المواطنين قبل غيرهم، إذ إن أغلبية البيوت العراقية لا تحتوي على أسطوانات لطفايات الحريق اليدوية، فضلا عن أن المجمعات التجارية التي تستخدم أنظمة الإنذار والإطفاء تعاني من مشكلات في تشغيلها بسبب قلة جودتها وأنها من منشأ غير موثوق، وتسمح الدولة باستيرادها دون خضوعها لمعايير جهاز التقييس والسيطرة النوعية.
المصدر : الجزيرة
اضف تعليق