كانت الجزائر من سبّاقة لإعلان موقفها الصريح من الأحداث الأخيرة بجارتها الجنوبية (النيجر) حيث أعربت عن قلقها ورفضها لما أسمته في بداية الحدث "محاولة الانقلاب" يوم 26 يوليو/تموز الماضي.
ويرجّع مراقبون تحرك الجزائر الدبلوماسي السريع لتطويق أزمة النيجر إلى عدة مخاوف ستكون لها تداعياتها الخطيرة على خاصرتها الجنوبية الممتدة بمنطقة الساحل الرخوة والمنفلتة بفعل حالة عدم استقرار ليبيا منذ 2011.
وتربط الجزائر والنيجر حدود مشتركة تمتد لنحو ألف كيلومتر، إلى جانب روابط إنسانية وتاريخية، ما يجعل الجزائر على رأس الدولة المعنية بأي تحول سياسي أو أمني في الدولة الغنية بالموارد الطبيعية وشديدة الفقر اقتصاديا.
إلى جانب تقاسمها أطول الحدود البرية مقارنة بدول غرب إفريقيا الأخرى، تقع النيجر ضمن العمق الاستراتيجي للجزائر، بالنظر إلى الروابط الإنسانية والتاريخية والاقتصادية والأمنية منذ القدم.
ويتقاسم البلدان رابطة القرابة والدم، التي يجسدها السكان من الطوارق الممتدين بينهما وبعض القبائل العربية التي ينحدر منها الرئيس بازوم.
ومنذ عقود طويلة، يرتبطان بتجارة مقايضة تطورت في السنوات الأخيرة إلى مشاريع مناطق حرة، دعا الرئيس تبون مؤخرا إلى سرعة إنجازها في إطار خطط الجزائر الاقتصادية الرامية إلى رفع الصادرات خارج الطاقة.
ومضى البلدان قدما في إنجاز مشاريع استراتيجية في إطار التكامل الإقليمي، منها الطريق العابر للصحراء الذي يربط الجزائر بـ5 دول من الساحل الإفريقي، كما اتفقا على أن تتكفل الجزائر بإنجاز شطر النيجر من أنبوب الغاز لاغوس (نيجريا- الجزائر) بطاقة 30 مليار متر مكعب سنويا.
وعبر فرعها الدولي للاستكشاف والإنتاج، تملك شركة سونطراك الجزائرية (حكومية) مساهمة بتطوير حقول نفطية شمال النيجر منذ 2015، ووقَّعت مع وزارة البترول النيجرية في فبراير/شباط 2022 عقدا لتقاسم الإنتاج برقعة "كفرا".
وعلى المستوى الأمني، تجمع البلدين اتفاقات منها اتفاق تسيير دوريات مشتركة لتأمين الحدود منذ 2021، والتواجد ضمن دول مجموعة الميدان التي تضم قادة أركان جيوش البلدين إلى جانب مالي وموريتانيا.
وتضع الجزائر هذه الدول ضمن حزام طوق الأمن القومي للبلاد، وعادة ما تكون أولى المحطات الخارجية لكل وزير خارجية يجري تعيينه.
وتعتبر الجزائر منطقة الساحل بؤرة أزمات أمنية هجينة، تضم الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير النظامية، لذلك ترفض كل العوامل المفاقمة التي تضع أعباءً إضافية على الجيش الجزائري في تأمين الحدود.
وحتى الآن، لم تظهر أي بوادر لتعارض ما يجري في النيجر مع مصالح الجزائر، على عكس فرنسا التي أجلت رعاياها، في وقت تحدثت وسائل إعلام محلية عن نوايا قادة الانقلاب تعليق تصدير اليورانيوم إلى فرنسا.
ومنتصف الأسبوع الماضي، أعلن قادة الانقلاب إعادة فتح المجال الجوي مع الجزائر ومالي وبوركينافاسو، بعد إغلاقه أثناء إعلان تعليق العمل بالدستور وتشكيل "المجلس الانتقالي لإنقاذ الوطن".
وعقب الإنذار الذي أصدرته المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) ضد المجلس العسكري، الذي قاد الانقلاب في النيجر، أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (السبت 5 أغسطس / آب) إن بلاده ترفض أي تدخل عسكري في النيجر.
البعد الاقتصادي، يدخل أيضا في اعتبارات الجزائر بشأن وضع الأزمة في النيجر، إذ يمكن أن يؤدي أي تدخل إقليمي إلى التأثير على إنشاء خط أنابيب للغاز الطبيعي عبر الصحراء بين نيجيريا والنيجر والجزائر ، يهدف إلى تعزيز صادرات الغاز إلى أوروبا عبر منطقة الساحل.
وسوف تؤدي الخط عند اكتماله إلى نقل ما يصل إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، فيما تصل تكلفته إلى 13 مليار دولار.
اضف تعليق