اهتمام وشغف علي حسن (47 عاما) بالتراث العراقي، كان دافعاً أساسياً لمشروع افتتاح مطعم بطراز تراثي بغدادي وسط العاصمة، والذي يشهد اليوم حركة إقبال جيدة نسبياً قياساً إلى كثرة المطاعم وتنوع ما تقدمه من وجبات.
يجلس حسن على كرسيّ مصنوع من العصي الخشبية ممسكا بمروحة يدوية من السعف، وهو يعاين رواد مطعمه الذين يستمعون إلى صوت ناظم الغزالي، إذ يقول "حاولت كسر الروتين وتغيير الأجواء وجذب الزبائن عبر الإطار التراثي الذي تم تصميم المطعم وفقه، واخترت الديكور والانتيكات وتجهيزات تقديم الطعام بناء على الأشكال المتعارفة القديمة للأواني وأقداح الشاي من دون اختيار أي قطعة توحي بطابع الحداثة”.
ويستلهم حسن، ديكور المطعم بخليط من التراث البغدادي وتراث الأهوار جنوبي العراق، إذ يذكر “تستهويني المطاعم التراثية، جنوب العراق، ذات الجدران الطينية والتي بني بعضها من القصب والبردي، واستعمال الأواني المصنوعة من الفافون والفخار”.
وانتشرت في بغداد مؤخرا مطاعم ذات طراز تراثي، بعضها يذكر بالمطاعم الشعبية القديمة، وأخرى تذكر بالمطاعم الراقية التي كان يرتادها “الباشوات” في حقبة الثلاثينيات والاربعينيات من القرن الماضي في العاصمة، لكن اللافت هو الإقبال الكبير لمرتادي هذه المطاعم التي يبقى بعضها مفتوحاً حتى ساعة متأخرة من الليل دون تناقص في أعداد مرتاديها.
وتستوحي هذه المطاعم أسماءها من التراث الشعبي البغدادي، وهي لا تعدو عن كونها مطاعم بسيطة في شكلها وتكوينها، وتقدم أكلات شعبية عراقية معتادة، كالطماطم المقلاة، والمخلمة، والبيض، والشوربة وسوى ذلك من الوجبات الشائعة، وثمة مطاعم تراثية أخرى تزاوج في تصميمها، بين التراث والمعاصرة، وتقدم وجبات شعبية تقليدية، إضافة إلى الوجبات الحديثة المتنوعة.
من جهتها، تؤكد الباحثة الاجتماعية مناهل صالح، أن “تمسك الناس بالماضي يشدهم لعوالم خفية، فالكثير يعتقد أن الجمال يكمن في الأصالة، وهذا هو سر نجاح هذه المطاعم والأبنية التراثية بشكل عام”.
وتضيف صالح أن “الأكلات البسيطة موجودة ويتناولها الناس في بيوتهم، لكن طعمها ووقعها يكونان مختلفين حين يصطحب الرجل أسرته إلى مطعم تراثي لتناول وجبة يجلس فيها على بساط مزركش ومحاطا بالأثاث والمعدات التراثية، لأنها لحظات ينسلخ بها الفرد عن الواقع”.
وتشير إلى أن “التصميم التراثي لبعض المطاعم، أتى لتلبية ميول الناس لكسر الروتين”، مؤكدة أن “المزاوجة بين التراث والمعاصرة في تصميم المطاعم يجلب النظر أيضاً فقد لجأ الكثيرون من أصحاب المطاعم إلى فكرة المزج”.
وتتفق، من جهتها، شيماء حميد (35 عاما)، إحدى زبائن المطاعم التراثية، مع صالح في أن “وجبات الطعام التي تقدمها هذه المطاعم تشبه الطعام الذي نعدّه في بيوتنا، لكن طعمها مختلفا في هذه المطاعم التي توفر أجواء دافئة من عبق الماضي”.
وتشير حميد، إلى أن “المطاعم البغدادية ذات الطراز التراثي تستهويني كثيرا، وتجعلني انتقل إلى زمن سمعت عنه كثيرا لكني لم أعشه، وأحرص في نهاية كل أسبوع على ارتياد مطعم يتسم بالطابع التراثي مع زميلاتي في العمل”.
وإضافة إلى المطاعم، تضم العاصمة مجمعات وأسواقاً ومطاعم وأفراناً تمتاز بطرازها الفلكلوري في محاولة لاستعادة “الزمن الجميل” كما سميه مرتادوها، وغالبا ما تكتظ هذه المجمعات بالزبائن حتى في أوقات متأخرة من الليل، للتسوق والاستمتاع بالأجواء، إذ أضحت هذه الأماكن وجهة للكثيرين، وهي مفتوحة للجميع ولا تقتصر على طبقة اجتماعية دون غيرها.
إلى ذلك، يفيد الأديب والباحث الفلكلوري علي شبيب، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “الماضي والتراث يشكلان مهمازا للنظر بمختلف المشاكل والقضايا الاجتماعية والسياسية بهدف معالجتها، فالتراث زمن يتجدد خلال الحاضر ويفتح آفاق المستقبل، إذا تمت قراءته قراءة موضوعية”.
ويعزو شبيب الإقبال على هذه المطاعم والأماكن، إلى أن “شعورا قد ينبثق في اللاوعي بعمق التاريخ العراقي وتراثه الخصب، يدفع كثيرين لارتياد المطاعم والمقاهي التراثية، وقد يكون لدى البعض مجرد مغايرة بهدف الهرب من الضغوطات اليومية”.
وتحتل العاصمة بغداد المرتبة الأولى في عدد المطاعم والمقاهي التراثية التي تعد ملتقى مهما للعديد من الشرائح الاجتماعية، وخاصة المثقفين والأكاديميين، وازدادت عدد المطاعم بشكل عام في العراق خلال السنوات الأخيرة، وبحسب المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي فإن نسبة وجود المطاعم تصل إلى أكثر من 65% من المنشآت في العراق .
ا.ب
اضف تعليق