يعود الحديث مجددا عن معوقات الاستثمار في العراق، لتتصدر “الأتاوات”، عمليات الابتزاز على أي مشروع استثماري قريب، في الوقت الذي تبذل فيه الحكومة العراقية الحالية، جهوداً كبيرة لتأمين بيئة استثمارية آمنة وجيدة في البلاد، ولا سيما أنها تولي ملف الخدمات وتطوير البنى التحتية أولوية قصوى ضمن خططها.
فبعد مرور نحو ثلاثة أعوام على تراجع عمليات الابتزاز التي تعرضت لها شركات أجنبية استثمارية في العراق، حذرت السفيرة الألمانية في بغداد، كريستيانا هومان، من فرض الإتاوات على المستثمرين في العراق، مؤكدة أن ذلك يُشكل تهديداً خطيراً على بيئة الاستثمار في البلاد، ممّا قد يُفضي إلى انسحاب الشركات العاملة في مختلف القطاعات.
وتعمل في العراق الآلاف من الشركات الاستثمارية في قطاعات مختلفة، وتسعى حكومة محمد شياع السوداني لجذب استثمارات جديدة، لذا اتجهت للتعاقد مع شركات رصينة، في مسعى منها لتنشيط القطاع الاقتصادي في البلاد الذي تراجع في الفترات الماضية.
إذ قالت السفيرة هومان في حوار متلفز تابعته “العالم الجديد”، أن “الإتاوات تُفرض على المستثمرين من قبل جهات لم تُفصح عنها”، مبيّنةً أن “هذه الممارسات تُعيق سير العمل وتُؤثّر سلباً على جدوى الاستثمار في العراق”.
ورفضت السفيرة الكشف عن هوية الجهات المُطالبة بالاتاوات، مُبررةً ذلك بـ”ضرورة احترام مسار التحقيقات الجارية”.
و أوضحت هومان، أن “الإتاوات تشمل عقوداً مختلفة، قديمة وجديدة، في قطاعات متعددة، ممّا يُضاعف من خطورة هذه الظاهرة”.
وشددت السفيرة الألمانية على ضرورة “التصدي لهذه الممارسات الفاسدة”، مؤكدةً أن “استمرارها سيُلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد العراقي ويُفقد البلاد فرصاً استثمارية هامة”.
وتشكل الإتاوات عائقاً رئيسياً أمام الاستثمار الأجنبي في العراق، ممّا قد يُؤدّي إلى عزوف الشركات عن الدخول إلى السوق العراقي أو انسحابها منه، حيث تُؤثّر هذه الظاهرة سلباً على ثقة المستثمرين وتُقلّل من جاذبية العراق كوجهة استثمارية.
ويشهد العراق زيادة ملحوظة في ظاهرة الابتزاز من قبل الجهات المتنفذة للمقاولين والشركات في مختلف القطاعات والبلدان، مما يثير الكثير من التساؤلات حول الأسباب والتداعيات المحتملة لهذه الظاهرة.
وكان العراق أقر عام 2006 قانون الاستثمار بالرقم 13، ويتمثل في تأسيس الهيئة الوطنية للاستثمار، وتتفرع منها هيئات في جميع المحافظات العراقية، وتعنى بجلب الاستثمارات المحلية والدولية من أجل تحسين واقع البلاد الخدمي والبنى التحتية وخلق فرص عمل.
وتراجعت في السنوات الأخيرة عمليات الابتزاز التي تعرضت لها شركات أجنبية استثمارية في العراق، عما كانت عليه قبل عام 2021، إذ اضطرت قبل ذلك الوقت شركات كثيرة إلى وقف أعمالها أو تسليمها لشركات ثانوية أخرى في مناطق عدة من البلاد، بسبب مشاكل مختلفة، أبرزها مضايقات جهات قبلية وعشائرية أو فصائل مسلحة للحصول على مكاسب مادية عبر إجبار الشركات على دفع إتاوات أو توظيف نسبة معينة لديها من أبناء المنطقة.
ويعوّل العراق كثيراً على الشركات الاستثمارية الألمانية، بخاصة في مجالي الكهرباء والصحة، وكان رئيس الوزراء العراقي، قد وقّع مطلع العام الماضي 2023 في أثناء زيارته لألمانيا عقداً مع شركة سيمنز الألمانية، لتطوير قطاع الكهرباء، وتعمل الشركة على وضع خطة متكاملة لمنظومة الكهرباء العراقية بشكل عام، تتضمن حلولاً للمشاكل.
وتتولى الشركة إنشاء محطات توليد جديدة، والاستفادة من الغاز المصاحب في دعم وزيادة إنتاج الطاقة الكهربائية، فضلاً عن تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة، وهي الطاقة الشمسية وحركة الرياح، وإنشاء محطات تحويل في عموم مناطق العراق، إلى جانب تطوير وتأهيل كوادر وزارة الكهرباء ونقل الخبرات.
ولم تكشف الجهات الحكومية العراقية، حتى الآن، عن تفاصيل عمليات الابتزاز تلك، كذلك فإن الجهات القضائية المعنية بقضايا الفساد، ومنها هيئة النزاهة، لم تكشف عمّا إذا كانت قد تلقت بلاغاً من السفارة الألمانية بشأن عمليات الابتزاز أو لا.
ويشهد العراق انتشارا كبيرا للسلاح المنفلت، سواء على مستوى الأفراد أو الفصائل المسلحة أو العشائر، ودائما ما يستخدم بالنزاعات الشخصية أو السياسية أو العشائرية.
ولا يوجد إحصاء رسمي بعدد قطع السلاح الموجود داخل المجتمع العراقي، لكن التقديرات تتحدّث عن أرقام متفاوتة بالعادة بين 13 إلى 15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، أبرزها بنادق الكلاشنكوف، و”بي كي سي”، و”آر بي كي” الروسية، إلى جانب مدافع الهاون وقذائف الـ “آر بي جي” التي باتت تُستخدم أخيراً بكثرة في النزاعات القبلية جنوب ووسط البلاد.
وسبق لوزارة الداخلية العراقية، أعلنت عن تشكيل لجنة تحقيق لمتابعة ظاهرة الإتاوات، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي إجراءات، وهو ما دفع بالتجار إلى توفير حمايات خاصة بهم أو دفع الأموال لأصحاب الأتاوات”.
ا.ب
اضف تعليق