على مدار عقود من الزمن، تعرضت المئات من المواقع الأثرية العراقية إلى عمليات نبش ونهب، لكن الأمر تزايد بعد 2003، حيث نشطت عصابات متخصصة بتهريب آلاف القطع إلى خارج البلاد، دون حلول جذرية للظاهرة، وفيما حذر نواب من وجود مافيات دولية، رأى خبراء في الأمن أن كثرة المواقع الأثرية في العراق تشجعها على البقاء فيه، داعين إلى وضع خطط جديدة لإحباط محاولاتها بشكل كامل.

وبهذا الصدد، يقول عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية ياسر اسكندر " ان هناك مافيات دولية كبيرة هي من تدير ملف سرقة ونهب الآثار ليس في العراق فحسب، بل في دول كثيرة، وهناك مئات الملايين من الدولارات تنفق لشراء القطع الأثرية ليجري بيعها في منصات السوق السوداء، وهذا الأمر ليس خفيا، فالعشرات من القطع تم تداولها علنا في السنوات الأخيرة”.

ويضيف اسكندر: “لا يوجد شبر في العراق يخلو من موقع أثري والدليل أن عدد المواقع في كل محافظة يتراوح من 2-3 آلاف موقع وبعض الأحيان أكثر، فوادي الرافدين هو معقل لسلسلة حضارات تمتد إلى سبعة آلاف سنة قبل الميلاد حيث نشأت امبراطوريات حكمت الدنيا لعقود طويلة من الزمن”.

وينوه إلى أن “وزارة الداخلية نجحت في الأشهر الأخيرة بتفكيك من أربع إلى خمس شبكات لسرقة وبيع وتهريب الآثار في مناطق عدة، وهي خطوة إيجابية ستعزز الحفاظ على المواقع الأثرية، كما يجب إعادة النظر في القوانين التي تعاقب من يهرب أو يسرق الآثار”.

يشار إلى أن نهب الآثار العراقية بدأ منذ أواخر القرن التاسع عشر من قبل البعثات التنقيبية البريطانية والألمانية والفرنسية، وفي العام 1884 تم تمرير قوانين في حول نقل وتدمير الآثار، وعند نهاية الحرب العالمية الأولى بدأت محاولات حماية للمواقع الأثرية، وما زالت القطع الأثرية التي استولت عليها البعثات التنقيبية منتشرة في المتاحف العالمية بأوروبا وأمريكا.

بدوره، يؤكد النائب مضر معن " ان 99 بالمئة من المواقع الأثرية في العراق غير منقبة وبعضها تمثل أسرارا وكنوزا، وهناك على سبيل المثال من 60- 70 تلا أثريا في مناطق زراعية تمتد بين بغداد وديالى، ضمن ما يعرف بحوض بزايز بهرز، وهي معقل مملكة إشنونا القديمة وغيرها العشرات وربما المئات من الأمثلة”.

ويشدد معن، على “ضرورة فتح أبواب التنقيب وخاصة مع وجود فرق عراقية تمتلك قدرات جيدة، بالإضافة إلى إعادة فتح متاحف المحافظات ورفدها بالقطع التي يتم العثور عليها وتحويل بعضها إلى شواخص سياحية”.

ويلفت إلى أن “وزارة الخارجية وبالتنسيق مع متاحف ومنظمات دولية استعادت بعد العام 2003 آلاف القطع المهربة والمسروقة من المتحف الوطني بعضها مهم للغاية لكن بالمقابل هناك الكثير الذي ما يزال قيد البحث عنه”.

وبحلول العام 2000، انتشر النهب في المواقع الأثرية إلى درجة أن العاملين فيها كانوا ينهبون اللقى الأثرية لبيعها في السوق السوداء، وبعد سقوط النظام السابق تُركت المواقع الأثرية مفتوحة بالكامل وأصبح النهب مشكلة أكبر.

من جهته، ينبه الخبير الأمني باسم الياسري إلى أن “بعض مافيات الآثار مستعدة لدفع ملايين الدولارات في القطع الأثرية النادرة، وهذا ما يفسر انخراط البعض في التجارة السوداء للآثار، كما أن كثرة المواقع الأثرية تستدعي خطة جديدة لتأمينها ومنع أي محاولات للمساس بها، لكن يبقى تركها دون أي تنقيب خطأ فادح”.

ويرى الياسري، أن “المغريات الآثارية كبيرة في العراق، لذا فإن المافيات المختصة بهذا المجال ستحافظ على تواجدها في البلاد لمواصلة أعمال التهريب”.

ويعد العراق من بين أغنى البلدان بالمواقع الأثرية إن لم يكن في مقدمتها على الإطلاق، حيث تعاقبت عليه العديد من الحضارات بدء من السومرية إلى الأكدية والبابلية والآشورية والميدية والإسلامية بمختلف حقبها، كما أن هناك آثار تعود عصر الإنسان القديم “نيادرتال” في شمال العراق.

إلى ذلك، يشرح الخبير الآثاري فؤاد علي، خلال حديث له ، بأن “مافيات الآثار موجودة في كل البلدان تقريبا وهي مرتبطة بتجارة سوداء يديرها رجال أعمال بعضهم مهووسون باقتناء الآثار”.

ويبين علي، أن “محافظة ديالى تضم أكثر من 830 موقعا أثريا أغلبها يعود لحقب تاريخية في الألف الثالث قبل الميلاد، أي أننا نتحدث عن آثار يزيد عمرها عن 5 آلاف سنة، وأغلب هذه المواقع مؤمنة من قبل وحدات شرطة الآثار وقطعات أمنية، وأخرى من قبل حراس هيئة الآثار”.

ويشير إلى “اعتقال العديد من سراق الآثار في ديالى بعضهم كان في طور تهريب بعض القطع الأثرية المهمة لكن رغم غزارة المواقع الأثرية ما يزال متحف ديالى مغلق الأبواب منذ العام 2003 وحتى يومنا هذا لأسباب غير معروفة”.

وتعد محافظة ديالى مقرا لمملكة إشنونا، وهو الاسم القديم لتل أسمر الأثري، وهي إحدى ممالك الدولة السومرية وكان مركزها في تل أسمر الواقع حاليا في محافظة ديالى شمال شرق بلاد سومر قرب مدينة بعقوبة، على بعد 35كم شمال شرقي بغداد، وتاريخها يعود إلى الفترة (2028 قبل الميلاد) وشيدت بين نهري دجلة وديالى، وتحيطها سفوح جبال زاغروس الشرقية.

بدوره، يقول (ع. س) أحد المتهمين بسرقة الآثار وتم الإفراج عنه بعد أن قضى مدة عقوبته في السجن، انه “بالقرب من القرية التي أسكنها هناك موقع أثري، وقد شجعني أحد أقاربي في بغداد على البحث عن الآثار فيه، وفعلا عثرت على قطعة عبارة عن ختم صغير وقمت ببيعه مقابل 400 ألف دينار، وهنا عرفت أنني أمام كنز لا ينضب، وبمرور الوقت بدأت أبحث قدر استطاعتي حتى سقطت في كمين قرب بغداد لأقضي سنوات من عمري في السجن”.

ويضيف أن “مغريات الآثار كبيرة وأنا دفعت الثمن بحرماني من حريتي حتى أن أغلب أطفالي حرموا من الدراسة بسبب عدم وجودي معهم وحالة الفقر التي تعيشها عائلتي، وقد خرجت من السجن لا أملك شيئا وحاليا أعمل في البناء مقابل 30 ألف دينار يوميا في حال توفر العمل”.

ا.ب

اضف تعليق