تكثف إيران جهودها لملاحقة الأكراد الإيرانيين في الخارج الذين تصفهم بـ "الإرهابيين"، حيث تطالب بغداد بتسليم زعماء وأعضاء الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة المتمركزة في إقليم كردستان العراق، اذ تتخذ هذه الجماعات من المنطقة شبه المستقلة ملاذاً لها منذ سنوات، ويشكل هذا التصعيد خطوة ضمن حملة إيران لتأمين حدودها وملاحقة ما تعتبره تهديدات أمنية.
وفي تصريح نقلته راديو أوروبا الحرة، أعلن كاظم غريب آبادي، أحد المسؤولين القضائيين الإيرانيين، عن تسليم قائمة تضم نحو 120 من "الإرهابيين" الأكراد الإيرانيين الذين وصفهم بأنهم "يعرّفون عن أنفسهم كأكراد نبلاء"، وأكد أن هذه الأسماء تم تسليمها إلى السلطات العراقية في انتظار تسليمهم إلى طهران، مشيراً إلى أن الاستعدادات جارية لمحاكمة "زعماء وأعضاء" ما أسماها بـ"مجموعة إرهابية".
ورغم أن غريب آبادي لم يكشف عن الأسماء المحددة في القائمة، إلا أن وسائل الإعلام الكردية والعراقية أفادت بأن القائمة تشمل أسماء قادة وأعضاء في الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة لطهران، وكانت هذه الجماعات تاريخياً تطالب بالحكم الذاتي داخل إيران، بينما يسعى البعض الآخر للانفصال عن الجمهورية الإسلامية، إذ يشكل الأكراد نحو 10% من سكان إيران، ويعيش معظمهم في المناطق الغربية من البلاد على طول الحدود مع العراق.
وتأتي هذه الخطوة ضمن إطار أوسع لمكافحة الإرهاب، وفقاً لغريب آبادي، الذي أكد أن طلبات تسليم مماثلة سيتم إرسالها إلى دول أجنبية ذات صلة، غير أن هذه التحركات تأتي في أعقاب ردود فعل عنيفة على العمليات العسكرية الإيرانية في كردستان العراق، والتي شملت ضربات جوية استهدفت جماعات المعارضة الكردية الإيرانية وأهدافاً إسرائيلية مزعومة.
وترى أحزاب المعارضة الكردية في هذه التحركات الإيرانية محاولة لتقويض حركة الاستقلال الكردية، وتعتبر هذه الأحزاب أن الضغوط الإيرانية على بغداد تأتي في سياق اتفاقية أمنية تم توقيعها بين طهران وبغداد العام الماضي، ويشمل الاتفاق تأمين الحدود الطويلة بين كردستان العراق وإيران، ونزع سلاح الجماعات المعارضة الإيرانية المتمركزة في المنطقة.
العمليات العسكرية عبر الحدود
وسبق أن شنت إيران عمليات عسكرية متعددة في إقليم كردستان، بما في ذلك ضربات صاروخية على مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في قضاء كويسنجق عام 2018، مما أسفر عن مقتل 15 شخصاً من أعضاء الحزب وقوات البيشمركة، وفي 2022، استهدف الحرس الثوري الإيراني مجدداً الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني وجماعة كوملة بضربات صاروخية وطائرات مسيرة في أربيل والسليمانية.
وتسبب هذه العمليات في تصاعد التوتر بين بغداد وطهران، خاصة بعد تنفيذ إيران ضربات صاروخية في يناير 2023 استهدفت ما قالت إنها "أهداف إسرائيلية" في أربيل، مما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص، ورغم ذلك، سعى قادة كردستان العراق إلى تهدئة الأوضاع، حيث قام رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني بزيارة إيران في مايو 2023، والتقى مع كبار المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وخلال هذه الزيارة، تعهد بارزاني بكتابة بضمان نزع سلاح الجماعات "الإرهابية" وإزالتها من إقليم كردستان.
الأكراد والمخاوف من الاستقلال
وأثار الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق عام 2017 قلقاً واسعاً بين الدول المجاورة لإقليم كردستان، بما في ذلك إيران وتركيا وسوريا، إذ يشمل سكانها الأكراد أيضاً، ورغم أن نسبة المشاركة في الاستفتاء بلغت أكثر من 92% لصالح الاستقلال، إلا أن النتيجة لم تؤدِ إلى إعلان الاستقلال بشكل فوري. على إثر ذلك، سيطر الجيش العراقي على أربيل وكركوك الغنية بالنفط من قوات البيشمركة، مما دفع حكومة كردستان إلى التخلي عن الاستفتاء والدخول في مفاوضات مع بغداد.
وفي ضوء تلك الأحداث، زادت الضغوط الإيرانية والتركية على إقليم كردستان، وبحسب سامي ريكاني، ناشط سياسي مستقل في إقليم كردستان، فإن إيران وتركيا توصلتا إلى اتفاق غير معلن لمواجهة الجماعات الكردية في المنطقة بعد استفتاء 2017، كما تزامنت هذه الضغوط مع اتفاقية أمنية وقعها العراق مع تركيا في 2016 لمواجهة الجماعات الكردية المعارضة.
خيارات بغداد
بالنظر إلى الاتفاقية الأمنية بين العراق وإيران، يبرز التساؤل حول ما إذا كانت بغداد ستستجيب للطلب الإيراني بتسليم قادة وأعضاء الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة، حتى الآن، لم تصدر الحكومة العراقية ولا حكومة إقليم كردستان تعليقاً رسمياً حول هذه الطلبات.
م.ال
اضف تعليق