يعاني العراق من أزمة مياه حادة بلغت مستويات قياسية خلال هذا العام حيث بدأت مؤشرات تراجع منسوب المياه في الأهوار ما تسبب في مخاوف من مشاكل تنذر بأزمة بيئية.

ويرجع خبراء هذه الأزمة إلى التبخر وانخفاض التدفق نحو نهري دجلة والفرات خاصة من حوض الفرات وما تعرف بالنواظم الذيلية لمياه "قرمة بني سعيد" المؤثرة بشكل مباشر على كل من الأهوار الوسطى وهور الحمّار الغربي.

وتعد الأهوار علامة مسجلة في بلاد الرافدين، وتمثل إرثا حضاريا يعود لآلاف السنين بكل ما يحمله من تنوع طبيعي وإحيائي وهوية بصرية، ومرفقا طبيعيا للسائحين شكل على مرور القرون.

كما تمثل الأهوار أيضا موردا اقتصاديا لعشرات الآلاف من العراقيين الساكنين حول تلك المناطق، بما يحمله من مختلف الأسماك والمنتجات البحرية، إضافة لكونه مستقرا لحيوان الجاموس الذي ينتشر بمحافظات ميسان وذي قار والبصرة.

ويعاني هور الحويزة بمحافظة ميسان جنوبي العراق على وجه الخصوص، من كارثة بيئية تسببت بنفوق الملايين من أسماكه بنسبة تصل إلى 95%، خلال الأسبوع الماضي جراء انخفاض مناسيب المياه، ما أطلق تحذيرا بيئيا شديد اللهجة للجهات المعنية والمسؤولة عن الموارد المائية والتلوث البيئي في العراق.

وقالت وزارة الموارد المائية العراقية إنها قررت زيادة التدفق المائي في هور الحويزة كإجراء تنفيذي سريع بعد نفوق عدد من الأسماك في الهور، وأرسلت فريقًا مكلفًا من قبل رئاسة الحكومة لزيارة هور الحويزة لمتابعة حالة نفوق الأسماك.

وأكدت الوزارة أن الجولة الميدانية كشفت أن "سبب نفوق الأسماك هو قلة نسبة الأكسجين بسبب ارتفاع درجات الحرارة وازدحام الأسماك في مناطق مائية ضحلة، مع قلة الإطلاقات المائية، بسبب شح الإيرادات من دول المنبع والتجاوز على الحصص المائية للأهوار".

تهديد بالتظاهر

وفي السياق، أكد الخبير البيئي والمتخصص بمنطقة الأهوار أحمد صالح نعمة أن كمية إطلاقات المياه من قبل مديرية الموارد المائية الذي وعدت به الوزارة، بعد تهديد الأهالي بالتظاهر، لم تصل فعليا إلى الأهوار، بسبب استهلاك الكمية الأكبر من قبل المناطق التي تسبق الأهوار وتزرع محصول الشلب (الأرز) الذي يستهلك كميات كبيرة من المياه.

وأوضح الخبير أن تأثيرات جفاف الفترة بين 2021 و2024 ما زالت قائمة ولم تُشفَ الأهوار منها بعد، مؤكدًا أن إطلاقات المياه في هور الحويزة انخفضت من 30 مترا مكعبا في الثانية إلى 3 أمتار مكعبة في الثانية مؤخرًا.

ودعا نعمة وزارة الموارد المائية للعمل على تخصيص حصص مائية مناسبة لتعويض النقص الحاصل في الأهوار الوسطى وهور الحمّار الغربي بما فيها أهوار أم الودع والجبايش، ومعالجة المياه من التلوث بموجب دراسة الأثر البيئي المقدمة إلى هيئة المستشارين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء من قبل منظمة "طبيعة العراق" عام 2009 بناءً على تكليفها.

وشدد على أهمية استجابة حكومة بغداد لمتطلبات تسجيل الأهوار على لائحة التراث العالمي، وخطة إدارتها من جهة وتوفير حصة مياه محددة لها بموجب إستراتيجية الأراضي والمياه في العراق والمسماة "سورلي" وسيناريوهات إدارة الجفاف الواردة فيها.

وتعد أهوار العراق من كبرى البحيرات والمسطحات المائية في منطقة الشرق الأوسط، وتقدر مساحتها مجتمعة بـ20 ألف كيلومتر مربع، وهي عبارة عن منخفضات من الأرض تتجمع فيها مياه الأنهار، ثم تتحول إلى بحيرات واسعة ذات أعماق مختلفة.

ويضم جنوب العراق 3 أهوار رئيسية: هور الحويزة على الحدود الإيرانية، وهور الحمّار وسط المنطقة، وأهوار الفرات التي تمتد شمال وغرب البصرة وجنوب منطقة العمارة القريبة من مصب دجلة والفرات.

إمكانيات غير كافية

على صعيد متصل، قال النائب البرلماني ثائر مخيف رئيس لجنة المياه البرلمانية إن وزارة الموارد المائية أسهمت جزئيا بحل مشكلة الأهوار، لكن إمكاناتها المتاحة لا تكفي لإنهاء الأزمة من جذورها بسبب أن قضية إدارة إطلاقات المياه هي ملف يتعدى جهود الدولة العراقية، كما أن العراق يعاني من قلة السدود والخزانات التي يمكن أن توفر خزينا مائيا من هطول الأمطار يمكن أن يتغلب على مواسم شح المياه.

وأضاف مخيف في تصريح أن المفاوضات العراقية مع الجارتين تركيا وإيران، بشأن مياه نهري دجلة والفرات لم تسفر عن نتائج إيجابية حتى الآن، وهو ما يلقي بظلاله السلبية على الملف المائي بصورة عامة.

ويواجه العراق نذر أزمة مائية مجددا، بعد أن عانى الأمرّين من انخفاض حاد وصلت تهديداته مياه الشرب في السنوات الماضية، ناهيك عن شح مياه السقي للمزروعات لكل مناطق العراق الوسطى والجنوبية.

وفي منتصف مارس/آذار 2023، أعلنت وزارة الزراعة العراقية خروج نحو نصف الأراضي الزراعية في عموم مدن البلاد من الإنتاج، نتيجة الجفاف الذي ضرب البلاد بين سنوات 2020 و2023 بسبب تراجع مناسيب نهري دجلة والفرات وشحّ الأمطار، وهو ما عطّل استغلال 27 مليون دونم زراعي.


ووفقا لتوقعات "مؤشر الإجهاد المائي" لعام 2019 فإن العراق سيكون أرضا بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن تصل مياه النهرين إلى المصب النهائي في الخليج العربي، ويبلغ إجمالي معدل الاستهلاك لكافة الاحتياجات -كحد أدنى- في العراق نحو 53 مليار متر مكعب سنويا، بينما يحتاج العراق إلى 70 مليار متر مكعب لتلبية احتياجاته.

ورغم الأمطار الغزيرة التي هطلت موسم الشتاء الماضي على العراق، فإن عملية الاستفادة منها تبقى غير مؤثرة، لأسباب عديدة ومنها قلة عدد السدود في العراق وضعف المشاريع الإستراتيجية لتوفير تلك الكميات وحصرها.

كما أن استخدام طرق السقي الحديثة ما زال محدودا في العراق، وهذا كان أحد أسباب الخلاف بين العراق وتركيا عند مناقشة زيادة الإطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات خلال زيارة الرئيس التركي إلى بغداد في أبريل/نيسان الماضي.

تدارك التقصير

وتقول الحكومة العراقية إنها اتخذت إجراءات مختلفة في سياستها المائية لتدارك التقصير الذي تراكم عبر سنوات خلت، ومن ضمنها إعداد خطة لبناء سدود جديدة وصيانة السدود القائمة ونشر ثقافة الري بالتنقيط والمرشات الحديثة وتوزيعها على المزارعين وإنشاء حقول عالمية بالطرق المعتمدة دوليا.

ومنها أيضا تجفيف نحو 300 بحيرة اصطناعية غير مرخصة لتربية الأسماك، لمواجهة شح المياه، كما أنها تجري مفاوضات مع تركيا وإيران تتركز حول نسبة مياه نهري دجلة والفرات والفروع المتداخلة على جانبي الحدود شمال العراق.

وقد تعرض العراق لمتغيرات بيئية صعبة خلال السنوات العشر الأخيرة، وكان رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، قد أكد في مارس/آذار الماضي، أن 7 ملايين عراقي تضرروا بسبب التغير المناخي، فقد تسببت ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي بموجات من الجفاف والعواصف الرملية وموجات الرياح الغبارية.

ووضع العراق بالمرتبة الخامسة من بين الدول الأكثر تضررا بتأثرات التغيّرات المناخية على مستوى العالم، وهو ما دفع الحكومة إلى إطلاق إستراتيجية مناخية تلتفت إلى إدارة ‏المياه وإنشاء سور‎ ‎العراق‎ ‎الأخضر واعتبار ملف المناخ من الملفات السيادية.

ووفقا لآخر مسح عالمي أطلقته شركة "آي كيو آر" السويسرية المختصة بتصنيع أجهزة تنقية الهواء عام 2023، فقد حل العراق بالمرتبة الثانية كأكثر دول العالم تلوثا حيث تدهورت جودة الهواء إلى 80.1 ميكروغراما من جزيئات PM2.5 لكل متر مكعب من 49.7 ميكروغراما في 2021.

ويلقي العراق التبعة على سياسات دول المنبع التي شيدت سدودا ضخمة وحولت روافد كثيرة مُغذية للنهرين، وفق مسؤولين في بغداد، كما يعزى هذا التدهور أيضا، إلى تغيرات المناخ ونقص الهطول المطري في المنطقة، وزيادة الاستخدام غير المستدام للمياه، بحسب مكاتب الأمم المتحدة العاملة في العراق.


اضف تعليق