يشهد العراق خلال عام 2025 ارتفاعاً حاداً في مستوى الدين العام الداخلي، ما أثار نقاشات واسعة بين الخبراء والمراقبين حول استدامة الوضع المالي وقدرة الدولة على السيطرة على مؤشرات العجز والتضخم، في ظل استمرار الاعتماد شبه الكامل على الإيرادات النفطية.
ووفقاً لبيانات البنك المركزي العراقي، بلغ الدين الداخلي في نهاية يونيو/حزيران الماضي نحو 87.7 تريليون دينار (ما يعادل 66.4 مليار دولار)، بزيادة قدرها 5.4% مقارنة بعام 2024، حيث كان قد سجل 62.9 مليار دولار.
ويرى اقتصاديون أن هذا الارتفاع يعكس اعتماد الحكومة المتزايد على الاقتراض المحلي لتمويل التزاماتها الداخلية وسد عجز الموازنة، خاصة بعد تراجع أسعار النفط وتقلب عائداته.
الخبير الاقتصادي عمار غسان أوضح، أن قرار خفض سعر صرف الدينار من 1450 إلى 1310 للدولار الأميركي أحدث "تغيرات هيكلية عميقة" في المالية العامة، أبرزها تضخم النفقات الحكومية وتفاقم العجز. وأضاف في تصريحاته، أن القرار أدى إلى زيادة النفقات الجارية من 104 تريليونات دينار إلى نحو 125 تريليون دينار، فيما ارتفعت فاتورة الرواتب وحدها من 43 إلى 60 تريليون دينار خلال عامين.
وبيّن غسان، أن اعتماد الحكومة على سيولة المصارف العامة والخاصة لتمويل التزاماتها أسفر عن استنزاف موارد هذه المؤسسات وتراجع قدرتها على دعم النشاط الاقتصادي، محذراً من انعكاسات متعددة أبرزها ضعف أدوات السياسة النقدية، وتفاقم العجز المالي، وتباطؤ النمو، وزيادة أعباء خدمة الدين.
من جانبه، حاول المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح تبديد المخاوف، مؤكداً "متانة الوضع المالي للعراق وقدرته على إدارة ملفي الديون الخارجية والداخلية".
وقال، إن إجمالي الديون الخارجية لا يتجاوز 20 مليار دولار، نصفها مستحق حتى عام 2028، مشدداً على التزام الحكومة الكامل بتسديدها في مواعيدها.
وأوضح صالح، أن الدين الداخلي يتركز في الجهاز المصرفي الحكومي وتديره المحفظة الاستثمارية للبنك المركزي بكفاءة عالية، مشيراً إلى وجود آليات مبتكرة لتسديد الدين من خلال تحويله إلى حقوق استثمارية في مشاريع إنتاجية ضمن صندوق وطني متكامل، مضيفاً أن “بلادنا تمتلك ثروات اقتصادية تفوق حجم هذه الديون بكثير”.
أما المستشار الاقتصادي علاء الفهد، فاعتبر أن الحكومة تسعى إلى تنويع مصادر الدخل الوطني وتقليل الاعتماد على القروض الخارجية، من خلال تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي وتهيئة بيئة اقتصادية جاذبة. وأكد أن تنشيط القطاع الاستثماري يمثل "الطريق الأمثل" لتقليل الاعتماد على النفط وتعزيز النمو غير النفطي.
وفي الاتجاه ذاته، شدد الخبير الاقتصادي حسن الشيخ زيني على أن الدين الداخلي "أقل خطراً" من الدين الخارجي الذي يمس سمعة العراق الائتمانية، مشيراً إلى أن لجوء الدولة إلى الاقتراض المحلي جاء نتيجة مباشرة لانخفاض أسعار النفط.
واقترح الشيخ زيني جملة من الحلول لمواجهة تضخم الدين العام، أبرزها خفض النفقات التشغيلية، وتطبيق سلم رواتب عادل، وتنويع مصادر التمويل من خلال مشاريع إنتاجية، ومكافحة الفساد المالي عبر الحوكمة الإلكترونية لضمان وصول الإيرادات إلى خزينة الدولة.
وبينما تؤكد الحكومة قدرتها على السيطرة على الدين وإدارته بفاعلية، يرى محللون أن استمرار التضخم في حجم الاقتراض الداخلي دون إصلاح جذري في هيكل الموازنة العامة قد يفاقم الضغوط الاقتصادية ويحد من قدرة البلاد على تحقيق نمو مستدام خلال السنوات المقبلة.
م.ال
اضف تعليق