انطلقت اليوم الخميس في مدينة بيليم البرازيلية، الواقعة في قلب غابات الأمازون، أعمال مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "كوب 30"، وسط حضور عشرات الزعماء والمسؤولين الدوليين، وغياب لافت لقادة أبرز الدول المسببة للانبعاثات، في وقت تتزايد فيه التحذيرات من تسارع وتيرة التغير المناخي وتهديده لمستقبل الكوكب.

ويُعقد المؤتمر، الذي يستمر حتى 21 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، بعد مرور ثلاثة عقود على بدء المفاوضات المناخية العالمية، في لحظة وصفها مراقبون بأنها "اختبار حاسم لإرادة المجتمع الدولي"، مع تراجع الالتزامات البيئية وتباطؤ الخطوات الفعلية للحد من الانبعاثات.

ومن المقرر، أن يشارك في القمة قادة 53 دولة وأكثر من 40 زعيمًا محليًا، فيما يحضر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وعدد من الشخصيات الدولية البارزة، بينما يغيب قادة أربع من أكثر خمس دول تلويثاً للبيئة في العالم، وهي: الصين، الولايات المتحدة، الهند، وروسيا، في حين تمثل رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الاتحاد الأوروبي.

ويرى محللون أن غياب القوى الكبرى قد يفتح الباب أمام "محادثة متعددة الأطراف أكثر حرية"، وفق ما قاله وزير العدل البرازيلي الأسبق بيدرو أبراموفاي، الذي اعتبر أن "التعددية الحقيقية يمكن أن تزدهر عندما لا تهيمن الدول الكبرى على طاولة المفاوضات".

وفي مستهل القمة، عقد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا سلسلة اجتماعات ثنائية مع قادة من أوروبا وآسيا، بينهم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لمناقشة آليات دعم مبادرة بلاده الهادفة إلى حشد 125 مليار دولار لحماية الغابات الاستوائية والحفاظ على النظم البيئية المهددة بالانهيار.

وقال دا سيلفا في كلمته الافتتاحية إن مؤتمر "كوب 30" سيكون "مؤتمر الحقيقة"، داعياً إلى تحويل التعهدات السابقة إلى أفعال ملموسة، مشيراً إلى أن الوقت لم يعد يسمح بإطلاق وعود جديدة دون تنفيذها.

وأضاف، أن البرازيل تسعى لتأسيس آلية تمويل دولية طويلة الأمد تحت اسم "مرفق الغابات الاستوائية إلى الأبد"، لدعم الدول التي تضم أكبر الغابات في العالم وضمان استدامة مواردها.

وتأتي القمة في ظل مؤشرات مقلقة، إذ أظهرت تقارير بيئية حديثة أن انبعاثات غاز الميثان، وهو من الغازات الأكثر تأثيراً في الاحتباس الحراري، ارتفعت بنسبة 30% عن مستويات عام 2020، رغم التعهدات التي أطلقت في قمة غلاسكو عام 2021 بالحد منها.

وفي سياق متصل، أعلن الملياردير الأميركي مايكل بلومبيرغ عن استثمار بقيمة 100 مليون دولار لتعزيز مراقبة انبعاثات الميثان عبر شبكة عالمية من الأقمار الصناعية، ودعم جهود تسع دول –منها أستراليا وإندونيسيا والمكسيك ونيجيريا– للحد من تسرباته الصناعية.

وبينما تأمل البرازيل أن تشكل القمة منعطفاً في مسار التعاون الدولي، لم تُبدِ العديد من الدول الصناعية الكبرى حتى الآن التزاماً مالياً واضحاً تجاه صندوق الغابات المقترح، فيما أكدت بريطانيا، التي شاركت في صياغة آلية عمل الصندوق، أنها لن تقدم تمويلاً نقدياً في المرحلة الحالية.

ويُجمع المراقبون على أن نجاح قمة بيليم سيعتمد على قدرة الدول المشاركة على تجاوز الخلافات السياسية وتغليب المصلحة البيئية العالمية على الاعتبارات الاقتصادية الضيقة، خصوصاً أن العقد المقبل يُعد الفرصة الأخيرة لتجنب ارتفاع كارثي في درجات الحرارة، وفقاً لتحذيرات الأمم المتحدة.

ومع تصاعد المخاوف من انهيار المنظومات البيئية، يرى خبراء المناخ أن مؤتمر "كوب 30" يمثل "نداء الأرض الأخير"، مؤكدين أن قراراته ستحدد ملامح مستقبل البشرية، إما نحو كوكب أكثر استدامة أو نحو أزمة مناخية لا رجعة فيها.

م.ال


اضف تعليق