في مشهدٍ يعيد رسم ملامح صناعة الترفيه، اجتاح مسلسل صيني قصير بعنوان "المرآة الغريبة للجبال والبحار" المنصات الرقمية محققاً أكثر من 50 مليون مشاهدة، رغم أن جميع عناصره — من النص إلى الصورة والموسيقى — مُنتجة بالكامل باستخدام الذكاء الاصطناعي.
ويجمع المسلسل، الذي لا تتجاوز حلقاته ثلاثين ثانية، بين التنانين الأسطورية والأبطال ذوي الكاريزما والحبكات المؤثرة، في قالبٍ يشبه الإنتاجات التلفزيونية التقليدية، إلا أن الفرق الجوهري يكمن في أن الذكاء الاصطناعي هو المخرج والمؤلف والمصمم في آنٍ واحد.
ويقول مبتكر العمل تشين كون لوكالة الصحافة الفرنسية إن هذه الحلقات القصيرة، المخصصة لمستخدمي الهواتف الذكية، "قابلة للتنفيذ بسهولة عبر الذكاء الاصطناعي، لأن العيوب البصرية البسيطة لا تُلاحظ كما في الشاشات الكبيرة"، مضيفاً أن "الذكاء الاصطناعي لم يبلغ بعد مستوى الإنتاج السينمائي التقليدي، لكنه يفي باحتياجات المسلسلات القصيرة تماماً".
النجاح الواسع الذي حققته هذه التجربة دفع الجمهور الصيني للمطالبة بالمزيد، بعد أن حقق مسلسل آخر بعنوان "الثعلب الشيطاني ذو الذيول التسعة يقع في حبي" شهرة هائلة على مواقع التواصل، رغم حبكته الغريبة ومشاهده السريالية.
وتقول إحدى المتابعات: "إذا شاهدته دون تفكير كثير، ستتغاضى عن التناقضات البصرية وتستمتع بالتجربة".
ويستخدم كون مزيجاً من أدوات الذكاء الاصطناعي في عملية الإنتاج؛ إذ يعتمد على ChatGPT لكتابة السيناريو، وMidjourney لتوليد الصور، وKling AI لتحويلها إلى مشاهد متحركة، وSuno للموسيقى التصويرية، بينما يُتِمّ فريق بشري محدود عمليات المونتاج والدبلجة.
لكن هذا التوجه الجديد أثار جدلاً واسعاً حول مستقبل الوظائف الإبداعية وحقوق الملكية الفكرية، خاصة بعدما كانت مسألة استخدام الذكاء الاصطناعي سبباً رئيسياً في إضراب كتّاب وممثلي هوليوود عام 2023.
ويقول المصوّر الشاب لويس ليو، وهو أحد العاملين في المسلسلات القصيرة: "عندما ظهر الذكاء الاصطناعي، قال المحترفون إن هذه نهاية الصناعة، لأن الأعمال باتت واقعية ورخيصة في آنٍ واحد".
ومع ذلك، يرى كون أن التقنية تفتح الباب أمام وظائف جديدة، أبرزها كتابة الأوامر والتعليمات الخاصة بتوليد المحتوى.
ورغم التفاؤل بمستقبل هذا النوع من الإنتاج، تبقى المخاوف قائمة بشأن انتهاك حقوق الطباعة والنشر، إذ تعتمد النماذج الذكية على أعمال سابقة دون نظام تعويض عادل، كما يمكن للمحتوى الناتج نفسه أن يُستنسخ أو يُسرق بسهولة — وهو ما حدث فعلاً مع كون الذي رفع دعوى ضد شخص استخدم عناصر من مسلسله دون إذن.
ويختم كون حديثه قائلاً: "رغم أن التقنية تساعدنا، إلا أن الأفكار تنبع من خيالنا البشري — سواء في مظهر الشخصيات أو المخلوقات. هذه أعمال أصلية تماماً، حتى لو وُلدت من رحم الذكاء الاصطناعي".
م.ال



اضف تعليق