مع انقضاء المهلة التي حدّدها مجلس القيادة الرئاسي اليمني لمغادرة القوات الإماراتية الأراضي اليمنية، وإعلان أبو ظبي إنهاء وجودها العسكري، تتصاعد التساؤلات بشأن طبيعة هذا الانسحاب وحدوده الفعلية، ومدى انعكاسه على مسار الصراع القائم، إضافة إلى تأثيره المحتمل على نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظتي المهرة وحضرموت ذاتي الأهمية الاستراتيجية.

ويرصد هذا التقرير التطورات السياسية والعسكرية المتسارعة في اليمن، محاولاً استشراف تداعياتها على مستقبل وحدة البلاد من خلال الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المحورية.

عقب ساعات من مطالبة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي دولة الإمارات بسحب قواتها خلال 24 ساعة، وإلغاء اتفاقية الدفاع المشترك معها، في خطوة حظيت بدعم رسمي سعودي، أعلنت وزارة الدفاع الإماراتية إنهاء ما تبقى من وجود فرقها المتخصصة في مكافحة الإرهاب داخل اليمن.

وأكدت الوزارة أن قرار الانسحاب جاء بمحض إرادة أبو ظبي وبالتنسيق مع الشركاء، مشيرة إلى أنه نتاج تقييم شامل لمتطلبات المرحلة الراهنة، ويتماشى مع التزامات الإمارات ودورها المعلن في دعم أمن واستقرار المنطقة.

وأوضحت أن الإمارات أنهت وجودها العسكري القتالي في اليمن منذ عام 2019 بعد إنجاز المهام المتفق عليها رسمياً، لافتة إلى أن ما تبقى لاحقاً اقتصر على فرق محدودة ومتخصصة ضمن جهود مكافحة الإرهاب وبالتعاون مع شركاء دوليين.

وكانت مصادر يمنية قد نفت في مطلع عام 2021 صحة إعلان سابق لمسؤول إماراتي عن إنهاء التدخل العسكري في اليمن خلال أكتوبر/تشرين الأول 2020، معتبرة أن الوجود الإماراتي لم ينتهِ بشكل كامل آنذاك.

وتشير معلومات متداولة إلى أن الانسحاب الحالي يطال وحدات متخصصة محدودة العدد والمهام، ولا تمثل وجوداً عسكرياً قتالياً واسع النطاق، حيث كانت هذه القوات تنتشر في مواقع محددة، أبرزها محافظة شبوة الغنية بالنفط، وجزيرة ميون في البحر الأحمر، إضافة إلى أرخبيل سقطرى الواقع شمال غربي المحيط الهندي.

وحسب مصادر محلية في محافظة شبوة، فقد بدأت الإمارات اليوم بتفكيك الرادارات وأجهزة الاتصالات في معسكر بلحاف، وكذلك في معسكر مرة بالمحافظة، تمهيدا للانسحاب.

يرى محللون سياسيون وعسكريون أن الانسحاب الإماراتي ليس انسحابا كاملا من اليمن، بل يقتصر على إنهاء مهمة محددة، ويرجحون بقاء عناصر محدودة وغير معلنة، مثل المستشارين العسكريين وضباط الارتباط علاوة على الدعم الاستخباري، مع استمرار التنسيق غير المباشر في المرحلة المقبلة بين أبو ظبي والجهات الموالية لها في اليمن.

وتشير مصادر صحفية يمنية إلى أن الإمارات عززت وجودها منذ بدء التحالف في اليمن، من خلال قوات عسكرية مباشرة، ثم حولت هذا الوجود في مراحل لاحقة إلى نفوذ غير مباشر عبر قوى محلية حليفة، من بينها المجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات النخبة الحضرمية، وقوات دفاع شبوة على سبيل المثال.

لذلك فإن الخطوة الإماراتية -وفق محللين- لا تعدو أن تكون خفض حضور مباشر وليست انسحابا إستراتيجيا، فنفوذ أبو ظبي في اليمن باق من خلال حلفائها.

عقب إعلان الانسحاب الإماراتي من اليمن، تبادر إلى الأذهان سؤال جوهري حول مصير مشروع الانفصال في جنوب البلاد الذي يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي.

ويرى محللون أنه في حال انسحاب الانتقالي الجنوبي من محافظتي حضرموت والمهرة -بضغط سياسي أو عسكري أو كليهما- سيصعب عليه إعلان الانفصال أو ما يطلق عليها "دولة الجنوب العربي"؛ وذلك نظرا للمساحة الشاسعة للمحافظتين اللتين تشكلان نحو نصف مساحة البلاد. كما أن انسحابه من المحافظتين سيتيح لرئيس مجلس القيادة الرئاسي والمكونات الداعمة له معاقل إستراتيجية مهمة لاتخاذها منطلقا للحكم، في حين ستنحصر سيطرة الانتقالي الجنوبي في مناطق من بينها جزيرة سقطرى والعاصمة المؤقتة عدن، وفقا للمحللين.

وفي هذا الإطار، يرى السياسي اليمني وعضو مجلس الشورى صلاح باتيس أن خروج الإمارات من التحالف العربي بقرار من الشرعية اليمنية "سيؤدي لزوال نصف الخطر ونصف التوتر ونصف التهديد الذي حدث، بينما سيزول النصف الآخر من الخطر والتهديد، بخروج قوات الانتقالي واستجابتها لتجنيب المنطقة مزيدا من الصراعات".

كما يرى باتيس ضرورة دمج القوات التي كانت مدعومة إماراتيا في مؤسسات الدولة التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية، بحيث تصبح أي تشكيلات عسكرية حكرا على الدولة، وفقا لمشاورات الرياض وقرار نقل السلطة واتفاق الرياض.

بعد الإعلان السعودي عن الضربة الجوية التي شنها تحالف دعم الشرعية على ميناء المكلا، عاصمة حضرموت، والتي استهدفت أسلحة قادمة من الإمارات لدعم قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت، وصف القيادي في المجلس الانتقالي محمد الزبيدي الضربة بـ"الاعتداء السافر" والتدخل في شؤون حضرموت.

وأكد للجزيرة أن القوات الجنوبية لن تقف مكتوفة الأيدي وستدافع عن أمن المنشآت، رافضا دعوات الانسحاب من المواقع العسكرية أو خروج القوات الإماراتية التي وصفها بـ"الحليف الصادق".

وقال الزبيدي -في تصريحات للجزيرة- إن القوات الجنوبية والحضرمية "لن تقف مكتوفة الأيدي" أمام أي اعتداء، مؤكدا التزامها بالدفاع عن حضرموت وأمنها ومنشآتها. وأضاف أن المطالبات التي سبقت هذه التطورات، والتي دعت إلى انسحاب قوات محلية من مواقعها، "غير منطقية وغير مقبولة"، متسائلا: "كيف يطلب من جيش أن ينسحب من أرضه ويسلمها للغريب؟".

وتتالت مواقف الانتقالي الجنوبي الرافضة للانسحاب من محافظتي حضرموت والمهرة، اللتين استولى عليهما خلال التحركات العسكرية التي بدأها مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، وأعلن خلالها سيطرته على المحافظتين، رافضا الدعوات المحلية والإقليمية للانسحاب.

وبسط المجلس سيطرته على المحافظتين بعد أيام من التوتر مع "حلف قبائل حضرموت"، الذي يطالب بالحكم الذاتي ضمن إطار الدولة اليمنية الموحدة، في مقابل مساع من الانتقالي لترسيخ مشروعه القائم على إقامة دولة جنوبية مستقلة.

تشير التقارير إلى تحركات عسكرية متسارعة من قبل قوات موالية للمجلس الرئاسي للضغط على الانتقالي، وذلك تزامنا مع ضغوط سياسية متصاعدة منذ أمس الثلاثاء.

كما تتحدث تقارير إخبارية عن استنفار واسع وحشود عسكرية كبيرة دفعت بها قوات "درع الوطن" -الموالية للمجلس الرئاسي والمدعومة من السعودية- إلى حضرموت والمهرة، في محاولة لإنهاء سيطرة الانتقالي على المواقع والمعسكرات الحيوية في المنطقتين.

وفي ضوء هذه التطورات المتسارعة، يبقى السؤال الأبرز: هل تنجح الضغوط الحالية في إجبار الانتقالي الجنوبي على الانسحاب من حضرموت والمهرة، وبذلك يُجهض مشروع انفصال الجنوب.


وكالات

س ع


اضف تعليق