في الوقت الذي يسعى فيه العراق إلى استعادة مكانته كمحور اقتصادي وتجاري في المنطقة، يبرز مشروع طريق التنمية بوصفه أحد أكثر المشاريع الاستراتيجية طموحاً في تاريخه الحديث، إذ يهدف إلى ربط ميناء الفاو الكبير في أقصى الجنوب بالحدود التركية في الشمال عبر شبكة من السكك الحديدية والطرق السريعة (هايوي)، ما يضع البلاد على خريطة الممرات اللوجستية العالمية بين آسيا وأوروبا.

مدير المشروع في الشركة الاستشارية الإيطالية (BTB)، ويدو بونيني، أوضح، أن المشروع "يمثل رؤية اقتصادية عابرة للحدود، تجمع بين البنية التحتية الحديثة والتنمية الإقليمية"، مشيراً إلى أنه "سيوفر ما يصل إلى 150 ألف فرصة عمل، ويدعم الاقتصاد الوطني عبر إنشاء مدن صناعية وتجارية تمتد على طول مساره حتى عام 2050".

مشروع استراتيجي برؤية متكاملة

بدأت الشركة الإيطالية دراساتها الأولية للمشروع عام 2023 بالتعاون مع هيئة السكك الحديد العراقية، لتصميم ممر يربط الموانئ الجنوبية بالمحافظات العراقية مروراً بـالبصرة والناصرية والديوانية والنجف وكربلاء وبغداد وسامراء والموصل، وصولاً إلى الحدود التركية.

ويقول بونيني، إن المشروع "لا يقتصر على البعد الدولي فحسب، بل يتعامل مع كل محافظة كمحور اقتصادي مستقل يمكن أن يولد فرصاً استثمارية محلية".

سكة حديد بسرعة 300 كم/س وطريق دولي موازٍ

وفقاً للشركة، فإن المرحلة الأولى تتضمن إنشاء سكة حديد عالية السرعة لنقل المسافرين والبضائع، بسرعة تصل إلى 300 كيلومتر في الساعة، بحيث تُختصر المسافة بين البصرة وبغداد إلى ساعة ونصف فقط. كما سيُنشأ إلى جانبها طريق دولي (هايوي) يمتد من أم قصر إلى الحدود التركية، ما يجعل المشروع شرياناً مزدوجاً يربط الخليج بعمق الأناضول وأوروبا.

اهتمام إقليمي متزايد

وأشار بونيني إلى، أن "عدة دول أبدت اهتماماً بالمشاركة في المشروع"، مبيناً أن تركيا تُعد الشريك الطبيعي للممر البري، فيما عبّرت دول خليجية مثل قطر والإمارات وسلطنة عُمان عن رغبتها في أن تكون جزءاً من الاستثمار اللوجستي، مع توقع انضمام السعودية في المراحل المقبلة. هذا الاهتمام، كما يرى خبراء الاقتصاد، يعكس تحول العراق من مجرد معبر بري إلى مركز إقليمي للتجارة والنقل والطاقة.

نحو اقتصاد متنوع ومستدام

وبحسب المخطط العام، فإن المشروع لا يقتصر على النقل، بل يشمل على المدى البعيد إنشاء مصانع، ومناطق اقتصادية متخصصة، ومدناً صناعية جديدة على طول الطريق، بما ينسجم مع طبيعة كل محافظة. ففي البصرة ستنشأ معامل نفط وبتروكيماويات، وفي كربلاء والنجف مشاريع زراعية وتعليب غذائي، في حين ستركز محافظات الوسط والشمال على الصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية.

جاهزية عالية قبل الإطلاق الرسمي

وأكد بونيني أن "الشركة أنجزت ما بين 70 إلى 75% من التصاميم النهائية، على أن تُستكمل النسبة المتبقية خلال الأشهر المقبلة"، مشيراً إلى أن وزارة النقل تخطط لإطلاق منصة عالمية للعطاءات أمام الشركات الدولية فور تسلم التصاميم الكاملة بنهاية العام الجاري.

من منظور استراتيجي، لا يمثل "طريق التنمية" مجرد مشروع نقل، بل تحولاً في فلسفة الاقتصاد العراقي، من اقتصاد ريعي يعتمد على النفط إلى اقتصاد إنتاجي يعتمد على الموقع الجغرافي والبنية التحتية والتكامل الإقليمي. وإذا ما نُفذ وفق الخطط الموضوعة، فقد يشكل هذا المشروع نقطة الانطلاق الحقيقية لتحول العراق إلى محور اقتصادي يربط الشرق بالغرب، ويعيد رسم موازين التجارة في المنطقة.

م.ال

اضف تعليق