صدر عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية العدد الثاني والعشرين من سلسلة "أوراق" بعنوان "تحولات الدولة القومية والسلطة: دراسة في انعكاسات المجتمع الشبكي على الحكم وعلاقات السلطة"، من تأليف الدكتور عزمي خليفة.
تستند هذه الدراسة إلى فرضية رئيسية قوامها أن الدولة القومية التي ورثها العالم بعد الحرب العالمية الثانية حتى نهاية السبعينيات من القرن العشرين أضحت في حاجة ماسة إلى إعادة تعريف، وإعادة تحديد لدورها وعلاقتها بالمجتمع والمواطن ومختلف المؤسسات العاملة بها، بما في ذلك المجتمع المدني؛ بل وأسلوب ممارستها للسلطة؛ وذلك حتى ندرك جيدًا أسباب الفشل الذي يواجه الدول العربية ومغزى ما تواجهه من مشكلات.
ويقول المؤلف إنه وفقًا لهذه الفرضية فإن ما شهدته المنطقة العربية من ثورات الربيع العربي التي بدأت في ديسمبر 2010 في تونس ثم في مصر وسوريا واليمن وليبيا، كانت ناتجة عن نوعين من التحولات؛ التحول الأول يجسد الخصوصية العربية المتمثلة فيما يمكن أن نطلق عليه "التكلس السياسي" أو الجمود السياسي، وأهم مظاهره استمرار الرؤساء في مناصبهم لمدد طويلة، والتحول الثاني هو التحولات التي طرأت على الدولة القومية نفسها نتيجة الاستخدام الواسع لتكنولوجيا المعلومات، وظهور المجتمع الشبكي والدولة الشبكية التي أدت إلى تغيير مضامين المفاهيم الأساسية التي يقوم عليها علم السياسة؛ مثل الهوية والشرعية والمواطنة.
وتتناول الدراسة ماهية العلاقة بين التكنولوجيا والمجتمع مع التركيز على دور تكنولوجيا المعلومات بداية، ثم التعرف على التغيير الذي أدخلته هذه التكنولوجيا على الدولة القومية وسلوكها، وانعكاسات الثورة الرقمية على المجتمع ونمط العلاقة بين الدولة والمجتمع ومن ثم على مستقبل شكل الحكم في القرن الحادي والعشرين.
وتنقسم هذه الدراسة إلى خمسة أقسام؛ هي: جوهر الثورة العلمية وانعكاساتها على المجتمع، وظهور المجتمع الشبكي وانعكاساته على ممارسة السلطة، وعلاقات السلطة في المجتمع الشبكي، وجوهر السلطة في الدولة الشبكية، وأخيرًا نمط الحكم المترتب على هذه التغييرات.
يتناول القسم الأول جوهر الثورة العلمية وانعكاساتها على المجتمع وعلى تطور النظم السياسية عبر العصور المختلفة، وتشير الدراسة إلى أنه في عام 1990 أكد عالم الدراسات المستقبلية ألفين توفلر في مؤلفه "تحول السلطة" أن جميع هياكل السلطة على مستوى العالم تتجه للتحلل والتفكك؛ نتيجة تغيير مقومات السلطة ذاتها، فبعد أن كانت تستند إلى العنف والثروة، صارت تستند إلى المعلومة التي أصبحت أهم مكون للسلطة.
وفي النصف الثاني من التسعينيات طور جوزيف ناي الفكرة بدراسته عن القوة الناعمة أولاً ثم القوة الذكية، إلا أن التطورات العلمية فيما بعد أثبتت أن الثورة المعلوماتية ما هي إلا جزء من ثورة أكبر هي الثورة الرقمية، التي غيرت بمنجزاتها العلاقات الاجتماعية والمفاهيم السائدة، وفرضت حقائق سياسية جديدة، وهو ما يتطلب إعادة دراسة تفاعلات علاقات السلطة في ظل ما طرأ عليها من تغييرات؛ نتيجة ظهور المجتمع الشبكي.
ويتناول القسم الثاني من الدراسة المجتمع الشبكي وتأثيره على ممارسة السلطة، ويقدم توضيحًا لتعريفات وخصائص النظرية الشبكية، لفهم علاقات السلطة في المجتمع الشبكي، أي العلاقة بين الدولة والمجتمع، وهو ما يتناوله القسم الثالث من الدراسة، الذي يشير إلى أن العلاقة بين السلطة والمجتمع علاقة تبادلية ذات تأثير وتأثر، أي أن السلطة تحدد المجتمع من خلال ما تفرضه من قيم ومؤسسات، والمجتمع يحدد السلطة في نفس الوقت من خلال مدى انصياعه لخطابها، ومن ثم يمكنه تغيير علاقات السلطة من خلال تحديها أو رفض خطابها إن لزم الأمر.
ويتناول القسم الرابع السلطة في الدولة الشبكية والعالم الشبكي، ويطرح العديد من التساؤلات حول مكمن السلطة في المجتمع الشبكي، ويميز بين أربعة أنماط من السلطات يقدم كل منه عمليات مختلفة لممارسة السلطة؛ وهي: سلطة التشبيك، سلطة الشبكة، والسلطة المتشابكة، وسلطة إقامة الشبكات.
أما القسم الأخير من الدراسة فيتناول الدولة الشبكية ونظام الحكم المفتوح، ويؤكد خلاله المؤلف على سقوط كافة النظم الثقافية ذات الأنساق المغلقة والتي تدعي معرفة الحقيقة مما أدى إلى سيادة الأنساق المفتوحة وقيم التشاركية، مما أدى إلى ظهور الحكومة المنفتحة؛ حيث يشارك المجتمع المدني فيها الحكومة في الحكم من خلال الرقابة على الميزانية العامة والقيام بمشروعات في مناطق قد لا تصل إليها الحكومة لأسباب مختلفة.
ويشير المؤلف إلى أننا دخلنا طورًا جديدًا من أطوار التطور الحضاري الشامل، وليس مجرد نمط من أنماط التقدم العلمي، وأن هذا التطور الحضاري ناتج عن ثورة علمية ثلاثية غير مسبوقة، وهو ما أدى إلى انعكاسه بالفعل على مجمل حياتنا مما جعل العالم- قبل هذه الثورة - مختلفًا تمامًا عما بعدها، وهو ما أدى بأغلبية الباحثين؛ إلى القول إن حضارة الثورة الرقمية لا علاقة لها بما قبلها من تطور حضاري عرفته البشرية، وأكد ذلك عجز مناهج التحليل السياسي والاجتماعي الخطية المعروفة عن تفسير عدد من الأحداث العالمية مع مطلع التسعينيات، وقد أدى ذلك إلى ضرورة الاعتماد على مناهج التحليل السياسي الحديثة والمعروفة بالمناهج اللاخطية.
جدير بالذكر أن الدكتور عزمي خليفة؛ مستشار أكاديمي بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، وعضو بالمجلس المصري للشئون الخارجية، تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة عام 1972، وحصل منها على درجتي الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية، وهو سفير متقاعد بوزارة الخارجية المصرية، وسبق له العمل في عدة بعثات دبلوماسية في الخارج، كما عمل مستشارًا أكاديميًّا بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء بجمهورية مصر العربية، كما قام بتدريس العلوم السياسية بعدد من الجامعات المصرية، فضلًا عن إشرافه على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه.
نشر المؤلف مجموعة من الأوراق البحثية في العديد من الدوريات المحكمة؛ مثل مجلة السياسة الدولية، إضافةً لعدد من المقالات في الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية المصرية. تهتم أعماله بمجال الدراسات المستقبلية والسياسات الانتقالية، وصناعة مراكز الفكر وبناء القدرات، والعلاقات الدولية. انتهى/خ.
اضف تعليق