شهدت الأسواق المالية العالمية مطلع الأسبوع الجاري واحدة من أسوأ موجات التراجع منذ جائحة كوفيد-19، وذلك عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات من عشرات الدول، في خطوة وصفها بأنها "دواء لا بد منه" لمعالجة ما أسماه بـ"السرقة الممتدة" من قبل الشركاء التجاريين للولايات المتحدة.
وتباينت نسب الرسوم الجديدة بين 10% كحد أدنى لتشمل كافة الدول، وصولاً إلى 50% على واردات مختارة من دول بعينها.
ودخلت التعريفات حيز التنفيذ اعتباراً من صباح الأربعاء، ما أثار اضطرابات حادة في الأسواق الآسيوية والأمريكية على حد سواء.
وقال ترامب في تصريحات أدلى بها من على متن طائرة الرئاسة "إير فورس وان": "لا أرغب في أن تتأثر الأسواق، ولكن أحياناً لا بد من تناول الدواء لعلاج شيء ما"، مشيراً إلى أن على الدول الأجنبية دفع "الكثير من المال" إذا أرادت تخفيف تلك التعريفات.
هبوط حاد في آسيا والأسواق الناشئة
وتراجعت مؤشرات البورصات الآسيوية بشكل واسع، حيث هبط مؤشر هونغ كونغ بأكثر من 9%، فيما فقدت السوق التايوانية نحو 10% من قيمتها، وانخفضت الأسهم اليابانية بنسبة 6.5%.
كما سجّلت بورصات كوريا الجنوبية، أستراليا، الصين والهند خسائر تراوحت بين 4% و7%.
في سنغافورة، تراجع مؤشر "ستريتس تايمز" بنسبة 7.3%، وهي أكبر خسارة يومية له منذ مارس/آذار 2020، فيما انخفضت العقود الآجلة للأسهم الأمريكية بنسبة تجاوزت 2.5%، مع تزايد التوقعات بدخول الاقتصاد العالمي في دوامة انكماش.
رد صيني وتحذيرات من الركود
وفي رد مباشر على الرسوم الجديدة، أعلنت الصين فرض رسوم جمركية مضادة بنسبة مماثلة على الواردات الأمريكية، إضافة إلى قيود على تصدير المعادن النادرة المستخدمة في الصناعات التقنية والطبية.
ووفق تقديرات بنك "غولدمان ساكس"، فإن الإجراءات الأمريكية قد تؤدي إلى تراجع نمو الناتج المحلي الصيني بنحو 0.7 نقطة مئوية، مع خفض تقديرات نمو أرباح الشركات من 9% إلى 7%.
كما أدرجت المؤسسة السوق التايوانية ضمن الفئات "الأقل جاذبية في آسيا"، محذّرة من هشاشتها الشديدة تجاه الصدمات التجارية بسبب اعتمادها الكبير على التصدير.
تأثير عالمي وتراجع في الأسواق الناشئة
وامتد تأثير القرار الأمريكي إلى أسواق أخرى، إذ سجّل المؤشر العام للبورصة النيوزيلندية تراجعاً بنسبة 4.4%، بينما فقد الدولار النيوزيلندي أكثر من 4% من قيمته.
وفي الهند، توقعت الأسواق تراجعاً إضافياً للروبية بفعل انخفاض المعنويات في آسيا.
وفي السعودية، تراجعت السوق المالية بنسبة 6.78%، في أكبر خسارة يومية منذ عام 2020.
الفيدرالي الأمريكي بين الضغوط والتضخم
تصاعدت التوقعات بشأن قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) بخفض أسعار الفائدة في وقت قريب، ربما في مايو/أيار، لمواجهة احتمالات الركود. إلا أن رئيس المجلس جيروم باول حذّر من أن الرسوم قد تدفع بالتضخم نحو الأعلى وتزيد معدلات البطالة، التي يُتوقع أن ترتفع من 4.2% إلى 5.3%، بحسب تقديرات بنك "جي بي مورغان".
كما خفّض البنك توقعاته لنمو الناتج المحلي الأمريكي من 1.3% إلى 1.0% خلال العام الجاري، مشيراً إلى أن آلاف الوظائف في قطاعات حيوية مثل التكنولوجيا والصناعة قد تكون مهددة.
ضغوط داخلية وانتقادات من كبار المستثمرين
رغم الدعم السياسي الذي يحظى به ترامب في الكونغرس، إلا أن قراره الأخير واجه انتقادات من أبرز المستثمرين.
فقد حذّر مدير صندوق التحوط بيل آكمان، من أن الإدارة "تفقد ثقة الأسواق"، واصفاً الوضع بـ"الجنون الاقتصادي" الذي قد يقود إلى "شتاء طويل".
من جهته، حاول بيتر نافارو، مستشار ترامب وأحد مهندسي السياسة الحمائية، طمأنة الأسواق قائلاً: "لا تخسر شيئاً إلا إذا بعت"، متوقعاً أن "الانفجار الكبير" في أسواق المال سيحدث لاحقاً لصالح المستثمرين الأمريكيين.
مفاوضات عاجلة واستثناء روسي لافت
وفق مصادر في البيت الأبيض، فقد تواصلت أكثر من 50 دولة لطلب فتح قنوات تفاوض مباشرة مع الإدارة الأمريكية. وبين هذه الدول إسرائيل، التي سعى رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إلى الحصول على إعفاء من رسوم 17%، وتايوان التي عرضت إلغاء الرسوم على المنتجات الأمريكية بالكامل مقابل تفاهم شامل.
وفيما أعلنت الهند رفضها الرد بإجراءات مماثلة مفضّلة الحوار، تعهدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بحماية الشركات الأوروبية المتضررة، بينما وصف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ما يحدث بأنه "نهاية العالم الذي نعرفه".
ومن بين المفارقات التي أثارت الانتباه، استثناء روسيا من قائمة الدول المشمولة بالتعريفات. وبرّر مسؤولون أمريكيون ذلك بضعف التبادل التجاري بين البلدين نتيجة العقوبات، غير أن مراقبين رجّحوا أن الخطوة تأتي في سياق تفاهمات محتملة بشأن الحرب في أوكرانيا.
م.ال
اضف تعليق