لم تعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين مجرّد تبادل للرسوم، بل تحوّلت إلى اختبار إستراتيجي لقدرة كل طرف على الصمود تحت الضغط. وفي خضم هذا التصعيد، تشير التحليلات إلى أن واشنطن، رغم خطابها المتشدد، باتت في موقع أضعف مما تصوره الرئيس دونالد ترامب.
وتبنى ترامب خطاباً يرى الصين الطرف الأضعف في المواجهة، مستنداً إلى الفارق الهائل في حجم التبادل التجاري بين البلدين.
فقد صرّح وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت أن بلاده تصدر إلى الصين ما يعادل فقط خُمس ما تستورده منها، في محاولة لتأكيد تفوّق واشنطن.
لكن الخبير الاقتصادي آدم بوزن يرى أن هذا الفارق يعكس قوة الصين لا ضعفها، فالمستهلك الأميركي يعتمد على المنتجات الصينية بشكل يصعب تعويضه، ورفع أسعارها أو غيابها من السوق سيؤثر مباشرة في قدرته الشرائية.
أحد أبرز مؤشرات القلق في البيت الأبيض تمثل في قرار ترامب إعفاء الهواتف الذكية من الرسوم، وفي مقدمتها أجهزة "آيفون" التي تُصنّع بنسبة 80% في الصين.
هذا التراجع يعكس إدراكاً بأن هذه الإجراءات قد ترتد سلباً على السوق الأميركي، خاصة في ظل اعتماد قطاعات واسعة على منتجات صينية يصعب الاستغناء عنها كالمكيفات، المراوح، الألعاب، وحتى الدراجات.
في المقابل، تبدو بكين أكثر هدوءاً واستعداداً، فإلى جانب كونها أكبر منتج للمكونات الأساسية في صناعة المضادات الحيوية، فإنها تتحكم أيضاً في معادن نادرة تدخل في صناعة الطائرات الأميركية المتقدمة، ما يمنحها ورقة ضغط إستراتيجية.
ولا يمكن إغفال أن الصين ثاني أكبر حائز لسندات الخزانة الأميركية، ما يمنحها قدرة على التأثير في السوق المالية الأميركية، خاصة في فترات التذبذب.
النظام السياسي الصيني المركزي يمنح بكين مرونة أكبر في إدارة الأزمات، على عكس الإدارة الأميركية الخاضعة لضغوط الشارع والمؤسسات. ففيما تتحرك بكين بخطة محكمة واستعدادات مسبقة، يتعامل البيت الأبيض مع الأزمة بمنطق ردود الأفعال، ما يضع ترامب في زاوية حرجة، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية.
ويختم الكاتب جدعون راخمان تحليله بالقول إن الرئيس الأميركي ربما يطبق "فن الصفقة"، لكنه هذه المرة "يلعبها على الطاولة الخطأ".
م.ال
اضف تعليق