بحسب مراقبين ومسؤولين محليين في البصرة وبغداد، فإنّ أكثر من 50 حزبا وجهة سياسية في العراق تتغذّى مادياً على النفط المهرّب من جنوب العراق، بالإضافة إلى 6 جهات كردية تموّل نفسها أيضاً من النفط العراقي المنهوب في الشمال، وهو الملف الذي تعاظم أخيراً وبات تحدياً أمام الحكومة بسبب ما يتكبّده العراق يومياً من خسائر جراء تهريب النفط الخام أو مشتقاته منذ الاحتلال الأميركي للبلاد ولغاية الآن.
وكشف مصدر مطلع في تصريحات صحفية، عن "مفاتحة الحكومة العراقية للجانب الإماراتي إزاء ملف تهريب النفط العراقي عبر مياه الخليج العربي ومساعدة أطراف إماراتية لعصابات ومافيات التهريب بطرق مختلفة".
ووفقاً للمصدر، فإنّ "جهات إماراتية، بينها شيوخ معروفون في أبوظبي والفجيرة والشارقة ورأس الخيمة، متورطون بالتعامل مع شبكات ومافيات نفط عراقية معظمها مرتبطة بجهات واحزاب سياسية عراقية".
ولفت المصدر، إلى أنّ "الحكومة العراقية بدأت تتحرّك فعلياً مع المسؤولين في الإمارات للعمل على هذا الموضوع، لكن بشكل غير معلن، لعدم إثارة أزمة أو استغلال الموضوع سياسياً"، مؤكداً "شراء طنّ النفط العراقي من قبل جهات غير رسمية في الإمارات، لكنها مقربة من النظام، بمبلغ لا يتجاوز 250 دولاراً (طنّ النفط يعادل نحو 7 براميل نفط)".
وبيّن، أنّ "النفط العراقي المهرّب يذهب معظمه إلى الشارقة ورأس الخيمة والفجيرة، لتشغيل محطّات كهرباء هناك أو لخلطه مع النفط الإيراني الخام بغية تخفيف نسبة الكبريت، إذ إنه من المعروف ارتفاع نسبة الكبريت في النفط الإيراني الخام، وهو ضار بالبيئة، ويتطلّب خلطه مع نفط عراقي أو سعودي لتخفيف نسبة الكبريت فيه".
وتابع المصدر، أنّ "الأموال التي تحصل عليها شبكات تهريب النفط العراقي، يتم إيداعها في بنوك إماراتية"، مضيفاً أنه "تمّ ضبط نماذج وأذونات قطع ومرور جمركي بأختام شركات إماراتية لها مكاتب في موانئ إماراتية، مثل شركة العهد الجديد وشركة جبل علي، حيث وجدت بحوزة مهربي النفط العراقي".
واتهم عضو البرلمان الاسبق عن محافظة البصرة، القاضي وائل عبد اللطيف، السلطات الإماراتية بـ"تسهيل عمل عصابات وشبكات تهريب النفط العراقي من البصرة"، مبيناً، أنّ "النفط المهرّب يباع لجهات إماراتية غير حكومية بأسعار بخسة، لكن تلك الجهات مسكوت عنها في الإمارات".
وأوضح، أنّ "عمليات تهريب النفط العراقي تتمّ من قبل جماعات وعصابات مدعومة من أحزاب وجهات مسلحة تقوم بنقل النفط العراقي بطرق مختلفة".
وشرح عبد اللطيف، والذي أكّد "امتلاكه مقطع فيديو يظهر جانباً من عمليات التهريب تلك قال إنه سيقدمه للجهات الحكومية العراقية، الطرق التي تستخدم في تهريب نفط العراق"، موضحاً أنه "في العادة تصل باخرة نفط وتستقرّ خارج المياه الإقليمية العراقية وتبقى بين 3 أيام وأسبوع، وهناك يبدأ المهرّبون بنقل ما لديهم من نفط إليها عبر زوارق تراوح حمولتها بين 10 إلى 20 طنّاً، وتقوم ببيعه، بحيث تستلم المال إمّا مباشرة أو يتم إيداعه في حسابات بنكية متّفق عليها بين المهرّب والمستفيد".
وبعد امتلاء الباخرة بالنفط، تقوم بنقله بنماذج خروج حصلت عليها مسبقاً، تحوّل صفة هذا النفط من مجهول النسب أو غير شرعي، كما هي المصطلحات المتداولة في عالم تهريب النفط، إلى نفط شرعي يمكن له المرور عبر مياه الخليج العربي".
وحمّل عبد اللطيف الإمارات مسؤولية ذلك، خصوصاً أنّ "الباخرة التي تنقل هذا النفط المهرّب لا تملك أوراقاً رسمية بحمولتها، وتحمل نفطاً غير شرعي، وهو تعامل مع عصابات لا أكثر"، كاشفاً عن "تحرّك الحكومة العراقية حيال الموضوع من خلال تسيير قوات تابعة للبحرية العراقية وشرطة خفر السواحل لضبط عمليات التهريب تلك، التي تتم في العادة من داخل حقول النفط العراقية أو عبر كسر أنابيب التصدير وسحب كميات كبيرة من النفط منها، ثمّ نقله في صهاريج ضخمة إلى المياه العراقية في البصرة".
وأشار إلى أنّ "قوات بحرية عراقية تمكّنت من اعتقال عدد من المهربين في عرض مياه الخليج وقيّدتهم، وعند التحقيق معهم، تبيّن أنّ بعضهم يتبع لجهات عراقية سياسية".
وأعلنت قيادة شرطة نفط الجنوب، في الـ14 من شهر آب الجاري، عن إلقاء القبض على عصابة لتهريب النفط في البصرة.
إلى ذلك، قال رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان المنتهية ولايته والقيادي في التيار الصدري، حاكم الزاملي، إنّ "قضية تهريب النفط أصبحت أمراً شائعاً، فالكلّ يعلم أنّ هناك جهات سياسية وعسكرية ضالعة في التهريب، وهناك تسترّ من قبل بعض القطاعات الماسكة لهذه المناطق".
وعبّر الزاملي عن استغرابه من "سكوت الحكومة، في وقت نحتاج فيه إلى ثورة ومحاربة حقيقية لمنع تبدّد ثروات البلد وسرقتها. فآبار النفط مفتوحة أمام المهرّبين في القيارة والدجيل وعلاس وعجيل (شمال العراق)، والبصرة والعمارة (جنوب العراق)"، مشدداً على أنّ "هذه الثروات هي ملك للشعب، وليست لطائفة أو حزب، ومن يتاجر بالنفط ستصبح لديه قوة وسلاح وعتاد ومقدّرات اقتصادية عالية، وسيصبح غولاً كبيراً لا يمكن مجابهته".
ويعدّ ملف تهريب النفط العراقي من أبرز المشاكل التي واجهت الحكومات العراقية منذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، إذ تقدّر سنوياً خسائر العراق جراء عمليات التهريب بنحو مليار دولار، وتتورّط جهات واحزاب سياسية في جنوب ووسط البلاد وجماعات كردية شمال العراق، بجرائم التهريب، وكذلك تنظيم "داعش" خلال سيطرته على مدن عراقية عدة. وتعدّ تركيا وإيران والامارات، الوجهة الرئيسة لمعظم النفط العراقي المهرّب.انتهى/س
اضف تعليق