حدّد قضاة ينظرون الملفات الجنائية ابرز أسباب ارتفاع الانتحار في المجتمع، مؤكدين أن تزايد النسب يأتي على الصعيد العالمي وليس المحلي فحسب، وذكروا أن اغلب المقدمين على الجرائم هم من المرضى النفسيين أو متعاطي الكحول والمخدرات ممّن وصلوا مرحلة لا تمكّنهم من تلبية متطلبات إدمانهم، داعين في الوقت ذاته إلى تضافر جهود جميع الجهات ذات العلاقة لمواجهة أخطار هذه الظاهرة.
وفيما اشار القضاة إلى مشكلات أخرى نتجت عن سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على بعض المناطق في العراق ما فاقم من حالات الانتحار، بيّنوا أن المشرّع العراقي لا يُسائل من يحاول إنهاء حياته بنفسه، لكنه يحاسب المحرّض والمساعد في عقوبات تكون في بعض الأحيان شبيهة بتلك التي تطال من يرتكب جريمة القتل العمد.
ويقول قاضي تحقيق محكمة البياع باهر نجم عبد الله في حديث مع صحيفة "القضاء"، إن "الانتحار واحدة من الظواهر السلبية والخطيرة التي تظهر في المجتمعات البشرية"، وعزاها إلى "أسباب اقتصادية واجتماعية ونفسية".
وأضاف عبد الله أن "البعض يلجأ إلى الانتحار بسبب الظروف الاقتصادية ممثلة بضنك العيش ووصوله إلى مرحلة لا يستطيع المواصلة وتوفير متطلبات حياته بسبب قلة أو انعدام موارده المالية".
وأشار إلى أن "الآخر ينتحر نتيجة ظروف اجتماعية لا يمكن التخلص منها كطريقة التعامل معه دوناً عن غيره"، منبهاً إلى أن "هناك من هو مصاب بأمراض نفسيه نتيجة تراكمات عديدة منذ طفولته حتى يكبر أو نتيجة صدمة عاطفية ألمت به نتيجة علاقته مع الجنس الآخر".
كما نوّه عبد الله إلى أن "متناولي الكحول والمخدرات قد يصل بهم الأمر إلى الانتحار نتيجة وصولهم إلى مرحلة تجتاز الادمان في خطورتها وعدم مقدرتهم على تلبية متطلبات إدمانهم".
وتحدّث قاضي تحقيق البياع أيضاً عن عوامل خارجية قد تدفع الشخص إلى ارتكاب هذه الجريمة من خلال "تعرضه إلى تحريض أو المساعدة من أجل الانتحار بدلاً من مده يد العون لعودته إلى رشده".
وعاد ليؤكّد أن "قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل، لم يحاسب من يحاول الانتحار، لكن عاقب المحرض أو المساعد حتى لو لم تنجح العملية"، ورأى أن "ذلك خروج عن القواعد العامة، وهو امر جيد"، نافياً الحاجة إلى "تدخل تشريعي على هذا الصعيد".
وأوضح عبد الله أن "عقوبة المحرّض أو المساعد هي السجن لمدة لا تتجاوز السبع سنوات في حال نجحت العملية، والحبس ما دون الخمس سنوات في حال الفشل ولم يمت المنتحر".
ويسترسل إن "المحاسبة تكون مشددة وتصل بمقدار من يقتل عمداً إذا كان المنتحر ناقص الإدراك والإرادة أو أنه لم يبلغ الثماني عشرة سنة".
وأكمل عبد الله بالقول أن "التحريض على الانتحار لا يعدّ سبباً للمحاسبة إلا إذا تمت الجريمة فعلياً سواء بالنجاح أو الفشل".
من جانبه، ذكر قاضي تحقيق محكمة الكرادة فاضل شاكر رسن، أن "زيادة معدلات الانتحار في الآونة الأخيرة لم تقتصر على النطاق المحلي، بل إن التقارير الرسمية تشير إلى ارتفاع في النسب على مستوى العالم".
ويرى رسن أن "اسباب ارتكاب هذه الجريمة تنوعت بعد أن كانت بالدرجة الأساس الاضطرابات النفسية خاصة الاكتئاب والاضطرابات الناتجة عن الإدمان على المخدرات والكحول".
وفي مقابل ذلك، رأى "أن حالات أخرى تحصل فجأة في لحظات الأزمة نتيجة انهيار القدرة على التعامل مع ضغوط الحياة مثل "المشكلات المالية أو انهيار علاقة ما أو غيرها من الآلام والأمراض المزمنة".
وعلى الصعيد الداخلي، يذهب رسن إلى "ابرز عوامل المساعدة على ارتفاع معدلات الانتحار هي المشكلات التي ظهرت بعد احتلال داعش لبعض المناطق على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية".
وأعرب عن اسفه كون "هذه المناطق خارج السيطرة الرسمية وبالتالي لا نمتلك إحصاءات توضح معدلات الانتحار فيها نتيجة سياسات هذا التنظيم الارهابي". انتهى/خ.
اضف تعليق