يفكك ابو محمد الطويرجاوي السرادق الذي نصبه اوائل شهر صفر المظفر كموكب لتقديم الخدمات للسائرين نحو الحسين عليه السلام وعيونه ترنو نحو الطريق الذي بدأ يلف افقه من جهة بابل بعد توديع اخر زائر قادم من الحلة.
يقول ابو محمد وهو يجمع اواني الطبخ: عمي حسنات بلاش في اشارة الى الاجر الذي ينتظره خدام الحسين.
عرفت مدينة طويريج (قضاء الهندية -20كم- شمال كربلاء المقدّسة) بركضتها المعروفة يومي التاسع والعاشر من محرم الحرام والتي دأب فيها اهالي القضاء تلبية نداء الامام الحسين عليه السلام، الا من ناصر ينصرني، فيهرعون ملبين بالهتاف الجماعي لبيك يا حسين ما خلا سنوات الدكتاتورية التي منعت جميع المظاهر والطقوس والشعائر الدينية في العراق.
لكن المخفي ان هذه المدينة تفت ابوابها من يوم الخامس من صفر الى العشرين منه امام ملايين المارين وسطها مشكلة مائدة متصلة من الطعام تبدأ من سيطرة ام الهوى على الحدود مع محافظة بابل وتنتهي عند الحدود الادارية لقضاء المركز اي مدينة كربلاء.
السلطات المحلية في قضاء الهندية قدرت اعداد الزائرين المارين في القضاء هذا العام بما يفوق العشرة ملايين زائر عراقي وعربي واجنبي كلهم شملتهم خدمة اهالي طويريج واستضافت بيوتهم اغلب هؤلاء الزوار.
يقول ابو حيدر الموسوي (43 عاما) من موكب كسبة اهالي طويريج وهو من بين المواكب الخدمية الاكبر في القضاء والذي يضم اعداد كبيرة من ذوي المحلات والمهن والعمال، ان الحسين (عليه السلام تجارة رابحة مع الله، فكلنا نعمل على الوارد اليومي ولا يوجد لدينا دخل ثابت لكن حين يأتي الاربعين نكون اغنى الناس بما نجمعه من مبالغ بسيطة يوميا.
(كلشي التريده يصير إبشر يزاير ... من توصل طويريج ما تظل حاير) و (يا زاير أهل البيت كلّ احنا نفداك ... أعذرنا لو فد يوم قصّرنه ويّاك). ابيات من الشعر الشعبي نقشها اهالي القضاء بلافتة كبيرة معلقة فوق جسر الهندية المعروف على نهر الفرات الذي تغفو على ضفتيه المدينة.
المدرس ابو فاطمة الحسناوي (52 عاما) يقول: بدأت رحلة خدمة زوار الامام الحسين بطبقة بيض بعدما عدت من المهجر بعد سقوط النظام الصدامي وانا لا املك شيء، اخذت طبخة بيض وارغفة خبز وهذا كل ما املكه وجلست على الطريق اقدمها كفطور للسائرين على الاقدام.
ويضيف الان اغناني الله لابني موكب كبير واقدم الخدمة طوال الزيارة واقدم كل شيء لزوار ابا الاحرار، بما يأتي من تبرعات من موالين لا اعرف عنهم شيء سوى رابط الولاء لأهل البيت (عليهم السلام).
مدينة لم يكتف رجالها فقط في التواجد في المواكب بل حتى الاطفال والنساء كل يعرف دوره في العمل من شروق الشمس الى غربوها.
الحاجة ام جبار في العقد السابع من العمر تتردد على موكب الحوراء زينب ع وتسكن احدى القرى المحيطة بالمدينة تقطع مسافة طويلة سيرا على الاقدام بسبب قطع الطرق والاجراءات الامنية، تأتي لتقدم جهدها بكل نشاط.
تقول ام جبار ايام الزيارة ماكو لا ضغط ولا سكر مصيبة ابا عبدالله تخليني انسى كل شي.
تجمع ام جبار اواني الطعام وعلب الماء الفارغة رغم ثقل السنين الذي حنى ظهرها وتدعى الزائرين الى الدعاء لها بالتوفيق بخدمتهم في الزيارة القادمة.
لم تكن فوائد زيارة الاربعين محصورة على الجانب الديني الاخروي فقط، بل تعدى ذلك الى بناء علاقات اجتماعية قوية وتقوية اواصر الصداقة وايجاد صداقات جديدة بين خدمة الحسين والزائرين العراقيين والاجانب.
يقول الشاب الثلاثيني علاء محمد ناجي كونت الكثير من الصداقات والعلاقات القوية مع الكثير من الزائرين من خلال تواجدي في الموكب، ونتواصل بعد عودتهم الى ديارهم.
ويضيف نجتمع على حب الحسين (عليه السلام) وهذا فخر كبير، اشعر بالقوة عندما يكون في بيتي زائر من الجنوب او من خارج العراق وانا التقي به لأول مرة لكن الشعور تجاهه وكننا ولدنا في بيت واحد.
ويبقى العطاء الحسيني في الهندية طويريج مستمر حاله كحال الفرات الذي لا ينضب ويسمع صداه في كل مكان مدويا مثل صدى هتاف الركضة الدائم لبيك ياحسين.
اضف تعليق