أصدر المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، بياناً مهمّاً، حمد الله تعالى فيه على توفيق الملايين من المؤمنين لإنجاز الزيارة، بأقوى من الأعوام الماضية.
وأشاد سماحته بالشعب العراقي الكريم الذي ضرب أعلى المثل والقيم النبيلة في التضحية والفداء من أجل تأمين حاجات الزوّار الكرام بكل ما أمكنهم من طاقات.
وشكر سماحته جميع الذين ساهموا بكل أنواع المساهمة وفي شتى المجالات لتحقيق هذه الزيارة المقدّسة، وعلى تقديمهم كافّة الأساليب لتسهيل الأمر على الزوّار الكرام.
إليكم نصّ البيان:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، وأفضل صلوات الله وأزكي سلامه المتواصل علي سيّدنا ومولانا الإمام الحسين وعلي جدّه النبي المصطفي وأبيه الإمام المرتضي وأمّه سيّدة النساء فاطمة الزهراء وأخيه الإمام المجتبى، وأبنائه الأئمة المعصومين سيّما بقيّة الله في الأرضين الإمام المهديّ الموعود عجّل الله تعالي فرجه الشريف.
أحمد الله العليّ العظيم علي توفيقه الكبير الشامل لعشرات الملايين من المؤمنين والمؤمنات وسائر الناس من أطراف الأرض وأكناف البلاد. علي إنجاز الزيارة الأربعينية المقدّسة للإمام الحسين عليه السلام هذا العام بأقوى وأوسع من جميع الأعوام الماضية.
وهنيئاً للزائرين الكرام والزائرات الكريمات علي بلوغ هذا الشرف الرفيع الذي نالوا به زيارة الله عزّ وجلّ في عرشه، ورضا رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والأئمة الأطهار ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ كما في متواتر الروايات الشريفة.
وهنيئاً أيضاً للذين قدّموا للزوّار شتي أنواع الخدمات المعنوية والمادية، فكانوا ـ بذلك ـ أعظم أجراً وأكثر ثواباً من الزوّار أنفسهم.
وهذه كلّها من شعائر الله تعالي، وقد قال عزّ من قائل في القرآن الحكيم: «ذلك ومن يعظّم شعائر الله فإنّها من تقوي القلوب» (الحج/٣٢).
لقد حاول الطغاة ومنذ استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، بشتي أساليب القمع والتنكيل والاضطهاد والتعذيب والقتل من أجل تحجيم هذه الزيارة المقدّسة ومنعها، فبائت كل تلك المحاولات بالفشل نتيجة لأمر وتأكيد وتشجيع الأئمة الأطهار من عترة رسول الله ـ صلي الله عليه وعليهم أجمعين ـ بمواصلة هذه الزيارة رغم ذلك كلّه، وقد أدّى ذلك إلى تحقّق التضحيات الكبيرة والكثيرة ـ واستشهاد الألوف وعشرات الألوف ـ من المؤمنين والمؤمنات في هذا السبيل.
فهذا المتوكّل العباسي أرسل رئيس شرطته إلي كربلاء المقدّسة، فوقف وأعلن انه من وُجد عند قبر الحسين (عليه السلام) فإنّه يتعرّض لأبشع أنواع التعذيب، وللقتل، وقبله بنوا أميّة وبنوا مروان وبنوا العباس وغيرهم حتي انتهى الأمر إلى أيام الطاغية (صدام) حيث بالغ بأنواع المظالم على الزوّار الكرام وعذّب بأشد أنواع التعذيب، وقتل عشرات الألوف بشتي أنواع الأسلحة الفتّاكة حتي القصف بالطائرات الحربية. وقد ورد في الحديث الشريف إنّ الله عزّ وجلّ يخاطب زوّار الإمام الحسين عليه السلام ويقول لهم: «أوليائي سلوني فطال ما أوذيتم وذللتم واضطهدتم» (كامل الزيارات، ص٢٥٩).
ولكن مع هذا كلّه، فاليوم الزيارة الأربعينية المقدّسة أشمخ وأشمخ وأعظم من ذي قبل، وتزداد يوماً بعد يوم علوّاً وارتفاعاً، كما جاء في حديث رسول الله صلي الله عليه وآله: «وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره إلا علوّاً» (كامل الزيارات، ص٤٤٤).
وفي هذا المجال ينبغي أن أذكرّ بأمور:
الأول: إنّ الهدف الأسمى للإمام الحسين عليه السلام في نهضته العظيمة والفريدة في التاريخ كما قال هو عليه السلام «أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب صلي الله عليهما والهما» (بحار الانوار، ج٤٤، ص٣٢٩) وهو الإسلام الصحيح الناصع الذي جاء به القرآن الحكيم وبشّر به النبيّ الأعظم صلي الله عليه وآله وطبّقه هو وأمير المؤمنين (عليهما السلام) محقّقين به تأمين جميع حاجات الناس الدينية والدنيوية.
فخلال حكم رسول الله صلي الله عليه وآله عشر سنوات وخلال حكم أمير المؤمنين عليه السلام في طول البلاد الإسلامية وعرضها من قلب آسيا وفي الشرق الأوسط وإلي عمق أوروبا وأواسط أفريقيا في العشرات من الدول - في خريطة العالم اليوم- لم يذكر التاريخ قتيلاً سياسياً واحداً ولا سجيناً سياسياً واحداً، ولا فقيراً واحداً يبقي علي فقره، ولا شاباً واحداً ولا فتاة واحدة من غير زواج نتيجة الفقر، ولا مصادرة واحدة لأموال وممتلكات الناس، ولا منع سفر لشخص واحد، ولا لاجئ واحد ولا... ولا.
هذه السيرة الوضاءة التي قامت على العدل والإحسان ومنحت الحرية حتي لغير المسلمين في البلاد الإسلامية التي لم يجد التاريخ نظيراً ولا مثيلاً لها حتي اليوم.
وإذا نجد اليوم في بعض بلاد الإسلام، وفي بعض بلاد غير الإسلام شيئاً من الحريات فإنّما ذلك جزء بسيط من الحريات الإسلامية التي أشاعها رسول الله وأمير المؤمنين ـ صلي الله عليهما والهما ـ خلال أيام حكمهما، كما ستعمّ المعمورة أيضاً في عهد الظهور المبارك وعند رجعة المعصومين الأربعة عشر (عليهم الصلاة والسلام).
وقد أعلن سيدنا ومولانا الامام الحسين (عليه السلام) في ابتداء نهضته المقدّسة انه يريد إحياء هذه السيرة الوضاءة الإنسانية.
وما أحوج العالم اليوم ـ في بلاد الإسلام وحتي في بلاد غير الإسلام التي تتبجّح ببعض الحريّات ـ إلي مثل هذه السيرة المباركة.
فالواجب علي الجميع ـ علي شتي المسؤوليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها ـ السعي الحثيث والجادّ والمتواصل، والتكاتف والتعاضد وتوحيد الصفوف لإحياء هذه السيرة المباركة، ليعيش المسلمون وسائر البشر في ظل الإسلام أسعد أيام التاريخ - بإذن الله تعالى-.
الثاني: إنّ زوّار الإمام الحسين عليه السلام في كل المناسبات وخاصّة في الزيارة الأربعينية المقدّسة، هم في قمّة القدس والشموخ عند الله تعالي وعند رسول الله وعند العترة الطاهرة ـ عليه وعليهم السلام ـ. فزوّار الإمام الحسين عليه السلام هم زوّار الله عزّ وجلّ، وهم الذين يدخلون السرور علي قلب رسول الله صلي الله عليه وآله وقلوب أهل البيت عليهم السلام ويُسعدون فاطمة الزهراء عليها السلام.
فالأحرى والأحرى أن تتكاتف الجهود من الجميع ـ حكومات وشعوب ـ في تأمين كل وسائل الراحة لهم.
والشعب العراقي الكريم - في هذا العصر- ضرب أعلى المثل والقيم النبيلة في التضحية والفداء من أجل تأمين حاجات الزوّار الكرام بكل ما أمكنهم من طاقات وباسترخاص كل شيء حتي ببيع ممتلكاتهم ودورهم ومحلاّتهم وسياراتهم لتوفير حاجات الزوّار، فجزاهم الله تعالي خير الجزاء.
ولكن تبقى المسؤولية الخطيرة الضرورية علي الحكومات ـ بقدراتها الكبيرة الهائلة ـ وأصحاب الثروات الضخمة في بلاد الإسلام وسائر بلاد العالم أن يؤمّنوا حاجتين أساسيتين، وهما:
أولاً: وسائل النقل من طائرات وبواخر وسيارات تنقل الزوّار الكرام من شتي أطراف العالم إلي مدينة كربلاء المقدّسة ومنها عوداً إلى بلادهم، كل ذلك بدون ثمن وقربة إلي الله تعالي.
وثانياً: تأمين إسكان وإيواء الزوّار الكرام في مدينة كربلاء المقدّسة وأطرافها، أيضاً بدون ثمن وقربة إلى الله تعالى، وذلك بإنشاء وإحداث الآلاف المؤلّفة من الفنادق الكبيرة والمنازل الواسعة التي تؤمّن راحة الزوّار وكرامتهم، ما داموا هم في فناء الإمام الحسين عليه السلام.
الثالث: العشائر العراقية المؤمنة الكرام، الذين كانوا ومنذ غابر التاريخ وحتي اليوم وفي شتي المناسبات وعلي جميع الأصعدة، حامية حصينة للإسلام والمسلمين وللمرجعية الدينية خاصة.
ففي ثورة العشرين المظفّرة، وبمبادرة الإمام الشيرازي (قدّس سرّه) - قبل قرن- وفتواه الصاعقة بوجوب طرد الاستعمار البريطاني البغيض، هبّ الشعب العراقي الأبي الصامد وفي طليعته جحافل العشائر المؤمنة المجاهدة لمقارعة الاستعمار، حتى كبّدوه الخسائر الجسام والضحايا الكثيرة.
وفي نفس تلك الأيام الصعبة والحرب الضروس قائمة، لم يتركوا زيارة الإمام الحسين عليه السلام، وكذلك اليوم يشهد العالم استبسال وشهامة العشائر الأبيّة في مقدّمة الشعب العراقي الصامد، في ساحات القتال للدفاع عن حرمات الإسلام وأرضه والمراقد المقدّسة وأعراض المسلمين وغيرهم، وذلك جنباً لجنب تعبئتهم كل الطاقات لتعظيمهم ومشاركتهم الجبّارة في زيارة الأربعين المقدّسة.
وهكذا في عهد الطاغي (ياسين الهاشمي) واستهتاره المقيت بالشعائر الحسينية المقدّسة، نهضت العشائر العراقية الباسلة في طليعة الشعب العراقي الأبيّ لمواجهته حتي اضطر إلي الفرار من العراق، وكان - يومذاك- للمرجع الديني الكبير السيد أبي الحسن الأصفهاني (قدّس سرّه) الدور الأكبر في إفشال تلك المؤامرة البغيضة، حيث دعا إلى الاعتصام في حرم الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) في النجف الأشرف ضد تلك الاستهتارات، تلاه الخطاب الثوري الذي ألقاه – حينه - المرجع الديني الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (قدّس سرّه).
الرابع: شباب العراق الأعزّة ـ بنين وبنات ـ هم بناة مستقبل العراق علي جميع الأصعدة، وهم بحاجة اليوم إلي مزيد التثقيف بثقافة الإسلام ثقافة (القرآن والعترة الطاهرة) وهما وصية رسول الله صلي الله عليه وآله، والشباب اليوم مستهدفون من قبل شتي حركات الضلال والتوجّهات المنحرفة في الداخل والخارج، وهي تعمل على تضليل الشباب عقيدة وأخلاقاً، فيجب علي الجميع الاستفادة من كافّة السبل المتاحة لجمع الشباب في إطار أهل البيت عليهم السلام، ليكونوا بناة صالحين لمستقبل العراق.
وختاماً، فإنّني أشكر الجميع الذين ساهموا بكل أنواع المساهمة وفي شتى المجالات لتحقيق هذه الزيارة المقدّسة بأبهى وأقوى ما يمكن حتى جاءت فريدة في عالم اليوم وعبر التاريخ كلّه.
كما أشكر الجميع على تقديم كافّة الأساليب لتسهيل الأمر على الزوّار الكرام، رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، وعلى جميع الأصعدة.
كما وأبتهل إلى الله عزّ وجلّ لزوّار الإمام الحسين عليه السلام خصوصاً في الزيارة الأربعينية المقدّسة التي هي من أعظم شعائر الله عزّ وجلّ، أن يقضي حوائجهم ويسهّل أمورهم ويجمع شملهم ويوحّد صفوفهم ويوفقهم جميعاً لجوامع السعادة في الدنيا والآخرة.
كما أدعو الله عزّ وجلّ لتعجيل فرج مولانا وسيّدنا بقيّة العترة الطاهرة الإمام المهديّ الموعود، الذي بفرجه يتمّ الفرج الكامل والشامل للجميع.
والحمد لله ربّ العالمين أولاً وأخيراً. انتهى/خ.
اضف تعليق