أصدر محيي الشعائر الحسينية المقدّسة والذاب عنها، المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، بياناً مهمّاً عشية حلول ذكرى أربعينية استشهاد مولانا سيّد الشهداء الإمام الحسين صلوات الله عليه وعلى أهل بيته الأطهار وأصحابه الأبرار (20 صفر الأحزان1439للهجرة).
إليكم نصّه الكامل:
استهلّ الحديث لأشكر الله عزّ وجلّ شكراً خالصاً مخلصاً على هذا التوفيق العظيم الذي منحه لعشرات الملايين في إقامة وإنجاح هذه الشعيرة المقدّسة زيارة أربعين الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام في هذا العام.
الإمام الحسين عليه السلام هو الحبل الإلهي بين الله وبين خلقه، ورمز توحيد الصّفوف، للمؤمنين والمؤمنات، بل لجميع المسلمين، ومن سائر المذاهب الإسلامية، وحتى لغير المسلمين، من أهل الكتاب، اليهود والنصارى والمجوس، بل وحتى غير أهل الكتاب، فإنّ الجميع من البشر يضمرون ويظهرون ويستشعرون الولاء العميق تجاهه حيث يشتركون في زيارة الإمام الحسين عليه السلام في هذه الشعيرة الأربعينية، وسائر الشعائر المقدّسة الحسينية. فينبغي للجميع ـ كلّ بمقدار وسعه ـ التصدّي لتعلّم وتعليم سيرة الإمام الحسين عليه السلام ومسيرته الوضّاءة التي هي هي سيرة جدّه الرسول الأعظم وأبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ومسيرتهما صلّى الله عليهما وآلهما.
ومن آثار وبركات هذه الزيارة الأربعينية المقدّسة توفيق الملايين من الزائرين الكرام لزيارة المراقد المقدّسة للأئمة الأطهار، عليّ بن أبي طالب والإمام موسى بن جعفر والإمام محمد بن علي الجواد والإمام علي بن محمد الهادي والإمام الحسن بن علي العسكري عليهم الصلاة والسلام، وزيارة السرداب المقدّس لمولانا الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف، هذه الزيارات التي ملئُها العبر العظيمات، ومنها كيف أنّ الله تعالى يفي للمظلومين بنصرتهم نصراً عظيماً أبد الدهر، كما وأنّها ملئُها الفضائل والمكرمات وقضاء الحوائج.
أما الزوّار الكرام المشاة فإنّهم ينالون ـ كما في الروايات ـ الشرف العظيم والفريد بإرسال رسول الله صلّى الله عليه وآله بعض الملائكة، لإبلاغ سلام رسول الله إليهم فرداً فرداً، فهؤلاء المحظوظين بهذا الحظ الكبير، عليهم ـ من عمق الأخلاق ـ أن يردّوا السلام والتحيّة على رسول الله صلى الله عليه وآله بكل تعظيم وإجلال، ويعتبروا ذلك منطلقاً عظيماً لمستقبل السلامة والعافية ديناً ودنياً وآخرة، لهم ولجميع من وما يرتبط بهم.
كما أهيب بالزوّار الأعزّاء الذين وفدوا للزيارة الأربعينية ـ من خارج العراق المظلوم ـ ولقوا ـ ما لقوا وقاسوا المتاعب المختلفة ـ أن يعبّئوا الطاقات ـ قدر المستطاع ـ لتسهيل العقبات وإزالة العوائق في السنوات القادمة، خصوصاً في البلاد (الإسلامية وغير الإسلامية)، التي تتمتع ببعض الحريّات، عبر المحاولات السياسية والدبلوماسية المتواصلة والضغوطات الأدبية السليمة، على الحكومات وأصحاب النفوذ، كي تتأدّى هذه الشعيرة الإلهية المقدّسة أفضل وأفضل في كل عام.
إنّني ومن منطلق المسؤولية والوظيفة الشرعية، أتقدّم بالشكر الجزيل، والثناء الجميل للجميع، كما وأدعو للجميع بالقبول والرعاية التامّة من المولى وليّ الله الأعظم الحجّة بن الحسن العسكري ـ صلوات الله عليه وعلى آبائه وعجّل في فرجه الشريف ـ بقضاء الحوائج وتسهيل الأمور، للدنيا والآخرة، بجاه محمّد وآله الأطهار صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.
وأخصّ بالشكر كل الذين عزموا النيّات الصادقة، وبذلوا الطاقات الهائلة من الرجال والنساء، ووفّقوا للحضور عند المقام السامي والرفيع للإمام الحسين عليه السلام، وزاروا عن قرب المرقد الطاهر والحرم الشريف.
والذين تصدّوا لتوجيه وإرشاد الزوّار الكرام في أمور عقائدهم وأحكامهم الشرعية وآدابهم الدينية، وذكر فضائل ومآثر أهل البيت عليهم السلام ـ التي هي هي أخلاق الإسلام وأحكام الله عزّ وجلّ، والعقائد الحقّة التي نزل بها القرآن الكريم.
(وكذا) الذين تولّوا في سائر مدن العراق المظلوم والصامد والصابر، وسائر بلاد الإسلام وحتى بلاد غير الإسلام، تولّوا لتشجيع وتسهيل الأمور المرتبطة بالزيارة الأربعينية المقدّسة، بأنواع التسهيل والتشجيع، من تأمين النفقات، وتوفير وسائل النقل بلا عوض مادي ـ حيث العوض الأكبر الأعظم في الدنيا والآخرة عند الله عزّ وجلّ الذي تعهّد بالتعويض، ومن الإمام الحسين ـ صلوات الله عليه ـ الذي سيتولّى أمرهم وحسابهم قبل حساب الله ـ تعالى ـ لهم.
وأخصّ بالذكر هنا، عشائر العراق الأباة المؤمنين الذين مازالوا الحصن الحصين للعراق الجريح في كل المآسي التي انتابته، من تصدّيهم طغيان وعسف الاستعمار في ثورة العشرين المظفّرة، حيث هبّت العشائر المثابرة عندما أفتى الإمام الشيرازي قدّس سرّه بالدفاع والثبات في مواجهة أشرس وأعتى استعمار في تلك الحقبة، وكانوا ـ ولايزالون ـ العضد العظيم للمرجعية الدينية، وكذا تصدّيهم الحكومات المستبدّة الظالمة التي تناوبت على العراق المظلوم.
وهكذا المجاهدين الصامدين الذين لا يزالون على جبهات الدفاع عن ثغور الإسلام وحريم المسلمين وهم ـ على تباعد المقام والمسافة من كربلاء المقدّسة، وقربهم المعنوي الروحي من الإمام الحسين عليه السلام ـ يقيمون هذه الشعيرة المقدّسة (زيارة الأربعين) بكل شجاعة ومثابرة وتماسك.
كما وأسأل الله تعالى أن ينزل على الشهداء الأبرار شآبيب رحمته (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ)، ويمنّ على المجروحين والمعلولين بجوامع العافية ودوامها، ويخلف على ذويهم بعظيم الأجر وجميل الصبر.
ولا يفوتني هنا التنويه والإشارة بالأصالة الفذّة والمتفرّدة للملايين من النساء المؤمنات اللاتي اشتركن في هذه المسيرة العظيمة بالحجاب الإسلامي الشريف، والعفاف الديني، والحشمة والوقار، الذي ينبغي لجميع النساء، في كل زمان ومكان، أن يتخذن منهنّ قدوة مثلى، وأسوة حسنة خالدة.
(وكذا) الذين تجشّموا أنواع المتاعب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغيرها ـ في سبيل تعميم الراحة والوقار والسكينة للزوّار الكرام، وتقديم الخدمات الجليلة بجميع الوسائل الرفاهية المتاحة الممكنة، من المآدب الكبيرة المترامية والمشحونة بما طاب وطهر، والغامرة بما لذّ وعذب من المآكل والمشارب، وكذا المساكن والربوع والمقرّات، والتدفئة والتبريد، حتى غسل ملابس الزوّار الكرام، وتدليك أبدانهم وأرجلهم، والتضميد والعلاج، وغير ذلك كثير وكثير.
كما وأشكر بالغ الشكر للمؤمنين والمؤمنات في أكناف البلاد وأصقاع الأرض في المدن والقرى، في بلاد الإسلام، وغير بلاد الإسلام، على المسيرات الأربعينية المقدّسة والحاشدة، التي تولوا إقامتها ورعايتها وتسييرها.
وكذا الفضائيات وجميع وسائل الإعلام التي أذاعت وبثّت ونقلت من العراق المظلوم، الصور الرائعة والمثيرة والمؤثّرة غاية التأثير على العواطف والعقول، نقلتها إلى العالم بكل دقّة وأمانة، في ظل التغافل والتجاهل والتهاون المقيتة واللاإنسانية من ألوف المؤسسات الإعلامية والفضائيات التي تشيع وتنشر وتخابر كل حدث جسيم وحقير في زوايا العالم، وتترك نقل مثل هذه المسيرة الحسينية بعشرات الملايين، وهذا من أبرز مفردات الخذلان لقضية الإمام الحسين عليه السلام وشعائره المقدّسة، ولا شكّ إنّه سيحيط بهم دائرة السوء من الله عزّ وجلّ الذي يخذل من خذل الإمام الحسين عليه السلام.
أما الذين حاولوا متلصّصين ـ مواجهة موصولة وعنيدة لهذا السيل البشري المليوني العظيم ـ بغية أن يعرقلوا هذه المسيرة أو ينتقصوا من أعداد الزوّار، أو يقوّضوا عزيمتهم أو يُلحقوا بهم الضرر والأذى، حتى بلغني مكرّراً أنّ العديد من الزوّار الذين هم أعزّاء الله عزّ وجلّ، وأعزّاء رسول الله، وأعزّاء العترة الطاهرة، وهم ممن تسعد بهم فاطمة الزهراء ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ قد تعرّضوا من قبل البعض ـ ومع الأسف الشديد ـ للضرب والإهانة والاستخفاف والهتك والشتم، وتم استغلال هذه الزيارة العظيمة لاستدرار المال الحرام من بعض الزوّار المظلومين. أدعو الله عزّ وجلّ أن يهديهم ليتلافوا ذلك بالاعتذار من الذين اعتدوا عليهم فرداً فرداً، والاستحلال منهم، والإنابة وطلب المغفرة من الله عزّ وجلّ، ومن الإمام الحسين عليه السلام الذي تعدّوا عليه بتعدّيهم وتطاولهم على زوّاره المظلومين، فإنّ المأمور بالشر ليس معذوراً بضرورة العقل والشرع. وأن يبادروا إلى استدراك ذلك قبل أن يشملهم مقت الله وعذابه في الدنيا، للأثر الوضعي لذلك، وقبل أن يحيطهم عذاب الآخرة وهو أعظم وأشدّ.
وأخيراً، أتضرّع وأبتهل إلى الله عزّ وجلّ، بمحمّد وعترته الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين خصوصاً بمولانا الحجّة المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، أن يُنقذ العراق المظلوم وسائر بلاد الإسلام وكل بلاد العالم، من المظالم المليونية المعاصرة، التي تتوالى نتيجة التهوّر والطيش وانعدام الحكمة والحصافة والرصانة وسوء إدارة (العالم) من قبل القادة الكبار، والله هو المستعان.انتهى/س
اضف تعليق