بدأت المواكب والهيأة الحُسينية الخدمية ومنذ صباح اليوم، بمغادرة مدينة كربلاء المقدسة على مضض، بعدما قدّمت أفضل ما لديها من الخدمات لحشود الزائرين الوافدين من داخل العراق وخارجه لأكثر من 100 دولة عربية وأجنبية حطّوا رحالهم بمدينة القباب الذهبية منذ اليوم الأول لشهر الأحزان صفر وحتّى حلول يومه العشرين لتجديد العهد والولاء ولإحياء ذكرى مرور أربعين يوماً على إستشهاد السبط الثاني لنبي الرحمة محمّد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع كوكبة من أهل بيته وأصحابه وأنصاره (عليهم السلام) في أبشع فاجعةٍ يُدمى لها قلب الإنسانية حدثت عام 61هـ في أرضٍ أراد الله تعالى لها أن تكون قبلةً لجميع الأحرار في العالم.
أصحاب المواكب والهيأة الحُسينية وخدّامها شرعوا بتفكيك السرادق ولملمة محتوياتها إيذاناً بالرحيل كرحيل السيدة زينب بنت علي (عليهما السلام) أول مرّة بعد قتل أخوتها وأبناءهم إلا عليلهم وأبناء عمومتها وأبناءهم ومن نصر الإسلام ووقف بوجه طاغية العصر حينها يزيد بن معاوية (عليه وعلى أبيه لعنة الله)، رحلت ومعها النساء والعيال والأيتام وبقية الله من نسل أخيها الإمام الحسين (عليه السلام) وعلامات الحُزن ترتسم على تقاسيم وجوههم كما رُسمت اليوم على وجوه أتباعهم ومحبّيهم من شيعة أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) وهم يُودّعون بالدموع والنحيب هذه المدينة التي عاشت عشرين يوماً تتنفّس بهم السُعداء.
قوافلٌ الخدمة الحُسينية تركت بصماتها في شوارع وجدران ووجوه أهل هذه المدينة الأليمة بعظيم جرح صاحبها المدفون فيها طُهراً مع نجليه وخير رجال الأمة التي أُخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر الذي سرى بجسدها كمسرى الدم في العروق، صوتٌ قرآنيٌّ علا قبل الآذان ليكون "وقرآن الفجر كان مشهوداً" يتبعه دعاءٌ رُفع بأكفٍّ لطالما سعت صباحاً ومساءً لحفظ هذا البلد وشعبه الصابر الذي عانى الأمرين بعدوٍّ وسُلطانٍ ظالمين على مدى نيفٍ من السنين "وجعله بلداً آمناً وأرزق أهله من الثمرات" لترتفع معها رائحة المسك من الطعام لسد جوع العاشقين الدنيوي ولإكمال مهامهم التي لجأوا إليها من تعبٍ وهمٍّ ونكدٍ ليخدم بعضهم بعضاً للوصول الى أفضل الخدمات وأجودها لنيل حُسن كرم الضيافة عند أصحاب الكرم الباقي الذين بذلوا مُهجهم من أجل إصلاح أمة جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وليتوجّه بعدها كلٌّ الى عمله المُناط إليه مُسبقاً ليتنافس مع الآخرين في خدمة ضيوف صاحب الأصبع المبتور وصاحب الأكف المقطوعة (عليهما السلام) "وفي ذلك فاليتنافس المتنافسون".
غادروا وشعارهم "كل ما لدينا من الإمام الحُسين (عليه السلام)" وما كان لله ينمو.انتهى/س
اضف تعليق