يسعى رئيس الحكومة العراقيّة حيدر العبادي إلى عقد اجتماع لقادة القوائم الفائزة في الإنتخابات التشريعيّة الأخيرة للبحث في مستقبل البلاد وآليّات تشكيل الحكومة الجديدة، إلاّ أنّ القوائم الشيعيّة الكبرى بدت متوجّسة من تلك المبادرة وتخشى الالتفاف من خلالها على الاستحقاق الدستوريّ، الذي تمثّله الكتلة البرلمانيّة الأكبر.
مع قرار المحكمة الاتحاديّة العراقيّة في 21 حزيران/يونيو، الذي قضى بإبطال قرار البرلمان في خصوص إبطال أصوات العراقيّين خارج البلد والنازحين وقوّات البيشمركة الذي تمّ التصويت عليه بداية الشهر الحاليّ، يتوقّع أن تبقى نتائج الإنتخابات كما هي، وأن تتسرّع إجراءات تشكيل الحكومة وفق القرار القضائيّ الأخير.
وكان قد أعلن رئيس الوزراء العراقيّ وزعيم إئتلاف "النصر" حيدر العبادي عزمه على استضافة قادة الكتل الفائزة في الإنتخابات الأخيرة قبل نهاية الشهر الجاري، للبحث في مسارات تشكيل الحكومة المقبلة ووضع الخطوط العريضة للمرحلة المقبلة، وقال في مؤتمر صحافيّ بـ20 حزيران/يونيو الجاري: "أطلقنا مبادرة وطنيّة قبل عيد الفطر المبارك للقاء وطنيّ واسع يضمّ كلّ الكتل السياسيّة للاتفاق على البرنامج المقبل لإدارة الدولة، وليس فقط الحكومة".
وأوضح أنّ "الاتفاق الوطنيّ يهدف إلى الإسراع في خطوات تشكيل مؤسّسات الدولة بعد الإنتخابات، وبشكل صحيح"، وقال: "هناك ترحيب واسع من قبل الكتل السياسيّة بالمبادرة التي أطلقناها للّقاء الوطنيّ".
ودعا "الكتل السياسيّة إلى أن تتعاون لتشكيل غرفة عمليّات، أو كما سمّيناها باللجنة التحضيريّة لوضع أسس أيّ اتفاق سياسيّ لبناء برنامج الدولة المقبل".
وقال المتحدّث باسم إئتلاف "النصر" حسين العادلي لـ"المونيتور": "إنّ الدعوة وجهت إلى جميع قادة الكتل الفائزة في الإنتخابات للاجتماع قبل نهاية الشهر الجاري، للاتفاق على الخطوط العريضة لتشكيل الحكومة والأطر العامّة للدولة وتجنّب دخول البلاد في الفراغ الدستوريّ".
أضاف، "إنّ إئتلاف النصر لم يحدّد وجهته في التحالفات بعد. كما لا نعتبر أنّ الكتلة الأكبر (المكلّفة دستوريّاً بتشكيل الحكومة) قد تشكّلت بعد".
وأشار إلى أنّ "العبادي يفضّل مناقشة كلّ الكتل بصورة مباشرة وجماعيّة للبحث في ملامح المرحلة المقبلة، وفق نتائج الإنتخابات".
وكان زعيم إئتلاف "سائرون" (54 مقعداً) زعيم التيّار الصدريّ في العراق السيّد مقتدى الصدر قد أعلن في 12 حزيران/يونيو الجاري تحالفه مع إئتلاف "الفتح" (47 مقعداً) بزعامة هادي العامري لتشكيل الكتلة البرلمانيّة الأكبر. وحتّى اليوم، لم تبد الكتل الشيعيّة موافقتها على حضور الاجتماع، الذي دعا إليه حيدر العبادي بحسب مصدر في كتلة "الحكمة" (19 مقعداً)، التي يتزعّمهما عمّار الحكيم، والذي أبلغ "المونيتور" أنّ "العبادي حاول إقناع الكتل الشيعيّة بالحضور، إلاّ أنّها غير مرحّبة بالفكرة، ولا ترى ما يستوجب الاجتماع قبل تسمية رئيس الوزراء الجديد في الجلسة الأولى للبرلمان الجديد، للبحث في الأسماء التي ستشارك في الحكومة".
وتوقّع المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن "يفشل العبادي في عقد اجتماعه المزمع ما لم يشكّل تحالفاً يستطيع منافسة تحالف الفتح _ سائرون".
ورأت القوائم الشيعيّة أنّ العبادي يحاول القفز على فكرة "الكتل الأكبر"، بعد أن فشل في التحالف مع مقتدى الصدر والعامري. كما لم يحسم حتّى الآن موقفه من البقاء أو الانسحاب من حزب "الدعوة" الذي يرأسه نوري المالكي زعيم إئتلاف "دولة القانون" (25 مقعداً).
بدوره، اشترط نوري المالكي أن "تكون الدعوة بحضور القوى كافّة، وأن يلتزم الجميع العمل الجادّ بهدف التوصّل إلى حلول لأزمة خطيرة يتعرّض لها البلد على أكثر من صعيد"، قبل أن يقرّر الاستجابة إلى دعوة العبادي بحسب تصريح نشره مكتبه الإعلاميّ في 16 حزيران/يوينو الجاري، فيما اشترطت كتلة الصدر (سائرون) أن يقدّم إليها العبادي دعوة "خطيّة لحضور المؤتمر، وألاّ تكون الدعوة من خلال وسائل الإعلام فحسب".
وبخلاف المواقف الشيعيّة من مبادرة العبادي، رحّبت القوى الكرديّة والسنيّة بالدعوة، وأعلنت رغبتها في الحضور، وقالت كتلة "تحالف القوى الوطنيّة"، التي تضمّ غالبيّة الكتل السنيّة في البرلمان، بـ15 حزيران/يونيو الجاري في بيان: "نرحّب بمبادرة العبادي، وهي خطوة في الاتّجاه الصحيح نحو انطلاق المشروع الوطنيّ الجامع".
ولفت القياديّ في تحالف "القرار العراقيّ" أحمد المساري خلال حديث مع "المونيتور" إلى أنّ تحالفه "يدعم طاولة حوار لقادة القوائم الفائزة في الإنتخابات، بهدف الاتفاق على أسس حلّ الأزمات التي تعاني منها البلاد"، مشيراً إلى أنّ كتلته "اطّلعت على مبادرة العبادي، فوجهتها لا تقتصر على مباحثات تشكيل الكتلة الأكبر، وإنّما تستهدف وضع برنامج عمل وطنيّ يتجاوز التخندقات الطائفيّة".
والحال، فإنّ الأيّام المقبلة ستثبت مدى قدرة الاجتماع، الذي دعا إليه العبادي، على تجاوز الخلافات ومناقشة مستقبل البلاد بمعزل عن مشروع "الكتلة الأكبر"، والراجح أنّ مبادرة العبادي هذه لا تعدو كونها "تكتيكاً" سياسيّاً يحاول العبادي من خلاله إشراك الكتل السنيّة والكرديّة في اختيار رئيس الوزراء الجديد، في ظلّ إخفاق حقيقيّ عانى منه في الأيّام الماضية وعدم قدرته على إيجاد غالبيّة برلمانيّة مريحة تضمن له ولاية ثانية، ذلك أنّ أيّ تحالف شيعيّ آخر لن يتجاوز العدد الذي وصل إليه تحالف الصدر مع العامري.
وفي المقابل، يعكس الترحيب الكرديّ والسنيّ بمبادرة العبادي، رغبة هذه القوى في أن تكون رئاسة الحكومة العراقيّة المقبلة من قبل شخصيّة توافقيّة، وألاّ تفرض الكتلة الأكبر مرشّحها على الجميع. كما أنّها لا تريد التقارب من طرف شيعيّ بعينه.
وفي حال عقد "اجتماع العبادي"، فإنّ الفائدة الحقيقيّة التي قد يحقّقها هي الاتفاق على تجنيب البلاد مرحلة الفراغ الدستوريّ، وعقد الجلسات الأولى للبرلمان الجديد مطلع الشهر المقبل، وعدم الاستمرار في حكومة "تصريف الأعمال" التي يرأسها هو العبادي.انتهى/س
اضف تعليق