يكافح العراق مرة اخرى لتشكيل حكومة جديدة بعد خمسة عشر عاماً من الغزو الامريكي، فهل تترسخ الديمقراطية؟.
ما هي الحياة اليومية للعراقيين؟
لا شك ان هناك علامات مميزة للتقدم وسط بغداد المزدحم، فالعنف في العاصمة بادنى مستوياته منذ ما يقرب من فترة، واعادة مدن وبلدات العراق تنضم الان الى انتاج النفط كواحد من اكبر قوى الاقتصاد.
في الموصل التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش لعدة سنوات حتى هُزمت الصيف الماضي، تخلصت النساء من لباسهن المتشدد، وصار بإمكانهن الاختلاط بالرجال بحرية في المرافق العامة. لكن بعد 15 عاماً من الحرب والعنف الطائفيين والارهاب وضعف القيادة تركت آثاراً عميقة على العراق وسكانه البالغ عددهم 37.2 مليون نسمة.
الفساد المستشري، اصاب ما يقرب ربع العراقيين الذين يعانون الفقر، و10% لايزالون نازحين عن ديارهم. وفي الرمادي، يعيش الآلاف في خيام بجوار انقاض منازلهم. وكثير من العراقيين يشعرون بالغبطة والغضب الشديدين من حكومتهم.
يقول ابراهيم الجنابي المسؤول الحكومي، "لاحظ الشباب يجلس بلا مال ولا منزل ولا عمل، ويبدو انه من المستحيل انه لن يبدأ بالبحث عن شخص ينقذه، ولا احد يلومه". وعلى إثر ذلك، تراجعت نسبة المشاركة في الانتخابات التي جرت في 12 آيار وهي ادنى مشاركة يسجلها العراقيون منذ عام 2003.
من فاز بالانتخابات؟
السياسة في العراق مجزأة، فكان هناك حوالي 7000 مرشح من 87 حزباً يتنافسون على 329 مقعداً في البرلمان لكنها لاتزال لا تنتج فائزين واضحين سوى مقتدى الصدر الذي قاد في يوم من الأيام فصيلاً مسلحاً ضد القوات الامريكية.
اعاد مقتدى الصدر وضعه الوطني بوصفه شخصاً يريد تخليص العراق من كل التدخلات الايرانية والامريكية. وعلى هذا النهج، حصلت كتلته على 54 مقعداً الى جانب الشيوعيين والسنة.
في المرتبة الثانية بعد الصدر، حلّ هادي العامري وهو زعيم إئتلاف الفتح، حارب العامري الى جانب القوات الامنية في الحرب ضد تنظيم داعش، وحصل على 47 مقعداً في الانتخابات الاخيرة، فيما حلّ بالمرتبة الثالثة حيدر العبادي الذي جاء تحالفه "العلماني" بـ 42 مقعداً، وهو ما يدافع عنه بقوة ليبقى رئيساً للوزراء.
اعادة فرز الاصوات التي من المتوقع ان تستغرق شهوراً، تمر بأزمة حقيقة. ويرجع ذلك الى حريق مستوع في بغداد يحتوى على ما لا يقل عن مليون بطاقة اقتراع. ومعظم الاوراق كانت بمنأى، لكن المعدات لحسابها دُمرت، حتى قال الصدر لخصومه انهم كانوا يحاولون إفساد انتصاره "تحاول احزاب معينة جر العراق الى حرب اهلية".
لماذا لا يوجد قادة جدد؟
هناك الكثير من المرشحات الجدد بفضل حصة 25 في المائة بالبرلمان. لكن الرجال الذين يسيطرون على السياسة العراقية منذ الاطاحة بنظام صدام حسين، لايزال يؤسس لمجتمع بعيد عن الديمقراطية، لذا لم يتمكن المعتدلون العلمانيون من انشاء حركات سياسية قوية.
وفي اماكن مثل الموصل يقول ريناد منصور: "من المرجح ان يحكم مرة اخرى نفس القادة الذين حرضوا على الخلل السياسي قبل سيطرة داعش على المدينة"، فإن ثلث العراقيين العاملين يعملون ببيرقراطية عالية ويمكن القيام بمختلف الامتيازات لصالحهم. ولهذا السبب يقول المحلل حسين إيبش: إن "جميع الاطراف تحاول الانضمام الى اي حكومة تُظهر نية الحصول على حصتها من الكعكة".
ماذا عن الأكراد؟
كان الاكراد العراقيون يعيشون انتكاسة العام الماضي، نتيجة الاستفتاء على استقلال اقليم كردستان الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي. تم اجراء التصويت ضد رغبات الحكومة العراقية وحلفاء الاكراد الاجانب بما فيهم الولايات المتحدة التي ربما فقدت نفوذها السياسي الكبير داخل العراق.
كان للأكراد العراقيين انتكاسات كبيرة في العام الماضي. وأدى استفتاء سبتمبر على استقلال إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي إلى فوز مدوي للحركة المؤيدة للاستقلال.
في الشهر التالي، سيطرت القوات العراقية على مدينة كركوك التي كانت كردستان تقول إنها من حصتها نظراً لحقولها الغنية بالنفط. وفي انتخابات آيار الماضي، فاز الحزبان الرئيسيان الكرديان بمقاعد بالبرلمان مجموعها 43 مقعداً.
إلى متى ستبقى القوات الأمريكية بالعراق؟
يقول البنتاغون ان حوالي 5200 جندي امريكي يخدمون في العراق، والسجلات العسكرية تظهر ان وجود 9000 جندي امريكي يقومون حالياً بمساعدة وتدريب الجيش العراقي في مكافحة الارهاب وامن الحدود والشرطة.
ويحاول الصدر هنا، ان يلعب صانع الملوك بالحكومة القادمة مروجاً لرسالة مفادها "العراق اولاً". ومن هذا المبدأ يريد الصدر إخراج القوات الاجنبية، لانه يعتقد ان لا بناء لعراق تكنوقراطي بوجود قوات اجنبية وليس سياسيين بادارة وزارات حكومية. والهدف - بحسب رأيه - إنهاء نظام المحسوبية الطائفية التي ابقت العراق منقسماً فاسداً.
ويقول حارث حسن الباحث العراقي "لكل فصيل سياسي تقريباً له جناح عسكري، وهنا تبدو عملية السلام محفوفة بالمخاطر، ومازال الوقت مبكراً للاحتفال بالديمقراطية".
ثمن إعادة البناء
مدينة الموصل وغيرها تحولت الى مدن ركام في الحرب ضد داعش، ولايزال مئات الالاف من سكانها يعيشون في المخيمات بينما ينتظرون وصول الاموال لاعادة بناء البنية التحتية لان اكثر من 70٪ من الموصل مدمرة.
في شهر شباط الماضي، طلب العراق من مؤتمر المانحين الدولي مساعدات بقيمة 88 مليار دولار، لم يحصل من هذا المبلغ سوى 30 مليار معظمها من الدول العربية على شكل قروض.
وتحت قيادة نائب الرئيس مايك بنس، قامت الولايات المتحدة ايضاً بإعادة التفاوض على تمويلها برنامج الامم المتحدة للتنمية هذا العام، مما تطلب الحصول على مبلغ 60 مليون دولار من شريحة قدرها 150 مليون دولار تذهب الى السكان المسيحيين البسطاء في العراق.
وقال بنس: "المسيحيون يتعرضون لهجوم غير مسبوق على تلك الاراضي، واذا لم يتم اعادة بناء الموصل قريباً فإن سكانها سيشعرون بأن الحكومة الجديدة قد تخلت عنهم وسيؤدي هذا الحال الى ظهور الارهاب مجددا".انتهى/س
اضف تعليق