رغم توجيه اتهامات بمسؤولية تنظيم داعش عن حوادث الخطف والقتل المتكررة التي شهدها العراق خلال الفترة الماضية، فإن قيادات عسكرية وسياسية يصرون على أن قوة هذا التنظيم الإرهابي قد انتهت فعليا بالعراق وإلى الأبد مع إعلان النصر عليه نهاية العام الماضي، وألمحوا إلى استغلال أطراف سياسية لهذه الحوادث لتحقيق أهداف ومصالح خاصة بها.
وأكد القائد في جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي انتهاء داعش كتنظيم مسلح يملك مقار ومواقع ودواوين للأبد، وشدد على أن ما تبقى منه مجرد مجموعات محدودة جدا.
وقال الساعدي، في اتصال مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) :"رغم محدودية هذه العناصر وعملياتها، إلا أنها تسعى لإحداث أكبر قدر من الصدمة بالشارع العراقي... حيث تركز هذه العناصر على تنفيذ عمليات خطف وقتل لمدنيين عزل من مناطق حدودية ونائية في أغلب الأوقات من أجل إيهام الناس بأن التنظيم مستمر وله وجوده".
وشدد في الوقت نفسه على أن "أي مراقب للمشهد العراقي يدرك أنه لا يمكن فصل الوضع السياسي بتجاذباته عن الوضع الأمني"، مشيرا في هذا الصدد إلى عدم استبعاده لجوء بعض الكيانات السياسية، وما يتبعها من فصائل للتضخيم من خطر داعش لتبرر استمرار تمسكها بالسلاح، وقال :"بالتأكيد هناك مصالح في هذا الصدد... ولكن العراقيين يعرفون جيدا أن الوضع الأمني مستقر جدا عن السنوات الماضية، وبالتالي لن تنطلي عليهم أي حجج".
واستنكر الساعدي بشدة ما يزعمه البعض من أن الرغبة في إعلان النصر السريع على داعش قد مكن أعدادا من عناصره من الهرب، ومن ثم ترتيب صفوفهم والعودة مجددا لتنفيذ هجمات، وشدد على أن "هذا ليس صحيحا... فمعركة الموصل استغرقت سنة تقريبا وليس يوما أو شهرا، أي أن المعركة لم تكن سريعة أو تم حسمها على عجل".
إلا أنه أقر باحتمال فرار عناصر من التنظيم خاصة من العراقيين خلال عمليات نزوح المدنيين وتحديدا من الموصل وقضاء الحويجة، وقال :"ربما تمكن جزء من الدواعش من الهرب حينذاك، ولكن هذا مرجعه بالموصل إلى أن قوات الأمن لم تكن لديها معلومات كافية عن انتماءات النازحين، بعدما ظلت المدينة تحت قبضة داعش لنحو عامين... لكن مع انطلاق العمليات بدأت الأمور تتضح لدينا بعد تعاون الكثير من الأهالي في الإرشاد عن عناصر التنظيم... وربما تمكن البعض أيضا من الهرب خلال تحرير قضاء الحويجة لأن بعض المناطق بين تكريت والحويجة هي مناطق صحراوية وعرة... لكن هذا ليس سببا للتشكيك في مسار كل العمليات".
وردا على المشككين في عدد قتلى التنظيم خلال معارك التحرير أو حتى من تم توقيفه من عناصر التنظيم، قال :"صورنا الآلاف من جثث عناصر التنظيم، ولكن لا يمكننا كجهات أمنية عرضها بالإعلام لتعارض ذلك مع حقوق الإنسان... كما أن المئات من عناصر داعش يمثلون حاليا أمام القضاء، والبعض صدرت بحقهم أحكام بالفعل".
وتابع: "لا ننشر كل ما نقوم به بالإعلام، فالأجهزة الأمنية على اختلافها تقوم بعمليات استباقية كثيرة لضرب مخططات بقايا هذا التنظيم، ولا يتم الإعلان عنها".
وحول تقديره للأعداد المتبقية من داعش ومصادر تمويلهم وتسليحهم ومواقع تمركزهم، قال الساعدي: "لا يمكننا إعطاء أرقام ولو تقريبية ... لكنهم بكل الأحوال مجموعات متفرقة أعدادهم قليلة جدا، فطبيعة العمليات التي تجري حاليا تدل على أن العناصر المنفذة لها في كل مرة لا يزيدون على العشرة أو الخمسة عشر، وهم لا يحتاجون لتمويل كبير لتنفيذ تلك العمليات".
واستطرد :"أما السلاح، فربما لا يزال لديهم بعض المخابئ والأنفاق، فقد سيطروا على مساحات واسعة من البلاد لفترة غير قليلة"، مشيرا إلى أنهم "يتمركزون بمناطق صحراوية وعرة كمناطق غرب سامراء وشرق الأنبار والمنطقة الواقعة بين صلاح الدين وتكريت، والتي تضم سلسلة جبال حمرين".
وتشهد المناطق بين محافظات صلاح الدين والأنبار ونينوى عمليات ينفذها عناصر من تنظيم داعش من حين لآخر ضد القوات الأمنية والمدنيين.
وكان العبادي حذر مؤخرا من "التضخيم ونشر الأكاذيب الكبيرة بشأن قيام داعش بعمليات إرهابية" واعتبر أن هذا يخدم "من يريد إيصال الوضع السياسي إلى نقطة اللاعودة كي يسيطر هو وفساده وسرقاته".
من جانبه، دعا قائد عمليات ديالي الفريق الركن مزهر العزاوي الجميع وتحديدا وسائل الإعلام لعدم المبالغة بشأن ما تقوم به المجموعات المتبقية من التنظيم أو تصوير الأمر وكأن العراق يعود إلى مربعه الأول في مواجهته.
واعتبر العزاوي، في اتصال أن المبالغة الإعلامية في التركيز على ما يقوم به عناصر التنظيم من حوادث "يحقق الهدف الرئيسي الذي يسعى اليه هؤلاء الإرهابيون وهو الإيهام باستمرار قوة تنظيمهم الرئيسي، وهو ما ليس حقيقيا على الإطلاق".
وتابع :"تنظيم داعش انتهى في معارك التحرير... وما تبقى من عناصره يتحصنون بأماكن حدودية نائية وجبال وكهوف... لا حاضنة شعبية لهم... فأفعالهم الدنيئة كشفتهم أمام الجميع".
من جهته، قلل محافظ صلاح الدين أحمد الجبوري بدرجة كبيرة مما تردد مؤخرا بشأن احتمال تعرض المحافظة لهجوم وشيك من قبل عناصر داعش.
وقال، في اتصال مع (د.ب.أ) :"الوضع الأمني جيد جدا بالمحافظة، ولكن هناك عناصر متبقية من داعش تتواجد بمناطق تماس حدودنا مع محافظات أخرى أو بالجبال وبالمقابر... وهذا ما دفع بعض قيادات مجلس المحافظة للتخوف من أن تقوم هذه العناصر بمهاجمتنا".
واستطرد: "لكن بتقديري، تم تضخيم المخاوف بدرجة كبيرة، إذ لا يوجد خطر محدق نتعرض له... فمن ناحية، يفرض الأمن سيطرته ويتخذ ما يلزم ليظل ممسكا بزمام المبادرة في المباغتة، ومن ناحية أخرى يتعاون المواطنون مع الأمن في الإبلاغ عن أي تهديد".
وشدد :"نحن لم ننكر وجود مشكلة بحدودنا مع أكثر من محافظة مجاورة لنا ... ونرى أنها والحدود العراقية السورية تتطلبان المزيد من الجهد العسكري لتفويت الفرصة على أي تسلل قد يحدث بها... وفي الوقت نفسه ندعو الجميع لضرورة إدراك ضخامة مساحة العراق... مساحة صلاح الدين فقط تتجاوز 24 ألف كيلومتر مربع... وهذا يشكل عبئا إضافيا على القطاعات الأمنية المختلفة. ومع ذلك، هي تقوم بأكثر مما في طاقتها وتحبط الكثير من الضربات الإرهابية".
أما رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، والمقرب من العبادي، فيرى أن ما تبقى من مجموعات تابعة لداعش قد كثفت عملياتها لإضافة المزيد من الإرباك للوضع الداخلي المتوتر أصلا جراء التجاذبات التي تشهدها الساحة العراقية منذ الانتخابات التشريعية.
واستنكر الشمري، في اتصال مع (د.ب.أ)، سعي جهات سياسية لتوظيف الحوادث الإرهابية لخدمة مصالحها السياسية. وقال إن البعض "يحاولون إضعاف الأمن والدولة عبر تضخيم الحوادث"، ملمحا إلى احتمال ارتباطهم بأجندات خارجية.
وتابع أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد :"كلما اقتربنا من تحديد اسم رئيس الوزراء القادم، فقد نفاجأ بمزيد من التهويل، حول تدهور الوضع الأمني، من قِبل قوى سياسية فشلت في الوصول للناس عبر الانتخابات الأخيرة أو من قوى لها مطامع بمنصب رئيس الوزراء".
واعتبر أن "الهدف من هذه المبالغات هو إظهار عجز الدولة بقيادتها الحالية، أي العبادي، عن مجابهة تلك العصابات الإجرامية... أي أنه إسقاط سياسي يستهدف شخص العبادي، لأنهم جميعا يعرفون أنه الأوفر حظا للفوز بمنصب رئيس الحكومة العراقية الجديدة". انتهى/خ.
اضف تعليق