قولون إن أجمل ما تحمله الرياضة عامة، وكرة القدم بالأخص، هو الروح الرياضية؛ أخلاق النبلاء التي تجعلك تحترم خصمك، سواء كنت أقوى منه، أو كان أقوى منك. وهناك عُرف سائد في عالم كرة القدم بتبادل التحيّات بين المتنافسين قبل اللقاء وبعده، بغض النظر عن النتيجة، وموقع كل فريق من المكسب أو الخسارة. في العراق وفي عصر الدكتاتور المقبور صدام حسين كان هناك شخص مجنون بكرة القدم، يعشقها ويعشق متابعتها، ولا يقبل الهزيمة أبدًا.
هذه الأوصاف نجد أنها تطلق بشكل مجازي على الكثير من نجوم كرة القدم الذين يعشقون الفوز بطبيعتهم، ولا يرضون بغيره ما دامت تنبض قلوبهم بالحياة، لكننا نقصد هنا جنونًا حرفيًا للدقة؛ إذ كان مجنونُ كرة القدم الذي نتحدث عنه يمتلك حيوات اللاعبين بين يديه؛ فهو الابن الأكبر لصدام حسين الذي حكم البلاد بالحديد والنار. كان عدي صدام حسين رئيسًا للجنة الأولمبية؛ وهو المنصب الذي جعله مسئولًا عن كل الرياضات في الدولة العراقية، في الوقت الذي لم يكن ليكبح جماح ميوله السادية شيء، بحسب ما وصفه لاعبو المنتخب العراقي لكرة القدم.
كرة القدم عند عُدي صدام حسين.. الفوز أو الفوز
كل من يعشق كرة القدم يعرف بالضرورة ما يعنيه إهدار لاعب لركلة جزاء مصيرية لفريقه، أو لمنتخب بلاده، وكذلك التسبب بهدف يدخل مرمى الفريق؛ فيتسبب في فقدان بطولة، وارتسام الحسرة والحزن على ملامح الملايين من الجماهير العاشقة، لكن هل يمكن مقارنة ذلك عندما تكون حياتك وأمنك الشخصي على المحك؟ هذا ما اختبره لاعبو المنتخب العراقي في كل مباراة رسمية يخوضها الفريق في تلك الحقبة التي كان عُدي مسئولًا فيها عن نشاط المنتخب الوطني العراقي.
اعتقد عدي أن أداء المنتخب العراقي يعكس سمعة البلاد، فكان يأخذ مسألة الفوز وتقديم الأداء المشرف على محمل الجد، ربما أكثر مما يحتمله الأمر في الواقع. كان عدي لا يفضّل أن يترك دوافع اللاعبين يشكلها حب الوطن والانتماء للشعب العراقي مثل بقية لاعبي منتخبات العالم، لكنه كان يتوعد اللاعبين بالعذاب والعقوبات البدنية المخيفة.
يروى بعض لاعبي المنتخب العراقي لصحيفة "الجارديان" أن عدي كان يتوعدهم حال الخسارة بقطع أرجلهم، ورميهم في أقفاص للكلاب المفترسة. كانت اللائحة التي تحكم الفريق أكثر من قاسية؛ فكان غياب أي لاعب عن الحصة التدريبية للمنتخب لأي سبب يعني دخول السجن بشكل فوري.
عدي يكره الخسارة، وكان هذا الأمر يضع اللاعبين تحت ضغط لا يمكن تحمله، وقد كانت الخسارة تعني أن اللاعبين سيواجهون حصصًا مستمرّة من الجلد بالأسلاك المخصصة للتوصيلات الكهربائية، أو ربما كانت الأمور تنتهي بإرغام اللاعبين على الغوص في مياه الصرف الصحي القذرة، بينما جروحهم المفتوحة نتيجة الجلد بأسلاك الكهرباء لم تلتئم بعد.
في السجن لن تلعب بكرة قدم تقليدية!
السجن كان العقوبة التقليدية الأقل وطأة بين كل العقوبات التي كان يستخدمها عُدي لإرهاب اللاعبين وإجبارهم على الفوز في كل اللقاءات. يقول مدرب المنتخب الوطني العراقي في فترة عدي، إيمانويل بابا (الشهير بعمو بابا): "إن اللاعبين كانوا مجبرين على مشاهدة فيديو قبل اللقاءات لعدي، بينما يتوعدهم فيه بالعقوبات الشديدة إن لم يحققوا الفوز. كان تأثير هذا الإرهاب مدمرًا على اللاعبين". يقول أحمد راضي، اللاعب السابق للمنتخب الوطني العراقي: "لم نكن قادرين على اللعب بشكل جيد في بعض الأحيان؛ وذلك بسبب التفكير في ما يمكن أن يحدث لنا إن فشلنا في تحقيق الفوز".
كانت إحدى التقاليد العقابية الشهيرة التي تهدف لإذلال اللاعبين حلق شعر الرأس بالكامل، بينما كان العقاب المخيف والمؤلم بالنسبة للاعبين، والذي يأتي مع عقوبة السجن، هو أن يُجبر اللاعبون على ممارسة رياضة كرة القدم، ولكن ليس بكرة القدم التقليدية: في هذه المباريات التي تمارَس في حديقة السجن، وفي درجات الحرارة الحارقة، كانت الكرة مصنوعة من الأسمنت المستخدم في عمليات البناء!
إحصاءات المباريات لم تكن لتحليل أداء اللاعبين
تهتمّ الإدارات الفنية لفرق كرة القدم منذ زمن بعيد بإحصاءات المباريات من أجل تحقيق أكبر قدرة على تحليل نقاط الضعف والقوة لدى الفرق، وكذلك الخصوم. هذه الإحصاءات تصنع الرؤية الدقيقة التي يعتمد عليها المدرب من أجل العمل على تطوير كل لاعب بشكل فردي على تفادي نقاط ضعفه، وتدعيم نقاط القوة لديه.
أما في المنتخب الوطني فكانت الأمور مختلفة بالكامل؛ فكانت الإحصاءات تتم من أجل الوقوف على أكثر اللاعبين إهدارًا للكرات المرسلة إلى الزملاء؛ وذلك لمعرفة عدد اللطمات أو الجلدات التي سيتلقاها اللاعب الذي لم يقدم الأداء المنتظر منه. كان اللاعب الذي يمرّر عددًا كبيرًا من التمريرات الخطأ على موعد مع حصة خاصة من التعذيب والإذلال، فكان يجتمع به عُدي بنفسه في غرفة خلع الملابس، ويعاقبه أو يصفعه على كل تمريرة خاطئة صنعها في اللقاء.
كان أعضاء الفريق الوطني لا يحصلون على نفس القدر من التعذيب، رغم أنهم جميعًا كانوا يتلقون كل أنواع التعذيب التي خرجت قصصها المرعبة إلى العالم عقب انتهاء عصر الدكتاتورية. المدرّب المخضرم للمنتخب، إيمانويل بابا، والذي كان فيما يبدو يمتلك علاقة معقدة مع عدي صدام حسين. يروي – إيمانويل – أن عديًا كان يتحدث إليه بنبرة تحمل أقسى أنواع التهديد، وهو التهديد بالقتل المباشر.
يقول إيمانويل: إن عدي قال له ذات مرة "إن خسرت فأنت تعلم ماذا سأفعل بك؛ سوف أقتلك. سوف أقتلك". إيمانويل بابا كان المدرب للمنتخب الوطني في فترات طويلة من عصر عدي، لكنه كان مصدر قلق وغيرة لعدي بسبب شعبيته الطاغية بين جماهير المنتخب العراقي. كان عدي دائمًا ما يقيله عند أية هزيمة، لكنه كان سرعان ما يعيده عندما لا تسير الأمور كما تخيلها، أقال عدي إيمانويل من تدريب المنتخبات العراقية ثم أعاد تعيينه 19 مرة في أثناء إشرافه على المنتخب العراقي.
مقر اللجنة الأوليمبية.. بوابة لسجون العصور الوسطى
يقع مقر اللجنة الأولمبية العراقية في الجانب الشرقي من بغداد، وقد تم إحراقه عقب سقوط الطاغية. ظهرت الكثير من القصص التي تحكي حالات التعذيب الوحشي التي كانت تتم في أرجاء هذا المبنى الرسمي. يقول حبيب جعفر، لاعب المنتخب العراقي السابق، عندما ذهب إلى مقر اللجنة عقب انتهاء عصر عدي: "فقط المجيء إلى هذه البوابة يشعرني بالخوف. في الكثير من الأحيان عندما أصل هنا كنت أعلم أن أيامًا من التعذيب تنتظرني".
تم تجهيز المبنى بمجموعة غريبة من أدوات التعذيب التي كانت أكثر من كافية لإلقاء الرعب في قلوب كل أعضاء المنتخب العراقي من أن يلقوا مصير الاحتجاز داخل مقر اللجنة. أحد أغرب هذه الأدوات المخصصة للتعذيب كان تابوتًا معدنيًا مزودًا بمسامير متجهة إلى الداخل، وموزعة على السطح الداخلي للتابوت والغطاء الخاص به، وكان هذا التابوت يتسبب في إصابات بثقوب في جلد الضحايا، إضافة إلى الاختناق الناتج عن نقص الأكسجين.
جهاز آخر تحدث عنه بعض الشهود، وهو إطار معدني كان يوضع داخله اللاعب، ويُربط عند القدم، وحلقات معدنية لتثبيت الكتفين، مع نقاط توصيل الأسلاك يتم من خلالها إرسال شحنات كهربائية إلى جسد اللاعب المعلق في الهواء.
بدأت اللجنة الأولمبية الدولية بالتحقيق في بعض التقارير المنشورة عن عمليات الإذلال والتعذيب التي كانت تحدث في مقر اللجنة الأولمبية العراقية، وقد أصدرت اللجنة توصياتها عبر لجنة القيم بالاستبدال بكل المسؤولين في اللجنة أشخاصًا ليس لهم أي سوابق في التعذيب، أو أي انتهاكات حدثت في عصر عدي صدام. كانت اللجنة الأولمبية العراقية قد عرضت مجموعة من هذه الأجهزة التي كانت شاهدة على التعذيب الوحشي الذي تعرض له الرياضيون في عصر عدي صدام عام 2004. انتهى/خ.
المصدر: ساسة بوست
اضف تعليق