يعد موضوع شحة المياه من اخطر ملفات الدولة واهمها، لان توفير الامن الاقتصادي والغذائي مرتبط بتوفير الامن المائي وأهميته القصوى في حياة الانسانية وبقاءها واستمرارها.
والذي لم يدركه على ما يبدو المسئوولين والمعنيين بهذا الشأن في الحكومات المتعاقبة منذ 2003 الى يومنا هذا، بالرغم من المطالبات الكثيرة من المواطنين المتضررين من شحة المياه، وآخرها ما سجلته جمعية الهلال الاحمر العراقي يوم السبت، عن نزوح 1500 عائلة من مناطق سكناها في اماكن متفرقة من بابل.
حيث اكد، مدير فرع الجمعية في بابل امير كامل المعموري، ان "كوادر جمعية الهلال الاحمر العراقي ومن خلال عملها الإنساني مع المواطنين سجلت نزوح 1500 عائلة من مناطق سكناها في المحافظة بسبب شحة المياه وضنك العيش وانعدام فرص العمل"، لافتا الى، ان "شحة المياه تعد الأكثر تاثيرا على المدنيين في المحافظة وتحديدا سكنة المناطق النائية بعد ان تسببت بجفاف الأراضي وهلاك المزروعات وإعاقة عملية تربية المواشي التي تعد المصدر الوحيد للكثير من المناطق النائية في بابل".
وأشار المعموري الى، ان "عملية النزوح تركزت في مناطق الحراكصة والسويد التابعة لناحية المدحتية جنوب الحلة بالاضافة الى مناطق سرديب والاخاء والحسينية والنيليات التابعة لناحية النيل شمالي بابل فضلا عن مناطق اخرى تابعة لناحية الطليعة أقصى جنوبي الحلة أيضا".
شحة المياه وآثارها على الزراعة
وفي سياقٍ متصل، أكد النائب عن تيار الحكمة فرات التميمي، ان"الخطة الزراعية الجديدة التي أعلنت عنها وزارة الزراعة من خلال تقليص المساحات المزروعة نتيجة شح المياه ستكون سبباً في خسارة العراق من المنتوج المحلي بما نسبته مابين 35-40%".
واضاف، ان "محصول الحنطة سينخفض انتاجه بنسبة 50% ما يجعله غير كافٍ لسد النقص بمفردات البطاقة التموينية وهذا معناه الاستيراد واستنزاف العملة الصعبة"، مشيرا الى، ان"الخطة المطبقة سيكون لها تأثيرات أيضاً على الأيدي العاملة حيث سترتفع نسبة البطالة بشكل كبير ما يؤدي إلى زيادة الطلب على الوظائف والهجرة من الريف الى المدينة وكذلك التخفيض سيؤثر سلباً على كمية انتاج الرز والشعير إضافة إلى عدد من المحاصيل والخضار المحلية ويرفع نسبة الاعتماد على المستورد".
فيما اعلن مدير مكتب المفوضية العليا لحقوق الانسان في البصرة مهدي التميمي، في 22 ايلول 2018، الى ان "محافظة البصرة تعاني من إهمال حكومي لم تشهده حتى الدول الفقيرة، حيث تعرضت في الآونة الاخيرة لتلوث وشحة في المياه اسفرت عن اصابة اكثر من ٨٠ الف شخص بالتلوث".
اسباب وحلول شحة المياه
تشكل فريق بحثي عراقي وسويدي وألماني كمساهمة من علماء وخبراء لحل مشكلة المياه المزمنة في العراق، مكوّن من البروفيسور نظير الأنصاري نصرت ادمو فاروجان سيساكيان والبروفسور سفين كنتسون والبروفسور جان لاوي والدكتور صادق باقر الجواد، وتم نشر عشرة بحوث، اهتمت بدراسة الوضع المائي في العراق ومشاكله، والموارد المائية لأحواض نهري دجلة والفرات، وجودة مياهها، وأثار تغير المناخ على بيئة العراق، ومستقبل موارده المائية، وجيولوجيا نهري دجلة والفرات، مع إعطاء نظرة مستقبلية عنها.
واليكم مايلي الاسباب والحلول كما اشار لها الباحثون
تداخل عوامل خارجية وداخلية
دلت البحوث الى إن "مشروع جنوب شرقي الأناضول" في تركيا يوفر قرابة 98 بليون متر مكعب من المياه لتركيا، وحاجتها من المياه بقرابة 3 أضعاف. وعند اكتمال "سد اليسو" التركي، يتقلص جريان مياه نهر دجلة بحدود 47 %.
ولاحظت البحوث أن أيران عملت على تحــويل مــياه نهري "كارون" و "كرخة" كلها، وكذلك الوديان الجانبيّة على فروع نهر دجــلة، ما ترافق مع تقلص حصة العراق من مياه نهر الفرات بقرابة 95 في المئة.
واعتبرت البحوث أيضاً أن تلك التغيرات في جريان دجلة والفرات تؤدي الى تحويل مئات الآلاف من الأراضي الزراعية الى أراضٍ صحراوية. كما لاحظت أن مشاريع الري في تركيا وسورية، أثّرت كثيراً على نوعية مياه نهري دجلة والفرات. إذ تحوي مياه الفرات عند الحدود السورية والعراقية أملاحاً بنحو 600 جزء بالمليون، ويستمر المعدل بالارتفاع جنوباً ليتعدى 1600 جزء بالمليون.
ولا تزال مياه نهر دجلة مقبولة لغاية مدينة بغداد، وبعدها تزداد كمية الأملاح الذائبة لتلامس الـ700 جزء بالمليون عند مدينة العمارة.
وتساهم عوامل داخلية عدة في تلك الصورة إذ يفتقر العراق إلى خطة استراتيجية لإدارة المياه، على الرغم من ادعاء وزارة الموارد المائيّة بوجودها، فيما تغيب الدلائل عن وجودها وتطبيقها. وكذلك لا تبذل الوزارة جهداً مناسباً للحوار مع دول الجوار حول تأمين حصص العراق المائيّة.
وكذلك يلاحظ عزوف الوزارة عن الاهتمام المناسب بعمليات صيانة مشاريع الري والتصريف. وفي ظل غياب خطط ملائمة لتشغيل السدود، وقد وصل الخزين المائي فيها حاضراً إلى أدنى مستوياته. كما ضاعت كميات هائلة من المياه نتيجة إعمار أراضٍ ضحلة.
أسباب الخلاف بين الدول المتشاطئة
يرى الباحثون أن دراسة المشكلات الخارجية والداخلية تستوجب التعرف على أسباب الخلاف بين الدول المتشاطئة، التي يمكن تلخيصها على النحو التالي:
1- توافر المياه: نتيجة التنافس بين تلك الدول نجد أن ادعاءاتها لما تحتاجه كل منها على حدة من مياه دجلة والفرات، يفوق إيرادات النهرين سويّة!
2- النمو السكاني: يعتبر معدل النمو السكاني في تلك الدول عالياً، ما يفرض تزايداً في حاجتها للمياه مع مرور الزمن.
3- الطاقة: يعتمد العراق على البترول بشكلٍ أساسي لتوليد الطاقة، فيما تعتمده سورية جزئياً، كما ترغب تركيا في استخدام مصادر المياه لتوليد الطاقة لأن ذلك يقلل استيرادها للنفط.
4- إدارة المياه: هناك هدر كبير للمياه نتيجة تمسك تلك الدول بالطرق القديمة للري والإنتاج الزراعي.
5- التطوّر الصناعي: تمر الدول المتشاطئة بمرحلة تطور صناعي كبير، الأمر الذي أدى إلى هجرة الملايين من الريف إلى المدن، مع زيادة كميات المياه المستهلكة بشكلٍ كبير.
6- التطوّر التكنولوجي: نتيجة التطور التكنولوجي، تحاول الدول المتشاطئة بناء أعداد كبيرة من السدود، تحت مبررات مختلفة. وأدى ذلك إلى ضياع كميات هائلة من المياه نتيجة التبخر من خزانات تلك السدود، خصوصاً مع ارتفاع درجة الحرارة في المنطقة.
7- عدم فاعلية القانون الدولي: تحاول كل دولة استثمار أكبر كمية ممكنة من المياه، بغض النظر عن تأثير ذلك على الدول الأخرى. ويلاحظ أن تركيا من بين 3 دول صوتت في الأمم المتحدة ضد القانون الدولي الخاص الذي صدر عام 1997. ويحتوي القانون ثغرات كبيرة، ولا يلزم تركيا بأحكامه، فتتصرف كأن القانون غير موجود.
8- التوعية الجماهيرية: لا توجد برامج للتوعية الجماهيرية في تركيا وسورية والعراق بأهمية المياه وكيفية المحافظة عليها، ما يترافق مع هدرٍ كبيرٍ للمياه من قبل المواطنين.
الحكومة مدعوة الى الاهتمام بخطط المختصين
تقترح البحوث العشرة المشار إليها آنفاً، مجموعة من الحلول لأزمة المياه في العراق، يمكن تلخيصها بما يلي:
أ- إجراء مباحثات جدية بين الدول المعنية بوجود وسيط دولي. يجدر اختيار الوسيط وفق شروط مهمة تشمل القدرات الماليّة والتكنولوجيّة التي يمكنه تقديمها لمساعدة الدول المتحاورة، إضافة إلى تأثيره السياسي عالمياً.
والأرجح أن تلك الشروط تتوفر لدى بعض مؤسسات قليلة (البنك الدولي، الأمم المتحدة...)، أو دول من وزن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وعند إجراء المباحثات، يفضّل أن يقدم العراق محفزات للجانب التركي من أجل المشاركة الفعلية فيها، كتقديم سعر مخفض للنفط المستورد من العراق. ولفتت البحوث إلى أن مشاركة تركيا في الاجتماعات عن المياه منذ سبعينات القرن العشرين، لم تزد عن كونها رفعاً للعتب.
ب - إعداد خطة استراتيجية لإدارة المياه بمشاركة كل الدول المتشاطئة مع العراق، مع العمل على ضمان الإلزامية في التنفيذ بعيداً من متغيّرات السياسة.
ويقترح الباحثون أن تشمل استراتيجية إدارة المياه بين العراق والدول المتشاطئة معها، المحاور التالية:
* رؤية لإدارة المياه:
- يجب مشاركة الخبراء والاستشاريين، والجامعات والوزارات المختصة، والمنظمات غير الحكومية المعنية، وممثلي المنظمات الدولية.
- إعادة تأهيل المؤسسات المعنية بالمياه، وتحديث محطات التنقية وشبكات الري والتوزيع.
- وضع برامج توعية جماهيرية، وأخرى لتدريب العاملين فيها.
-الأخذ في الاعتبار العرض والطلب، والاستفادة من الموارد غير التقليدية، كالمياه العادمة المعالجة، والحصاد المائي.
- تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في مجال المياه.
* في الزراعة والري:
- اعتماد اللامركزية في الإدارة.
- استخدام الطرق الحديثة التي تقلل فقدان المياه.
- تطوير شبكات الري وتوزيع المياه، ومحاولة استخدام القنوات المغلّفة لتقليل ضياع المياه.
- تقليل استخدام الأسمدة الكيماوية.
- تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار الزراعي.
* التزويد المائي والصرف الصحي:
- معالجة الرشح من شبكات الصرف الصحي.
- تطوير الخدمات باستخدام التكنولوجيا الحديثة.
- إنشاء شبكات صرف صحي للمناطق التي تفتقدها.
- إنشاء محطات تنقية للمياه العادمة.
* البحث والتطوير:
- إنشاء بنك واسع للمعلومات عن المياه، ووضعه في متناول أيدي الباحثين وطلبة الدراسات العليا.
- إجراء بحوث ريادية عن الاستفادة من التكنولوجيا المتطورة واستخداماتها.
- إجراء تجارب ريادية عن الطرق غير التقليدية لجمع المياه.
-وضع برامج توعية عن الزراعة المتطورة.
- الاستفادة من المياه الجوفية.
اضف تعليق