يروي صديقا حادثة استضافته لأستاذه مساعدة للكيمياء الجوية تدعى كاتي كاهيل زارت العراق مؤخرا عندما صرخت بعد استنشاقها هواء العراق: "يا إلهي لم أر هواء بهذا السوء من قبل!".
اذ تقول كاهيل بعد ثلاث سنوات خصصتها لدراسة العراق وافغانستان، بان "هواء العراق الأسوأ الذي رأته خلال عقود من البحث في كل إرجاء العالم".
ما صرحت به كاهيل لم يكن مستغرب من قبل الكثير من العراقيين بعد تصنيف منظمات البيئة العالمية بغداد مؤخرا، بأنها واحدة من أسوء المدن للعيش في العالم، فان باحثة في الكيمياء الجوية اعتبرت العراق المنطقة الأكثر تلوثاً في العالم.
مديات التلوث الغير مكترث بها حكومياً صنفت العراق بالمنطقة الأكثر خطورة صحيا بعد إحصاء أكثر من (25.66) ألف حالة إصابة بمرض السرطان في العراق خلال عام واحد فقط بحسب منظمة الصحة العالمية، فيما أوردت جريدة الوفد المصرية تقريرا لها في يوليو/تموز عام 2017 قالت فيه إن مستشفى الإشعاع والطب الذري في بغداد تستقبل (12000) حالة سنويا تقريبا، وهو رقم لم يبلغه أي بلد في العالم سوى اليابان بعد إلقاء القنبلة الذرية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي في أغسطس/آب عام 1945، بحسب وصف الصحيفة.
مدير أعلام دائرة صحة الرصافة ببغداد الدكتور قاسم عبد الهادي، أشار إلى أن "مسببات الإمراض السرطانية في العراق تجاوزت حدود تلوث الهواء وان كان مسببا أولا لانتشارها مع تلوث التربة بالمواد والإشعاعات الذرية بسبب الحروب، لافتا إلى وجود مسببات أخرى واكبت تطور العصر منها الإقبال على الأكلات السريعة وهي احد أهم مسببات أمراض سرطان القالون والمعدة.
وأضاف عبد الهادي، "السنوات الأخيرة شهدت مسببات جديدة لانتشار الأمراض المعدية والخطيرة منها عدم اخذ الحيطة لعمال مصافي النفط او العاملين في مركز تعبئة الوقود ما افرزته من انتشار لأمراض سرطان الرئة".
عبد الهادي أشار الى وجود "حالة من التصدي لبعض الإمراض من خلال برامج التوعية التي تطلقها وزارة الصحة لكن بالعموم فان ارتفاع الإمراض السرطانية والخطرة زادت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة". مؤكداً ارتفاع نسب تلك الإمراض في منطقة جسر ديالى بما يعرف بمفاعل تموز بسبب تلوث المنطقة بالإشعاعات الخطرة.
إلى ذلك اعتبر الخبير البيئي أيمن العبيدي ان "انتشار الإمراض في العراق لم يعد يرتبط بما سببته الحروب من إشعاعات أثرت على نسبة تلوث الهواء والتربية، وإنما ارتبط بمعالجة بعد المشكلات المجتمعية منها انتشار ظاهرة المولدات في معظم مناطق العراق لتوليد الطاقة الكهربائية للمواطنين بعد أن تفاقمت مشكلة توفير الكهرباء الوطنية لهم".
الناشطة المدنية فاطمة الموسوي أكدت ان ارتفاع نسب الأمراض الانتقالية وانتشارها في عموم العراق، لافتة إلى أن "سرعة اكتشاف الأمراض تزامناً مع انتشارها بنسب كبيرة لا يجدي نفعا مع الجهات الحكومية لإيجاد حلول تقلص من فجوة انتشارها".
الموسوي أضافت، أن "بعض الحالات المريضة التي تتابعها من خلال برامجها الإنساني منتشرة بين افراد العائلة الواحدة وأحيانا منتشر في ذات المنطقة الواحد وبنسب مخيفة ينذر بكارثة صحية مقبله".
ما يشهده الواقع العراقي من ارتفاع في نسب الإمراض الخطيرة والانتقالية كان مثار اهتمام المهتمين بالجانب الصحي العالمي، فقد نشر موقع "نومبيو" العالمي والذي يعنى بالمستوى المعيشي لدول العالم، بأن كل راكب سيارة في العراق بحاجة إلى 27 شجرة لإنتاج الأوكسجين له، وقال الموقع حسب آخر تحديث له في شهر كانون الأول من عام 2018، إن ما تخلفه السيارات في العراق من ثاني أكسيد الكاربون سنويا يبلغ ما نسبته (318.28.2kg) وهو ما يعني أن كل شخص راكب في السيارة يحتاج (27.03) شجرة لإنتاج ما يكفي له من الأوكسجين.
وأضاف الموقع أن تلوث الهواء في العراق الذي شمل أربع محافظات ؛ وهي بغداد والبصرة ودهوك وأربيل والسليمانية بلغ (73.13)، فيما تشكل جودة المناطق الخضراء والمتنزهات في هذه المحافظات ما نسبته (39.29) وهي تعد نسبة منخفضة جدا، ولا أمل على المدى القريب لتجاوز هذه الأزمة في ظل موجة جفاف ستزداد شدتها في الفترة من 2018 إلى 2026 بحسب تقرير لمنظمة الأغذیة والزراعة (فاو) التابعة للأمم المتحدة.
وكان تقرير لممثل منظمة الصحة العالمية في وزارة الصحة العراقية، ثامر كاظم، أكد بأن "عدد الوفيات ارتفع منذ 2015 وحتى منتصف العام الحالي إلى 170 ألف حالة وفاة"لافتا إلى أن "62 بالمائة حصلت بسبب الأمراض المزمنة، التي انتشرت نتيجة لازدياد التدخين والغذاء غير الصحي واستخدام الدهون المشبعة وضعف النشاط البدني المنظم". انتهى/خ.
اضف تعليق