كان العراق من الدول التي تعدُّ منفذاً لمرور المخدرات قبل 2003 إلى دول الخليج وحتى أوروبا، لكن الحال اختلف في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت البلاد ممرا ومتعاطي في ذات الوقت، إذ بلغت نسب المتعاطين للمخدرات أرقاما مرعبة بحسب جهات أمنية وحقوقية، وغالبيتهاً بين فئة الشباب ولكلا الجنسين.
جهات أمنية أكدت ان "مصدر تلك المخدرات قادم من إيران وأفغانستان".
إذ كشف قائد شرطة البصرة رشيد فليح في تصريحات صحفية، عن أن 80% من المخدرات التي تدخل إلى المحافظة مصدرها إيران وأن الـ20% المتبقية تأتي من بقية المنافذ بما فيها الكويت.
الأمر الذي استدعى قيادة العمليات المشتركة ووزارة الداخلية لشن عملية عسكرية واسعة، لتأمين الشريط الحدودي للبصرة مع إيران على مدى 94 كيلومترا.
ما أكدته الجهات الأمنية فندته تصريحات رئيس الوزراء عادل عبد المهدي التي طرحها خلال مؤتمره الاسبوعي الذي عقده في المقر الحكومي وسط العاصمة بغداد أول أمس الثلاثاء حيث قال أنّ "المخدرات يتم نقلها من الأرجنتين إلى مدينة عرسال اللبنانية وبعدها إلى سوريا، وصولاً إلى الأراضي العراقية، وتؤسس لنفسها في العراق شبكات مخدرات.
تلك التصريحات التي وصفت بـ(النارية)، أثارت موجه تكهنات شعبية كبيرة لم تخلو من السخرية اللاذعة، إذ اعتبرها نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي تبرئة مكشوفة الغطاء للجانب الإيراني المسؤول الأول عن ترويج المخدرات للعراق بحسب قولهم.
مواقع التواصل الاجتماعي ضجت بعبارات السخرية فهناك من رسم خارطة جديدة لجوار العراق أستبعد فيها إيران لتحل محلها الأرجنتين، فيما راح البعض يروج لجمهورية الأرجنتين الإسلامية، فيما حمل آخرون ميسي ومارادونا مسؤولية تهريب المخدرات للعراق.
خارطة حدود عراقية محدثة
أبو عمار العراقي علق بالقول وأخيراً عرفت أن الأرجنتين جارة لنا، فيما علق أخر، اعتقد أن"المسؤول عن توريد المخدرات للعراق ميسي"، فيما اتهم أخر رئيس الوزراء عبد المهدي بأنه "من عشاق لاعب كرة القدم البرتغالي كريستيانو"، واعتبر تصريحاته "مؤامرة ضد ميسي" اللاعب الأرجنتيني، فيما أكد ناشط وهو منتسب امني في محافظة واسط بان "منفذ الشلامجة لا يخلو شهرياً من اعتقال مهربين للمخدرات يحملون الجنسية الإيرانية".
رواج تكتيكي للمخدرات
ما تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي فتح الباب على مصراعيه على ملف انتشار المخدرات في العراق الذي شهد خلال السنوات الأخيرة رواج لتعاطي وترويج المخدرات بين صفوف الشباب وتشكيل مافيات كبرى لتجارتها في العراق ذات ارتباطات دولية تأتي إيران في مقدمتها.
إذ رصدت تقارير حديثة لمكتب مكافحة المخدرات التابع للأمم المتحدة معبرين أو ممرين رئيسيين لنفاذ المخدرات الى العراق؛ فالتجار الإيرانيون والأفغان يستخدمون الحدود الشرقية التي تربط العراق بإيران مستغلين طول الشريط الحدودي الذي يزيد عن 1200 كيلومتر، والصعوبة التي تحول دون قدرة حرس الحدود على ضبط هذا الشريط الحدودي الطويل؛ إضافة إلى ضعف إمكانية الأجهزة الأمنية وافتقارها للمعدات اللازمة لكشف المخدرات، أما المعبر أو الممر الثاني الذي تستخدمه مافيا المخدرات التي تتبع دول وسط آسيا؛ فيستهدف أوروبا الشرقية التي من خلالها تصل إلى شمال العراق عن طريق تركيا، فضلًا عن تهريبها عن طريق الموانئ العراقية المطلة على الخليج، والتي تصل إلى محافظة البصرة الجنوبية على وجه الخصوص.
وأضاف التقرير أن العراق لم يعد محطة وسيطة لتجارة المخدرات، بل تحوَّل إلى منطقة توزيع وتهريب واستهلاك، وأن معظم تجار المخدرات من دول شرق آسيا يستهدفون العراق، الذي من خلاله تشحن المخدرات إلى دول شمال العراق وجنوبه.
عمليات عسكرية مضادة
ما رصده تقرير الأمم المتحدة لم يكن بعيداً عما تؤكده بيانات رسمية يومية لقيادات الشرطة في محافظات عدة، عن تصدّر جرائم حيازة وتجارة المخدرات للوائح أوامر القبض القضائية الصادرة بحق العديد من المجرمين في مختلف القضايا الأخرى، كجرائم السطو المسلح والسرقة والقتل وغيرها.
وتظهر تلك النسب بشكل واسع في المحافظات الجنوبية المحاذية لايران والكويت حيث تنشط تجارة وتعاطي المخدرات بشكل كبير، ما دفع السلطات الأمنية لشن حملات ملاحقة وتقصّ أسفرت عن اعتقال العديد من المتهمين بقضايا تجارة وتعاطي وحيازة المخدرات، فضلاً عن جرائم أخرى.
اذ كشف قائد شرطة البصرة رشيد فليح بأن 80% من المخدرات التي تدخل إلى المحافظة مصدرها إيران وأن الـ20% المتبقية تأتي من بقية المنافذ بما فيها الكويت.
فليح قال خلال مؤتمر صحفي عقده في المحافظة مؤخرا أنه حصل على الموافقات المطلوبة من قيادة العمليات المشتركة ووزارة الداخلية لشن عملية عسكرية واسعة، لتأمين الشريط الحدودي للبصرة مع إيران على مدى 94 كيلومترا.
وتابع: "نعمل بقوة على تأمين هذه الحدود من خلال قيادة الحدود والقوة البحرية في محافظة البصرة،وأن مياه شط العرب تخضع لعمليات تفتيش أدق لإيقاف تدفق المخدرات من إيران".
انتحار تاجر وإلقاء القبض على عصابتين
خلية التنسيق لمكافحة المخدرات وانتشارها في البصرة شهدت خلال الشهر الماضي فقط ضبط عصابتين لتهريب وتجارة المخدرات جنوب البصرة، فيما تمكنت قوة أمنية أخرى من إلقاء القبض على ستة متهمين بتجارة المخدرات وتضبط بحوزتهم أسلحة.
اذ شهد الأسبوع الماضي انتحار "أشهر" تاجر مخدرات في محافظة البصرة يدعى "البريكي"، بعد محاصرته من قوات مكافحة المخدرات وسط المحافظة.
وكانت القوات الأمنية في محافظة البصرة ألقت القبض في غضون العامين الحالي والسابق على آلاف المتهمين بتعاطي وتجارة وتهريب المواد المخدرة، وتعتبر مادة (الحشيش) من النوعيات المخدرة الرائجة اما وأكثرها شيوعاً وانتشاراً فهي مادة (الكرستال).
الكريستال اولا والحشيشة ثانيا
اسماء محلية وشعبية تطلق على حبوب الهلوسة أو "الكبسلة" التي يتداولها المدمنون والتجار على حد سواء؛ وهي مسميات غريبة لا يفهمها إلا صاحب العلاقة، ومن هذه المسميات: "السمائي"، و"الوردي" و"الدموي" و"أبو الشارب" و"أبو الحاجب" و"السومادرين" و"الخاكية"، كل واحدة من هذه المسميات تشير إلى نوع محدد من الحبوب المخدرة.
وتعدُّ مادة (الكريستال) المخدرة الأكثر انتشاراً ، والأغلى ثمنًا من بين أنواع المخدرات وهي مادة تسبب الإدمان بتعاطيها مرتين أو ثلاث مرات، وتمتاز هذه المادة بصغر الحجم، وسهولة الإخفاء، ورخص الثمن، إذ ليس من الغريب أن يكون سعر الحصول عليها حتى أقل من الدول التي تصدرها للعراق، ما قد يثير شكوكاً حقيقية في الأسباب الكامنة وراء ذلك.
ويسمى الكريستال بهذا الاسم نسبة إلى الشبه الكبير بينه وبين بلورات الكريستال أو الزجاج المهشم، ويمكن أن ينتج الكريستال أيضًا، على هيئة بودرة أو حبوب أو كبسولات، كما يمكن أن يحقن عن طريق الدم. وتشير تقارير إلى أن الكريستال ينتج أيضًا في ايران، ويبلغ سعر الجرام الواحد منه 13 دولارًا أمريكيًا.
إن الانتشار الكبير لمادة الكريستال (تعاطياً وتجارة) في العراق بدأ وبحسب المسؤولين الأمنيين من عام 2013 بالتزامن مع ظهور تنظيمات داعش في العراق، حيث لم يخف بعض المسؤولين في هذه المحافظات عن خشيتهم بوجود ارتباط بين الانتشار الكبير لهذه المادة الخطيرة مع التنظيمات الإرهابية.
وترتبط الكثير من عمليات العنف ولاسيما العنف المسلح سواء على مستوى الأشخاص أم على مستوى العشائر خصوصا في المحافظات الجنوبية بتعاطي المخدرات ومنها الكريستال، فيما سجلت الأجهزة الأمنية ارتباط عدد كبير من جرائم السرقة والسطو المسلح فضلاً عن الابتزاز والاختطاف بالمتعاطين أو تجار المواد المخدرة.
مصحات للادمان
وبحسب مهتمين بحقوق الإنسان في العراق فان العامين الماضيين بين 2017 و2018 شهدا ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة تعاطي المخدرات وترويجها وبيعها، وخصوصاً بين فئة الشباب لكلا الجنسين"، تعود تأثيرات اقتصادية وأمنية واجتماعية.
يقول عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان فاضل الغراوي، ان اغلب المتعاطي للمواد المخدرة عادوا اليها لعدم وجود مصحات علاجية لهم في البلاد .
وذكر الغراوي في تصريحات صحفية ان "عدم وجود مصحة لمعالجة المدمنين جعل موضوع العودة للتعاطي سهلا عليهم"، مشيرا الى "ضرورة بقاء المتعاطي لمدة 6 اشهر في المصحة حتى يتم علاجه بشكل صحيح".
وبين ان "اكثر المحافظات المستهدفة هي محافظات البصرة وذي قار وبغداد ميسان، فضلا عن النجف التي كثر في الاونة الاخيرة فيها المتعاطين"، مشيرا الى ان "الموقوفين بتهمة تعاطي المخدرات ليس عليهم احكام ختامية والقانون العراقي رادع للتجار".
وعن دور القضاء قال ان "الإحكام القضائية تنوعت بين تهمة التعاطي والترويج، وان نسبة انتشار المتعاطين بين سن 14 الى 17 سنة من فئة الشباب والبنات"، مشيرا الى ان "الأسباب الأساسية كانت سوء التربية وقلة الوعي الاجتماعي وسهولة التواصل والترويج".
وبين ان "من اخطر الأنواع هو الكريستال فهو منبه قوي يعطي متعاطيه قوة كبير، ويوجد انواع اخرى تصنف للمغيبات العقلية وان هنالك عمليات بيع مباشرة ويقوم المروجين بالضغط واستهداف منظومة الشباب وضرب الجوانب الاسرية لذا يجب ان يأخذ القانون حقه من المروجين".
وتابع ان "المسح اشر الى جملة من المؤشرات الخطرة، فان تجار المخدرات يستهدفون الشريحة الأمية التي تبلغ نسبة 18% من بين المتعاطين". انتهى/خ.
اضف تعليق