فجرت تصريحات منسوبة إلى رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي بشأن مستقبل الوجود العسكري الأميركي في البلاد عاصفة من الجدل في بغداد. فيما عاد رئيس الجمهورية برهم صالح للتذكير بأن القوات الأميركية موجودة في العراق بطلب من حكومته.
خلال زيارته إلى الولايات المتحدة، نسبت وسائل إعلام إلى الحلبوسي قوله إن القوى السياسية العراقية اتفقت في مجملها على تأكيد حاجة العراق إلى بقاء القوات الأميركية في المدى المنظور، مشيراً إلى أن جميع المقترحات التي تتعلق بتقييد حركة هذه القوات أو إخراجها سُحبت من البرلمان.
ووفق وسائل الإعلام التي نقلت هذه التصريحات، وقالت إن الحلبوسي أدلى بها خلال جلسة خاصة، فإن قرار الإبقاء على القوات الأميركية في العراق أتخذ بإجماع الرئاسات الثلاث، الجمهورية والبرلمان والحكومة، فيما اعتبر أن مطلب إخراجها "يصب في مصلحة الإرهاب".
مكتب الحلبوسي: التصريحات محرفة!
على الرغم من أن مكتب الحلبوسي قال إن تصريحات رئيس البرلمان خضعت للتحريف لدى نقلها، إلا أن قوى سياسية شيعية أطلقت موجة انتقادات ضدها.
وقال صباح الساعدي، وهو رئيس الكتلة البرلمانية لتحالف "سائرون" التابع لمقتدى الصدر، إن مشروع قانون إخراج القوات الأجنبية من العراق موجود في أدراج مجلس النواب، مطالباً الحلبوسي بعرضه على النقاش.
وأضاف الساعدي أن "الحديث عن سحب مقترح القانون وهم كبير، وقع فيه البعض"، مشيراً إلى أن "السيادة الوطنية موضوع غير قابل للمساومات والمجاملات بسبب اللقاءات أو الزيارات"، في إشارة إلى التصريحات المنسوبة إلى الحلبوسي خلال زيارته واشنطن أخيراً.
وأشار الساعدي إلى أن "إخراج القوات الأجنبية، بما فيها الأميركية، من الأراضي العراقية وإلغاء المعسكرات والقواعد العسكرية الأجنبية في العراق هما من أهم الموضوعات التي لا يمكن أن تطوى نهائياً، إلا بإخراج آخر جندي أجنبي وإغلاق آخر قاعدة ومعسكر للقوات الأميركية والأجنبية في العراق". ودعا رئيس مجلس النواب إلى أن "يحيل مقترح القانون الذي تقدمنا به إلى اللجان المختصة، وهي الأمن والدفاع والعلاقات الخارجية، وفقاً لأحكام النظام الداخلي. وهذه اللجان لا يمكنها أن تقرّر بدلاً من المجلس مع إصرارنا على المضي بتشريع القانون كما ينصّ عليه النظام الداخلي".
واختتم بالإشارة إلى أن "الرئاسات الثلاث لا يمكنها أن تحلّ محلّ مجلس النواب وإلغاء اختصاصاته التشريعية والرقابية".
صالح: مهمة القوات الأميركية محددة
تزامنت التصريحات المنسوبة إلى الحلبوسي، مع تجديد الرئيس صالح الإشارة إلى أن القوات الأجنبية "موجودة بدعوة من الحكومة العراقية"، مشيراً إلى أن هذا الوجود مرتبط بـ "مهمة محددة وهي تمكين القوات العراقية ومساعدتها في مكافحة تنظيم داعش حصراً. وفي هذا السياق، لا أرى معارضة شديدة لوجود هذه القوات في العراق اليوم".
لكن صالح قال إن "أيّ مهمة أخرى (للقوات الأجنبية في العراق) خارجة عن هذا التوصيف لن تكون مقبولة"، في ردّ ضمنيّ على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن قوات بلاده موجودة في العراق لمراقبة أنشطة إيران.
وجود الأميركيين ونفوذ إيران
يعتقد مراقبون أن الوجود العسكري الأميركي في العراق متلازم مع النفوذ الإيراني الواسع في البلاد، إذ يغذّي أحدهما الآخر.
ويقول باسم العوادي، وهو محلّل سياسي مقرّب من رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، أحد أبرز الداعمين لتعزيز الانتشار العسكري الأميركي في العراق، إن الحلبوسي عرض على الولايات المتحدة خلال زيارته الأخيرة "صفقة متكاملة"، تتضمّن السماح للعراق بمواصلة استيراد الكهرباء والغاز الإيرانيين، لقاء السماح بوجود طويل الأمد للقوات الأميركية على أراضيه.
وأضاف العوادي أن هذه الصفقة تقوم على تحقيق مصالح كلّ من العراق وإيران والولايات المتحدة خلال الأعوام الثلاثة المقبلة. فهي تسمح للعراق بتجاوز العقوبات الأميركية على إيران، بما يسمح له بالحصول على احتياجاته من الغاز والكهرباء مقابل حوالي ثلاثة مليارات دولار سنوياً، ستكون ضرورية للغاية بالنسبة إلى إيران، التي تواجه شحّاً في مصادر المال، تحت ضغط العقوبات الأميركية، في مقابل غضّ النظر عن وضع القوات الأميركية في الأراضي العراقية.
في المقابل، يقول إياد السماوي، المرشح السابق للبرلمان على قائمة "الفتح"، إن "تصريحات الحلبوسي أعطت انطباعاً للرأي العام العالمي بأن ما يثار من مطالبات برحيل القوّات الأجنبية عن العراق لا يعبّر عن الموقف الرسمي للحكومة العراقية، ولا عن موقف غالبية الكتل النيابية في مجلس النوّاب، وكأن هذه المطالبات لا تتعدّى رغبة بعض الكتل السياسية التي تمّثل الأجندات الإيرانية في العراق".
وأضاف السماوي "الحقيقة أنّ حديث الحلبوسي يحتاج إلى توضيح من الجهات ذات العلاقة بموضوع الوجود العسكريّ الأجنبيّ في العراق، فمن هي الكتل التي سحبت مقترحها في شأن مشروع القانون الخاص بالوجود العسكريّ الأجنبيّ في العراق؟ وكيف توصّل الحلبوسي إلى أنّ المطالبة بسحب القوّات الأجنبية من العراق في هذه المرحلة يصبّ في مصلحة الإرهاب؟ وهل توافقت الرئاسات الثلاث حقاً على ضرورة بقاء القوّات الأجنبية في العراق؟".
وتابع متسائلاً "هل يستطيع الحلبوسي أن يخبر الرأيَ العام العراقيّ في أيّ مرحلة من مراحل الحرب مع داعش كان لقوات التحالف الدولي دور في تحرير متر واحد من الأرض التي كانت تحت سيطرة التنظيم؟ وأيّ مصلحة للعراق وشعبه في بقاء القواعد الأميركية وقواتها، التي أصبحت تشّكل خطراً داهماً على سيادة العراق وأمنه وقراره السياسي؟".
منصب الحلبوسي في خطر
تقول مصادر سياسية في بغداد إن "التصريحات المنسوبة إلى الحلبوسي في شأن القوات الأميركية، ربما تعرّضه لضغوط سياسية هائلة من حلفاء طهران في البرلمان العراقي، قد تصل إلى حد العمل على إقالته من منصبه، لكنها في الوقت نفسه تقربه من جبهة أصدقاء واشنطن التي يزداد نفورها من التدخلات الإيرانية المتزايدة في الشؤون العراقية".
يشار إلى أن الحلبوسي ارتقى إلى منصبه بتأييد واسع من تحالف البناء النيابيّ، الذي يضمّ معظمَ القوى السياسية الحليفة لإيران.
اضف تعليق